ماذا وراء "نزول" برقية "وكالة رويترز" حول الخلاف الناشب بين العسكر من جهة والرئيس بوتفليقة من جهة اخرى؟ هل هو حقاً وحصراً خلاف على تشكيلة القائمة الوزارية التي قدمها بوتفليقة فاعترض العسكر عليها ام ان هذا التسريب ليس الا الوجه العلني و"الاعلامي" منه؟ ثم هناك لغز يصعب فك طلاسمه يتمثل في "سقطة" نقل محتوى تلك البرقية من قبل وكالة الانباء الجزائرية وهل هي حقاً سقطة؟، الأمر الذي لا يخلو من غرابة ظاهرياً على الأقل لما هو معروف عن هذه الوكالة من تبعية مطلقة للنظام، ولا تجرؤ البتة ايراد اي برقية من دون علمه بل مصدر "البرقية" غالباً ما يكون السلطة نفسها .... بغض النظر عن مدى صحة "الخلافات حول تشكيل الحكومة بين بوتفليقة ومسؤولين في الجيش" كما جاء في تقرير "الحياة" نقلاً عن رويترز 12/10/1999. وبغض النظر عن "سر" سبب نقل الخبر الذي جاء في برقية رويترز من قبل وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية. أقول فبغض النظر عن هذه الامور كلها ما لا شك فيه ان هذه "الملاسنة" صادقة كانت ام مفتعلة، فإنها تعزز وتؤكد مرة اخرى بما لا شك فيه ان الانظمة العسكرية لا تقبل اطلاقاً اطلاق يد "واجهاتها السياسية" في ممارسة السلطة الفعلية. وهذه الحادثة تبين ذلك جلياً اذ بمجرد ان اخذ السيد بوتفليقة "حرية" تقديم قائمته الوزارية وهو حق يضمنه له الدستور ظناً منه التمتع باستقلالية، جاء رد العسكر بسرعة البرق ليذكره بحقيقة كادت سخونة الحملة الانتخابية ان تنسيه حقيقة الميدان وهي نفس الحقيقة التي تناساها رئيس وزراء باكستان فأقال القائد العسكري فلم يرتد اليه طرفه حتى وجد نفسه "خارج السلطة" تحت الاقامة الجبرية. اجل تعتبر القوات المسلحة المؤسسة الوحيدة المتماسكة والمتحكمة بمقدرات البلاد. فمعظم دول عالم الثالث الكبرى ينطبق عليها هذا التوصيف، اذ تعتبر الديموقراطية مجرد واجهة "موقتة" جذورها سطحية. هذه الحادثة برقية رويترز جاءت لتنسف آمال من كان صدّق في حرية وقدرة الرئيس في تحقيق آمال الشعب .... هذه المناسبة ترجع بذاكرة المرء الى ذلك الزخم الذي رافق الحملة الانتخابية وذلك الجو المفعم بالحماسة والأمل في كل لقاء مع الرئيس اذ كان الجميع يهب واقفاً يصفق بإعجاب وحرارة، وكان يشعر البعض باعتزاز وافتخار ونخوة عندما يخاطبهم بغير لغتهم، لغة فافا الأم الحنون، كما ارتاح البعض الآخر مع شدة الاعجاب بخطابه على محاربة الرشوة والفساد وغيرها من الآفات التي نخرت جسم الشعب والدولة. ثم انفض الجمع بعد سيل الخطب ومعسول الكلام ورشاقة الامثال فاستفاق "شعيب الخديم" على الحقيقة الثقيلة والمرة التي لا تحلها الكلمات أياً كان قائلها وأياً كانت البراعة التي نطقت بها .... الرباط - عكاشة ابو لقمان