تفاتها التقليدية التي تخلد اسمها عبر التاريخ وتشهد على عراقة ماضيها واصالته. وما صناعة الاقمشة والسجاد اليدوي والفخار وفنون الزخرفة والنحاسيات والسيوف إلا شواهد على إبداع الدمشقيين وبراعتهم. ولا يزال السيف الدمشقي مثالاً باقياً منذ مئات السنين يحكي التاريخ بلغة القوة والجمال. يعتز به الدمشقيون الى حد أنهم رفعوا نصباً له في ساحة الامويين في وسط العاصمة دمشق كرمز لقوة المدينة ومناعتها. ويتميز السيف الممهور بختم "أسد الله الدمشقي" المنّزل بالفضة والذهب والاحجار الكريمة بجمال رونقه وروعة نقوشه وجدائله المتموجة المسبوكة من الفولاذ والحديد والنيكل والفضة، والتي تدل على "الجوهر الدمشقي" بقوته وصلابة نصله الذي لا مكان للصدأ فيه مهما طالت عليه الايام. غير ان حرص اصحاب المهنة على سر صناعة هذا السيف يتوارثونها عن الآباء والأجداد منذ أكثر من 300 سنة رافضين إفشاء سرها للغير، كان وراء اضمحلال هذه الصناعة وندرتها. وهذه الايام يتم صنع سيوف جديدة في ورشات قليلة في دمشق، غير انها لا تتمتع بمتانة القديم وصلابته، ذلك ان القائمين عليها حالياً لا يعرفون كيفية أو طريقة صنعها السابقة. سر صناعتها مات مع أصحابها الذين كانوا يحرصون على الاحتفاظ به لأنفسهم او لتلميذ واحد ليستمر في الصناعة من بعدهم. يقول أحد اصحاب الورش الحالية: "كان آخر صانع للنصل الدمشقية اسمه "أسد الله" وكانت النصل التي يصنعها مزيجاً من الحديد والفولاذ وتدعى "الجوهر الدمشقي". وحاول بعض العلماء الالمان تحليل هذه الخلطة المعدنية فلم يستطيعوا". وأضاف: "كان أسد الله أمهر صانع سيوف، وهو أحد الذين سباهم الغزاة من دمشق. وكان لأسد الله تلميذ توفي منذ 270 سنة، ولذلك نجد على السيوف القديمة أختاماً باسم المعلم وتلميذه". أما السيوف التي وجدت بعد ذلك في مطلع القرن السابع عشر في عهد عباس شاه، فان هذا "المعلم" يعتقد انها من صنع أحفاد أسد الله الدمشقي أو من تلاميذه الذين استعملوا هذا الرمز في ما بعد للافادة من هذه العلامة ترويجاً لبيع المنتجات ليس الا. والسيف الدمشقي القديم عبارة عن نصل منحن ربع حنية الدائرة وله قبضة عربية واحيانا نجد له سكتين او أكثر في منتصف النصل وختماً باسم الصانع. وهناك سيوف مصنوعة من الجوهر الدمشقي في ايران والهند ودمشق. ولا يتجاوز عددها حالياً مئتي سيف موزعة في أنحاء العالم. ويقول أحد أصحاب محلات بيع السيوف والتحف الشرقية في سوق الحميدية: "السيوف الدمشقية القديمة أصبحت اليوم نادرة تجدها حاليا في المتاحف العالمية وفي بيوتات بعض العائلات العربية عموماً والدمشقية خصوصاً، وهي تعامل كتحفة تراثية وليس كسلعة موجودة في الاسواق. ومقتنو هذا السيف هم من اصحاب الذوق الرفيع والمقدرين للفن والتراث الدمشقي الأصيل والقادرين على دفع ثمنه الذي يصل احيانا الى أكثر من 40 الف دولار اميركي". وبرع الدمشقيون قديماً بصناعة السيوف من فولاذ الجوهر وتنزيل الفضة والذهب والاحجار الكريمة حيث كانت تخرج من أيدي الصياقلة شديدة الصلابة ومرنة وذات جوهر بديع وعلى سطحها أمواج مجدولة اكتسبت خاصيتها من صقل الفولاذ الدمشقي، واعطته