يقوم اوري لوبراني بمسؤولية "ملف لبنان" الاسرائيلي منذ 15 سنة، وهو مهندس "الحزام الأمني" السيئ الصيت هناك ولا يزال الى اليوم من أشد المدافعين عنه. ورفض الرأي القائل بافلاس سياسة اسرائيل في لبنان أو أن الهجمات الواسعة على المدنيين، مثل عملية "عناقيد الغضب" في 1996، تشكل انتهاكاً للقانون الدولي. ورأى ان أمن اسرائيل فوق كل الاعتبارات، وان لبنان هو المعتدي وليس اسرائيل. كما اعترض على الرأي الواسع الانتشار عن ان حزب الله انتصر عسكرياً على اسرائيل. ألمح لوبراني أيضاً في المقابلة الى ان رئيس وزراء اسرائيل ايهود باراك قد يعمد، في حال عودة المفاوضات مع سورية، الى ارجاء الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان الى ما بعد المهلة التي حددها هو نفسه للانسحاب. لكن لوبراني حذّر أيضاً من ان باراك في غياب تلك المفاوضات قد يضطر الى الانسحاب من طرف واحد، وهي خطوة مليئة بالمخاطر لان الاشتباكات الحدودية قد تقود اسرائيل الى العودة الى لبنان. بكلمة اخرى، ان هذا السيناريو ينطوي على احتمال الحرب. هذه كانت بعض آراء لوبراني عندما التقيته في فندقه اثناء زيارته الى لندن هذا الاسبوع. وفي ما يأتي تفاصيل اللقاء: ما هو لقبك الرسمي، وما هي مسؤولياتك؟ - لقبي الرسمي "المنسق الحكومي لشؤون لبنان"، ومهمتي الاشراف على سياسة الحكومة تجاه لبنان وضمان اقصى ما يمكن من الفاعلية لها. ولك دور في صوغ السياسة بالطبع؟ - لست سياسياً، ولا أتخذ قرارات سياسية. رئيس الحكومة والوزراء يتخذون القرارات، أما مهمتي فهي الاشراف على التنفيذ. هل تتبع مكتب رئيس الوزراء أم وزارة الدفاع؟ - اتبعهما سوية. مكتبي في وزراة الدفاع، لكن تعييني جاء من رئيس الحكومة. كيف ابتدأت علاقتك بشؤون لبنان، ومنذ متى تقوم بالمهمة؟ - أقوم بها منذ 15 سنة. في 1983، بعد سنة من الحملة على لبنان في 1982، استدعاني رئيس الوزراء وقتها مناحيم بيغن واعطاني مسؤولية التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية ذات العلاقة في الشأن اللبناني. لم تكن هناك منطقة أمنية عندما بدأت العمل. ودارت في الناقورة محادثات على أساس قرار مجلس الأمن 425 حول امكان توصل جيشي لبنان واسرائيل الى نوع من الاتفاق، خارج اي سياق سياسي، لضمان أمن الحدود الشمالية. المحادثات انهارت بسبب الافتقار الى ارادة سياسية لبنانية مستقلة. بعد ذلك قررت حكومة اسرائيل من طرف واحد ان عليها ايجاد وسيلة لحماية حدودنا الشمالية، واخترنا الترتيب الحالي القائم على منطقة أمنية. يرى كثيرون ان فكرة المنطقة الأمنية خطأ كبير من اسرائيل. لقد تحمل اللبنانيون الكثير من القتل والجرح والتشريد اضافة الى الخسائر المادية الهائلة. كيف تبرر ذلك؟ - يمكنني القول إن هذا هو المنظور اللبناني للوضع. أما من منظورنا فقد اتيح للإسرائيليين سكان الحدود الشمالية أن يعيشوا حياة طبيعية، لا يتخللها سوى القليل من اعمال العنف. إذا صح تقديري، لم يقتل في عمليات معادية عبر الحدود في السنين ال15 الأخيرة، منذ 1983، سوى سبعة او ثمانية مدنيين اسرائيليين. سبعة او ثمانية فقط من جراء عمليات "كاتيوشا". إنه نجاح باهر للمنطقة الأمنية. خصوصاً إذا نظرت الى عدد الاسرائليين الذين قتلوا في عمليات ارهابية في اماكن اخرى. انت تترك خارج الحسبة الجنود الذين قتلوا في تلك المنطقة. - بالطبع دفعنا ثمن تأمين الوضع بالقتلى من الجنود. انه ثمن غال ومؤلم. من 20 إلى 25 جندياً اسرائيلياً قتيل سنوياً؟ - رقم مثل هذا. مجموع القتلى نحو 250 جندياً. إنه ثمن باهظ تماماً ونشعر الآن ان هناك حاجة الى تغيير. هل سألت نفسك يوماً إذا كان الافضل لاسرائيل الانسحاب الكامل من لبنان بعد ذهاب منظمة التحرير الفلسطينية؟ - إنه سؤال بالغ الصعوبة، لأن فيه الكثير من "لو". رغبة السوريين في مضايقة اسرائيل كانت ستبقى على حالها حتى لو عدنا الى حدودنا. وستستمر تلك الرغبة الى ان يتم تناول مصالح سورية والقبول بها. هكذا فإن السؤال هو: كيف تدافع عن نفسك؟ هل تدافع عنها عند حبل الوريد ذاته ام في نقطة على بعض البعد منه؟ انها مسألة تقدير. هل توافق على ان اقامة المنطقة الأمنية هي ما خلق حزب الله؟ أي ان وجودكم داخل لبنان أدى الى ظهور عدو اخطر بكثير من الفلسطنيين. - لا نعرف أنواع الاعداء التي كانت ستظهر لو بقينا عند حدودنا الدولية وكان علينا الرد على كل هجوم. هذا كان سيخلق مشكلة أمنية من الطراز الأول. إذن انت ترى ان المنطقة الأمنية مبررة تماماً؟ - الهدف الوحيد الذي حددته الحكومة عند اقامة المنطقة كان تأمين الحدود الشمالية. وقد تأمنت الحدود، وان كان علينا ان نعترف بالثمن الذي دفعناه. لقد بقي السكان المدنيون معظم الأوقات بعيدين عن الهجمات، وتمكنوا كما قلت من متابعة أشغالهم: إقامة البنى التحتية وتطوير السياحة والزراعة والصناعة. وهم يتوقعون استمرار الحكومة في حمايتهم من العنف والفوضى. فهمت ان هناك ضغطاً قوياً في اسرائيل للانسحاب من جنوبلبنان. - نعم بالتأكيد هناك ضغط. لدينا رأي عام. واسرائيل تحاول الانسحاب من لبنان، انها تحاول ذلك منذ سنين. والآن حدد رئيس الوزراء الجديد موعداً لذلك. قال إنه سيسحب الجيش الاسرائيلي من المنطقة الأمنية خلال سنة، لكن مع ترتيبات. الترتيبات عندما يقول "ترتيبات"، هل يعني ترتيبات مع سورية؟ - لم يحدد ذلك، وأنا أيضاً لا أريد التحديد، لكنني بالتأكيد اعتبر سورية المفتاح لكل المشكلة اللبنانية - الاسرائيلية. وأوضح رئيس الوزراء ان الترتيبات التي يتصورها تتضمن تأمين وضع المتعاونين معنا في جنوبلبنان. لا نزال في انتظار عودة المفاوضات بين سورية واسرائيل. لكن ماذا اذا لم تعد؟ - أنا متفائل بطبيعتي ولذا أقول ان هناك احتمالاً جيداً لعودتها. وأملي ان لا تخطئ سورية وتضيع نافذة الفرصة هذه. الطرفان عليهما أن يستغلا الفرصة... - بالتأكيد. لكن الوضع الحالي هو اصرار سورية على ان نلزم انفسنا شيئاً مرفوضاً. السوريون يعرفون الآن ان طلبهم مرفوض، سواء من حيث المحتوى او طريقة التقديم. إنهم يريدون لنا إلتزام شيء بالغ الأهمية حتى قبل بدء المفاوضات، ويقولون ان هذا ما وعدنا به او التزمناه تجاههم في الماضي. لكن اعتقد بأن من الواضح الآن من منظورنا، وأيضاً المنظور الأميركي كما يمكنني ان اضيف، ان هذا لم يحصل. الانسحاب الى خط 4 حزيران يونيو 1967 مرفوض من قبل كل الاسرائيليين. اخالفك في ذلك. السجل يبين ان اثنين من رؤساء وزراء اسرائيل السابقين، اسحق رابين وشمعون بيريز، اعطيا الأميركيين التزاماً واضحاً بالانسحاب الى ذلك الخط. - لم أر ذلك السجل. واذا تكلمنا على الصعيد النظري، لم يكن الأميركيون مخولين ابلاغ الطرف الآخر شيئاً قيل لهم. لكن الالتزام اعطي الى الاميركيين لابلاغه الى السوريين. - اعرف رئيس الوزراء رابين ما فيه الكفاية لكي اجزم ان هذا لم يكن الحال. لنترك القضية عند هذه النقطة. لنستكشف أمرين آخرين. ماذا لو لم تكن هناك عودة الى المفاوضات مع سورية؟ هل يعني هذا انسحاباً اسرائيلياً من طرف واحد من لبنان؟ - هذا بالضبط ما قد يحصل. لكن رئيس الوزراء حرص على أن لا يعلن ماذا سيفعل. لكنه تعهد للناخب الإسرائيلي الانسحاب. - نعم، تعهد. ألزم نفسه سياسياً بالانسحاب خلال سنة، أي بحلول تموز يوليو المقبل. هل سيطالبه الرأي العام الاسرائيلي بالتنفيذ؟ - بالتأكيد. لكن سيكون عليه ان يزن اذا كان تنفيذه الالتزام سيخلق حدوداً أكثر أماناً في الشمال وبكلفة أقل، أم ان الحدود ستكون اقل أمانا وبكلفة أعلى. إنها في كل الأحوال مخاطرة. يمكن ان يقع اشتباك عبر الحدود... - عندها سنجد اننا عدنا الى نقطة البدء. ماذا ستفعلون وقتها؟ هل تعودون الى لبنان؟ - هذا ممكن. اذا كانت هناك ضرورة قصوى فالجيش مستعد. لكن لا احب التفكير بهذا الاحتمال. حاولنا طوال السنين ال15 الاخيرة خلق ظروف تضمن لنا عدم الاضطرار الى العودة الى لبنان. ليس في اسرائيل من يريد العودة الى لبنان. الكل يكره ذلك. البديل هو العودة الى التفاوض مع سورية. واذا توافرت الصيغة اللازمة للعودة، هل يعني ذلك اعطاء رئيس الوزراء باراك مهلة اطول لتنفيذ التزامه؟ - أنا على ثقة في حال عودة المفاوضات من ان رئيس الوزراء باراك سيعطيها كل فرص النجاح قبل اللجوء الى خطوات من جانب واحد. هذا رأيي. والقرار بيد رئيس الوزراء. ما تقوله هو ان رئيس الوزراء باراك، في حال عودة التفاوض مع سورية، قد يرجئ الانسحاب من لبنان الى ان يتوصل الى اتفاق. - اذا عادت المفاوضات وحصل تقدم، اعتقد بأن ذلك سيكون سبباً معقولاً تماماً لتأجيل الانسحاب. رئيس الوزراء قال أخيراً إنه لن يلقي بنفسه من على الجسر اذا لم يأت الانسحاب من لبنان خلال سنة بل