تشكل العنصرية، من دون شك، احد اكثر الاصوات ميلاً للسخرية بمصطلح "القرية الكونية". فانفتاح الدول على بعضها البعض وحوار الحضارات والابقاء على شرطي وحيد لمعالجة شؤون هذا الكون، لم تخفف من حدة المشاعر العنصرية، بل في العديد من الحالات، عمّقتها. ومن دون الذهاب حتى الصورة المرعبة التي قدمها المخرج الاميركي الاسود سبايك لي في منتصف التسعينات في فيلمه Fever Jungle، حول العلاقات التي تغدو، بسهولةٍ، علاقات دموية بين البيض والسود في الولاياتالمتحدة، امام "خطر" اي تقارب بين العرقين، فان الصراعات العنصرية الحالية في جنوب افريقيا ودول افريقية اخرى، في يوغوسلافيا السابقة، وفي عدد من الدول الآسيوية، تشكل عاملاً أساسياً من اسباب العنف في العالم. اما في الدول الاوروبية، فان ولادة "غيتوات" عرقية في معظم ضواحي المدن تظهر صعوبة الاندماج في مجتمعاتها. وحوادث العنف والشغب اضحت اليوم جزءاً من حياتها اليومية، واذا ما استثنينا بعض النجاحات الفردية، فان لون البشرة والوضع الطبيعي اصبحا مترادفين اكثر من اي وقت. فكيف يتم تغيير هذه الصورة، واي دور يمكن للاعلام ان يقوم به في الحد من العنف الذي يفرزه هذا النبذ الاجتماعي؟ دراسة صدرت مؤخرا في بريطانيا حول حضور الأقليات العرقية في اوروبا في الوسائل المرئية لدول مختلفة كفنلندا وبريطانياوفرنسا وهولندا الخ. ويتبين انه رغم اختلاف الوسائل المتبعة بين هذه الدول في تطرقها لمسألة انخراط هذه الأقليات في المجتمع، فان نتائج الدراسة تظهر في معظم الحالات تقصير وسائل الاعلام المرئية في لعب دور ايجابي في عملية الانخراط. فوجود صحافيين او ممثلين ينتمون الى الأقليات العرقية في برامج معظم المحطات الاوروبية ما يزال هامشياً، رغم بعض التحسن في بريطانيا في بداية التسعينات، وزيادة التساؤلات حول هذا الموضوع في فرنسا مع نهاية القرن. ففي بريطانيا، كان للمحطات الخاصة كالقناة الرابعة وآي. تي. في.، وعلى عكس ما كان متوقعاً من دور لمحطات القطاع العام، الفضل في تقديم صحافيين سود او باكستانيين على الشاشة الصغيرة. تريفور ماكدونالد، التريندادي الأصل، هو نجم النشرة الأخبارية على قناة آي. تي. في.، بيد ان وجوده كنجم منع العديد من ذوي البشرة الداكنة من دخول التلفزيون، بحجة نجومية مكدونالد الكافية لاظهار انفتاح التلفزيون البريطاني على الأقليات العرقية. وعلى عكس فرنسا، هناك اليوم في المملكة المتحدة سياسة "كوتا" حصة لمختلف الأقليات. فرغم ان محطة البي. بي. سي. تزعم ان 8 في المئة من العاملين في مكاتبها ينتمون الى هذه الأقليات، فيما عددهم في البلاد لا يتجاوز 5 في المئة، فان الموقع الذي يحتلونه ما يزال شديد التدني: حوالي 2 في المئة من بينهم وصلوا الى مواقع مسؤولية في القطاع المرئي. كذلك فنسبة حضورهم في المحطات المحلية، خاصة في المدن الكبرى حيث نسبة الأقليات العرقية تدور حول 20 في المئة من السكان، ما زالت تعتمد على الاحصاءات القومية التي تنزل هذه النسبة الى 5 في المئة كما ذكرنا. الجديد في بريطانيا هو في المسلسلات التلفزيونية، التي عوضاً عن تقديم برامج مخصصة للأقليات العرقية، كما الحال في عدد من الدول الاوروبية الاخرى، اخذت تظهر مجتمعاً متعدد الجنسيات وتتوجه بهذه الصورة الى كامل المشاهدين البريطانيين. اما في فرنسا، فالامور تبدو اكثر تعقيداً: ليس هناك اي مقدم للنشرة الاخبارية في ساعات المشاهدة الأساسية من اصول عرقية غير اوروبية. واذا استطاع الصحافي الجزائري الاصل رشيد أرهب تقديم نشرة الاخبار الظهرية على شاشة القناة الفرنسية الثانية، فان المحطة رفضت ان يكون هو نجم النشرة الوحيد، جاعلةً حضوره يترافق مع صحافية ذات بياض اشد ميلاً الى ما نراه في دول اسكندينافيا مما في فرنسا. الا ان المطالبة بسياسة "الكوتا" كحل وحيد لخرق الحواجز العرقية، على غرار المطالب النسوية في المجال السياسي، ما زالت امراً مرفوضاً لدى الطاقم السياسي الفرنسي الذي يرى في الأمر خرقاً للقيم "الجمهورية" ولفكرة "صهر" الأجانب او ذي الاصول الاجنبية في القالب الفرنسي. واليوم صورة الاقليات العرقية في المجتمعات الغربية بدأت تتغير، ابتداءً من... ألعاب الفيديو الموجهة للصغار. واذا كانت كتب الكرتون تجاهلت في الاجيال السابقة شعوب العالم الثالث، او لم تعطها اي دور فعّال داخل الرواية المعتمدة، فان دخول السود والصفر ألعاب الفيديو كشخصيات أساسية في اللعبة، لا يخلو من بعض الرواسب. ففي لعبة البوكس Ready 2، لا يكف الملاكم الاسود عن القفز والدعوة الى الرقص واستخدام الفاظ بذيئة، تدليلاً على اصوله العرقية! رواسب اخرى نجدها اليوم حتى عند الجمهور المعادي للعنصرية في شغفه بما يسمى بالموسيقى العالمية World Music التي، في انتقاء وجوهها، تظهر متناقضة مع الموسيقى الغربية. فكأنما هناك حاجة لابقاء الأفارقة والعرب وشعوب اميركا اللاتينية في فولكلورهم ومواقعهم، وذلك باسم الأصالة! انها كليشيهات تمنع التقارب بين الشعوب، او السماح لموسيقى من دول العالم الثالث ان تدخل الى آذاننا وقلوبنا وتُبعد الغرائز العنصرية، ما دام انها لا تلعب لعبة الفولكلور، بل تحاول الانصهار في الموسيقى العالمية.