الصلابة التي نستطيع رؤيتها على سطح السيف وهي التي تميزه عن غيره من السيوف. ويقول أحد الصناع: "يتميز السيف الدمشقي بصلابته حيث تستطيع بواسطته قطع أي سيف آخر". وتعود اسباب تلك القوة الى الطرق والسقاية بواسطة النار واشياء اخرى كشدة تحمله لتغيير درجات الحرارة الكبيرة من دون ان يتأثر شكله أو خاصيته. وتتجمع ورش صنع السيوف حالياً في التكية السليمانية بعيداً عن سوقها الاصلية في دمشق القديمة بالقرب من الجامع الأموي، اي في "سوق السلاح" الذي لم يبق منه اليوم الا اسمه وتحولت دكاكينه الى بيع سلع متنوعة. ويقول احد الحرفيين: "امام تطور صناعة الاسلحة النارية انقرضت صناعة السيوف الدمشقية القديمة التي تحولت من حاجة ملحة الى تحفة شرقية". ويوضح السيد حسن، وهو يعمل في ورشة لصناعة السيوف منذ 22 سنة: "نصنع السيوف الجديدة تقليداً للقديمة غير انها لا تتمتع بمتانة القديم وصلابته"، ويضيف: "اصبحت السيوف تصنع من الفولاذ عن طريق تحمية الحديد حتى يصل الى درجة الاحمرار وتتم بولدته فولذته بغليه بالزيت او الماء مرات عدة الى ان يصبح جاهزاً ثم يسلم الى صانع الغمد الذي يستخدم الخشب بالجلد الطبيعي". ويشير الى وجود خمس مراحل "تبدأ بصناعة النصل التي تتم حالياً بواسطة المكبس الذي يكبس الحديد ثم يخلع ويكسم ويبولد ثم ينكل بطريقة كهربائية لمنع الصدأ. اما المقبض فتتم صناعته عن طريق سكب المعادن تليه، الزخرفة بطريقة "الكسر شفت" وهي عبارة عن سحب شريط نحاسي وجدله وتطعيمه بواسطة شفت او ملقط. اما الغمد فيفصل من قالب خشبي وتلف عليه صفيحة نحاسية ويلحم بلحام فضة ثم يزخرف وأخيراً يطلى بماء الذهب ويطبق من جديد ليصبح سيفاً كاملاً حتى يظهر بشكله المبدع". وعن تطور صناعة السيف الدمشقي يقول الحرفي مصطفى انها "متوارثة عن الآباء والأجداد منذ 300 سنة. تطورت اليوم من نواح عدة حيث كانت سابقاً تأخذ وقتاً طويلاً لعدم وجود المواد الاولية اللازمة لصناعته، وتطورت حالياً بأقل زمن واقل كلفة. وايضاً تطورت رسوماته من شكل بسيط الى اشكال هندسية ذات ذوق رفيع". ويتراوح سعر السيف الجديد بين مئة والف دولار اميركي، ويتحدد السعر حسب كمية الفضة والذهب الداخلة فيه، اضافة الى كمية الزخرفة والنقوش ومدى حسن تقليده للسيوف القديمة. اما الزبائن فأكثرهم "من السياح العرب وخصوصاً من دول الخليج". ويشير العاملون في هذا المجال الى مجموعة من الصعوبات التي تواجه استمرارهم في هذه المهنة التي بدأ أصحابها يتخلون عنها، اذ يقول أحد أصحاب الورش: "ان دمشق لا تزال تشتهر بصناعة السيوف لخبرة حرفييها ولصناعتها المتقنة وسعرها الرخيص غير ان عدم تشجيع هذه الصناعة قلل من تصريفها". ويشدد آخر على ضرورة "الاهتمام أكثر بهذه المهنة فهي تشغل عدداً كبيراً من الحرفيين مثل النجار والسكاب وصانع الحديد والمزخرف والنكال"، فيما يطالب الحرفيون الدولة "بالمحافظة على هذه المهنة كتراث دمشقي خالد وترويجها وطنياً وعربياً وعالمياً وتقديم التسهيلات للمشاركة بالمعارض وعدم السماح بصنعها الا من قبل الصانعين الاكفياء لأن الموضوع يخص سمعة سورية ودمشق وليس الصانع فقط". تخر دمشق بصنا