بعد شهرين او ثلاثة على ذلك. انها ليست ساعة سويسرية! لا اعتقد ان بضعة اشهر هنا او هناك ستؤثر في الوضع. ما دامت المفاوضات بدأت على المسار السوري. - بالتأكيد. هذا يعني ان على هذا الطرف او ذاك التنازل في ما يخص خط 4 حزيران 1967. - لأعبّر عن القضية بهذا الشكل: ليس هناك من يريد المزيد من سفك الدماء والقتل. أنا على ثقة مطلقة - وهو ما اقوله لنفسي وأيضاً لزملائي - من ان اسرائيل وسورية ما ان تجلسا للتفاوض حتى يتم العثور على طريقة لارضاء الطرفين. في هذه الحال سيكون مقتل أي شخص من دون معنى. لماذا تستمر اسرائيل اذن في القصف اليومي للبنان؟ أليست هذه سياسة مفلسة؟ - إنها ليست سياسة مفلسة. نحن نواصل عمل كل ما يلزم لحماية حدودنا الشمالية وقواتنا في المنطقة الأمنية. اننا نقوم بتغيير في التكتيكات، اننا نغيّر الوسائل. هل تشرح التغيير في التكتكيات؟ - الجيش يعمل في شكل دائم على ايجاد طرق فاعلة للتعامل مع الوضع. نحاول التقليل من خسائرنا وزيادة الخسائر في صفوف مهاجمينا. هل يعني هذا غارات جوية أكثر ودوريات أرضية أقل؟ - أحياناً، نعم. إنه وضع متقلب ونستعمل تكتيكات مختلفة في أوقات مختلفة. وكلما خاطرنا اقل بحياة جنودنا كان ذلك أفضل. لا تنس ان صيغ التفاهم التي تلت عملية "عناقيد الغضب" لا تزال سارية المفعول. ولجنة المراقبة تقوم بعملها. انها تحاول منع ضرب المدنيين من الطرفين، فيما تحاول اسرائيل الدفاع عن نفسها ضمن هذه القيود. انسحبتم من جزين، هل تنوون القيام بالمزيد من الانسحابات؟ - لم ننسحب من جزين. كان ذلك جيش لبنانالجنوبي. لحد قائد ذلك الجيش قرر الانسحاب. الجيش الاسرائيلي لم يكن هناك أبداً. لم يكن لنا جندي واحد هناك. وقرر لحد الانسحاب عندما رأى ان المدنيين بدأوا بالتعرض الى خسائر وأنه لا يستطيع حمايتهم. هناك اشاعات عن احتمال انسحابكم من حاصبيا. - مجرد تكهنات. لا تغيير على تلك الجبهة. ماذا سيحصل لجيش لبنانالجنوبي في حال انسحابكم من لبنان؟ هل ستأخذون معكم بعض الضباط؟ - اسرائيل التزمت العناية بالذين دعمونا وتعاونوا معنا، وانا على ثقة ان اسرائيل ستفي بالتزامها. حتى لو كان العدد كبيراً؟ - يجب ان نرى ظروف الانسحاب. لا أريد الحديث عن الاعداد الآن. ما هو عدد جيش لبنانالجنوبي؟ - إنه يتكون من 2500 عنصر، لكن هناك أهاليهم، والمتعاونين معهم. هل تتصور وضعاً يستوجب أخذ الكل إلى اسرائيل؟ - لا اريد التكهن. قد يختار كثيرون عدم المجيء. مثل العناصر في جزين. لكنني واضح تماماً تجاه القضية. اعتقد ان وقت القرار لم يحن بعد. وعلينا التزام تجاه هؤلاء الناس وسنقوم بكل ما هو ضروري لدعمهم. ماذا عن التعويضات الى اللبنانيين على الأضرار التي ألحقتموها بهم خلال السنين؟ - يمكننا ان نقدم الى اللبنانيين فاتورة تغطي بسهولة كل ما يمكن ان يدعونه من تعويضات. الاضرار التي سببناها كانت نتيجة عمليات عدوانية ضدنا. لا اعتقد ان للبنانيين الحصول على أي شيء مقابل العدوان المنطلق من اراضيهم. انه رأيي، واعتقد ان اللبنانيين يعرفونه تماماً. شنت اسرائيل عمليتين كبيرتين على لبنان خلال العقد الحالي. عملية "المساءلة" التي أطلقها رئيس الوزراء رابين في 1993 وعملية "عناقيد الغضب" التي قام بها رئيس الوزراء بيريز في 1996. وتم في العمليتين، باعتراف اسرائيل، طرد عشرات الألوف من المدنيين من قراهم ودفعهم على الطريق الى بيروت لممارسة الضغط على الحكومة اللبنانية. هذا النوع من التكتيكات ضد المدنيين يلقى إدانة واسعة باعتباره انتهاكاً للقانون الدولي. كيف تبرر تلك التكتيكات؟ - العمليتان المذكورتان قادتا الى صيغ من التفاهم لم تكن موجودة قبلهما، هدفت الى تحييد المدنيين عن القتال. وبدل قصف القرى كان تكتيكنا انذار السكان بالمغادرة وانقاذ انفسهم. لكن السؤال الذي يجب ان يطرح اثناء انتقاد تكتيكات كهذه هو: بماذا نقارنها؟ مثلا، كيف نزنها مقابل القيام بغزو أرضي شامل للبنان؟ لأن هذا الاخير كان من بين الخيارات. وليس هناك في اسرائيل من يريد للجنود الاسرائيليين ان يعودوا الى لبنان ويتجهوا إلى بيروت. نقل عنك مراراً قولك إن ليس للبنان وجود كدولة، انه يفتقر الى الارادة المستقلة. - وهل له تلك الارادة؟ أكثر مما تعترف به له. - لكن ليس في القضايا الحاسمة. في هذه القضايا ليست له ارادة. أقامت اسرائيل علاقات وثيقة مع لبنان منذ العشرينات. - ليس مع لبنان بل بعض اللبنانيين. تقصد الطائفة المارونية؟ - ليس مع المارونيين وحدهم، بل مع افراد كثيرين. وبالطبع حصلنا على قدر من التعاون من بعض الميليشات. انه الان جزء من التاريخ. لكن لبنان بأكمله موحد ضدكم الآن. الا يبرهن هذا ان سياستكم كانت كارثة؟ - هذه مبالغة شنيعة. لأطرح القضية بهذا الشكل: لو كان لي ان اتصور لبنانا يمكنه ان يقيم اتفاقا مع اسرائيل لوجدنا طريقاً للتعاون مع اللبنانيين في الكثير من القضايا لمصلحة البلدين. إنهم يعرفون ذلك ونحن نعرفه. هل تتصور ان بامكانكم، بعد التوصل الى اتفاق سلام مع سورية ولبنان، استعادة بعض النفوذ في لبنان؟ - لا نريد نفوذاً في لبنان. لدينا مصالح مشتركة يمكننا متابعتها. من بين الدروس التي تعلمناها من الماضي ان لا نتدخل ولا نريد ان نتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية. لقد تعلمتُ هذا الدرس. واذا كان للأجيال المقبلة ان تستمع عليها ان تتجنب أي تعاط مع شؤون لبنان الداخلية. هل توافق على ان اسرائيل منيت بهزيمة عسكرية في جنوبلبنان، هي ربما الأولى في تاريخها؟ - يمكنك اذا اردت ان تسميها هزيمة عسكرية. لكنها ليست هزيمة عسكرية اذا اخذنا في الاعتبار ان اسرائيل استطاعت على مدى 15 سنة ضمان وضع طبيعي وآمن تماماً على حدودها الشمالية. إنه كما أرى نجاح واضح. انه نجاح كلفنا ولا يزال ثمناً مرتفعاً جداً، لكن نأمل انهاء ذلك. هناك اشاعات عن ان الجنرال أوري ساغي قد يقود المفاوضات مع سورية في حال عودتها. ماذا عن المسار اللبناني، هل انت مرشح لتلك المهمة؟ - منطقتنا مليئة بالاشاعات. رئيس الوزراء لم يقرر بعد من سيقود المفاوضات مع سورية أو لبنان. ربما كانت لديه فكرة لكنه لم يعلنها ولا اريد استباقه. انه قراره وحده دون غيره. رئىس الوزراء كما اعتقد يعرف جدول أعماله جيداً، وله اولوياته. فعندما تكون القضية الفلسطينية على الطاولة فهي تستغرقه تماماً. لكنه يستغل كل فرصة ممكنة للإعلان عن استعداده للجلوس مع الرئيس الأسد من أجل حل المشكلة السورية - الاسرائيلية. لقد وجّه الى الرئيس الأسد كل ما يمكن من الاحترام والتبجيل للتشديد على ان عرضه لا ينطوي على أي عداء. أكد رئيس الوزراء باراك مراراً انه يعتبر السلام مع سورية هدفاً استراتيجياً حيوياً. لكن هل يعني ما يقول؟ رابين قال الشيء نفسه لكنه أولاً عقد صفقة أوسلو مع الفلسطينيين ثم الصفقة مع الأردن. - باراك لا يعني ما يقول فحسب، بل انه اتخذ قراره بسحب الجيش الاسرائيلي على أساس أن الاتفاق على ذلك سيكون جزءاً من المفاوضات مع سورية. كان واثقا من ذلك. هذا لم يكن واحداً من بين اهدافه فحسب، بل انه راهن فعلاً على ذلك. ماذا كانت أهم أعمالك الرسمية قبل ان تصبح "مستر لبنان"؟ - قبل لبنان كنت خارج الحكومة سنتين او ثلاثاً وتوقعت الاحالة على التقاعد. ثم استدعاني رئيس الوزراء بيغن ووزير الدفاع موشي آرينز للقيام بعمل موقت. لم استطع الرفض، وها انا لا أزال هنا. ماذا كانت مهامك قبل ذلك؟ - كنت سفيراً في إيران. قضيت ست سنوات هناك حتى سقوط الشاه. قبلها كنت سفيراً في اثيوبيا في عهد هيلاسيلاسي، ثم في اوغندا ورواندا وبورندي. كنت دوما على هامش منطقة الصراع العربي - الاسرائيلي. أنت تشير الى "نظرية الهامش". هل كنت من مصممي تلك النظرية؟ - مصممها كان بن غوريون، الذي رأى ان علينا ان نتصل بدول الجوار عبر خط العداء العربي. ونجحنا في ذلك، كما في حال شرق افريقيا واثيوبيا وتركيا وايران. هل توقعت ثورة إيران؟ - لا اريد التطبيل لنفسي لكنني أبلغت الحكومة قبل سنة من الثورة ان ايران ستشهد تطورات عاصفة مليئة بالخطر، وان البلد سيتغير تماماً. لكن لم يصدقني احد في حكومتي، أو من بين اصدقائنا الأميركيين. ولم يكن لي بعدها الا الارتياح، مهما كان متواضعاً، إلا انني كنت الوحيد الذي عرف ما سيحصل. هل كان السبب علاقاتك الوثيقة بنظام الشاه؟ - كلا، علاقة البريطانيين والأميركيين مع الشاه كانت أوثق. كان للأميركيين 25 ألف شخص هناك، وكلهم اخطأوا التقدير! أما نحن فلم يكن لدينا عُشر هذا العدد من المسؤولين. إنها قضية حس سياسي جاءني في شكل ملح. شعرت ان الشاه فقد علاقته بالشعب، وان طريقة ادارة البلد كانت خاطئة. ادركت انه لا يستطيع بل لا يريد التغلب على الأزمة. وكنت مصيباً!