عاد الحديث عن "التدخل الإنساني" حين اتخذ مجلس الأمن قراره رقم 1264، تاريخ 15/9/1999، والذي سمح بتدخل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة اقليم تيمور الشرقية بهدف وقف انتهاكات حقوق الإنسان، وتسهيل عملية استقلال هذه الجزيرة بعد الاستفتاء الذي أجري في أواخر شهر آب اغسطس من هذا العام، وأسفر عن رغبة سكانها بالاستقلال عن اندونيسيا بعد احتلال دام قرابة ربع قرن. وقد سبق لمجلس الأمن أن كلف، ولأول مرة في تاريخه، قواته لحفظ السلام بمهمات انسانية، وذلك في عام 1992، حين اتخذ قراراته: رقم 751، بارسال هذه القوات الى الصومال، ورقم 770، بارسالها الى يوغوسلافيا السابقة، ورقم 797 بارسالها الى موزامبيق. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اتخذت عدة قرارات ما بين أعوام 1988 - 1991، بقصد اعتماد "نظام عالمي انساني جديد" يهدف الى تقديم المساعدات الانسانية. وافتتحت الجمعية العامة دورتها 54 لهذا العام، وهي آخر دورة تعقد في الألفية الثانية، تحت عنوان "التدخل الإنساني"، حيث ألقى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، خطاباً افتتاحياً تحدث فيه عن هذا التدخل الذي يجب تطبيقه، ولكن من دون أي تمييز بين الدول أو الشعوب، مع الاستفادة من أخطاء الماضي وتجاربه حتى لا تتكرر مأساة المذابح والتطهير العرقي التي حدثت في روندا. ولو عدنا تاريخياً الى الوراء، لوجدنا عدة أمثلة عن التدخل بهدف تقديم المساعدات الانسانية وحماية المدنيين. وقبل الفقه القانوني الأوروبي، بمبدأ التدخل الانساني، وذلك في النصف الأول من هذا القرن، واعتبره قاعدة عرفية دولية تسمح بحماية حقوق الأفراد وممتلكاتهم، في الوقت الذي لم يكن فيه المجتمع الدولي مهتماً بعد بحقوق الانسان، ولا بتقنينها، ولا حريصاً على حمايتها. وكان، ولا يزال، مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول هو درع الحماية الذي كانت تلوذ وراءه بقصد قطع الطريق على أي تدخل كان، طالما أن هذه الدول تتمتع بسيادتها الوطنية، وتمارس سيطرتها على مواطنيها وأراضيها. وعزز ميثاق منظمة الأممالمتحدة مبدأ عدم التدخل هذا، ونص في الفقرة 7، من المادة 2 على ما يلي: "ليس في هذا الميثاق ما يسوغ "للأمم المتحدة" أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما، وليس فيه ما يقتضي الأعضاء أن يعرضوا مثل هذه المسائل لأن تحل بحكم هذا الميثاق، على أن هذا المبدأ لا يخل بتطبيق تدابير القمع الواردة في الفصل السابع". وهذا الفصل السابع وعنوانه: "فيما يُتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان" هو الذي خوّل الأممالمتحدة أن تفرض حصاراً دولياً على العراق بعد اجتياحها للكويت، وسمح لاحقاً لمجلس الأمن باتخاذ قراره رقم 678، تاريخ 29/11/1990، والذي أجاز التدخل العسكري الدولي بهدف تحرير الكويت. ولكن لم يتخذ هذا المجلس أي قرار وقتها يمكن أن يسمح بالحديث عن تدخل انساني، اللهم ما يمكن أن نفهمه من قراره رقم 688، تاريخ 5/4/1991، والذي طلب فيه من العراق التوقف عن عمليات الانتقام التي تمارسها ضد مواطنيها، ومشجعاً على القيام بمبادرات انسانية تحت اشراف الأمين العام للأم المتحدة. ويبدو أن اهتمام المجتمع الدولي بحقوق الانسان وحمايتها، والذي تزامن مع نهاية الحرب العالمية الثانية، واعتماد الاعلان العالمي لحقوق الانسان في عام 1948، والعديد من الاتفاقيات الدولية والاقليمية الأخرى والتي تهدف كلها لحماية هذه الحقوق وضمان تطبيقها واحترامها، هذا الاهتمام لم يخفف من حدة تطبيق مبدأ عدم التدخل باستثناء موقف مجلس الأمن حين أجاز، بقراره رقم 83، تاريخ 27/6/1950، تقديم المساعدات لكوريا الجنوبية لرد اعتداءات كوريا الشمالية، وبقراره رقم 84، تاريخ 7/7/1950، وضع قوات عسكرية دولية تحت إمرة الولاياتالمتحدة، واستخدام علم الأممالمتحدة، وأعلام دول هذه القوات في معاركها ضد كوريا الشمالية. في حين لم تتمكن منظمة الأممالمتحدة من التدخل في الجزائر، لوقف ما كان يمارس من أعمال وحشية ضد المناضلين الجزائريين في حرب التحرير، حيث احتمت فرنسا وقتها وراء الفصل السابع من ميثاق هذه المنظمة. وهو ما نشهده اليوم أيضاً بخصوص اقليم التيبت، حيث تحتج الصين على أي مناقشات تدور حول هذه المنطقة في قاعات الأممالمتحدة أو في أروقتها، ولا تقبل بأي تدخل انساني في هذه المنطقة التي تحتلها منذ عام 1951. وعرفت دول ومناطق أخرى من العالم عمليات العنف، والقتل، والتعذيب، والتشرد، والاعتداء على الأموال والأعراض، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الانسانية، والتطهير العرقي... الخ، ولم يكن رد الأممالمتحدة واحداً على هذه العمليات. ففي الوقت الذي اهتمت فيه بإرسال قوات حفظ السلام الى الصومال، وموزامبيق، وهايتي، ويوغوسلافيا السابقة، والبوسنة والهرسك، وقفت هذه المنظمة في المقابل، مكتوفة الأيدي أمام ما يحدث في رواندا، والكونغو زائير السابقة، والكوسوفو. وتدخلت قوات حلف شمال الأطلسي عسكرياً في هذه المنطقة، وتابع المجتمع الدولي، ومعه منظمة الأممالمتحدة، عمليات القصف الجوي لطائرات هذا الحلف من على شاشة التلفزة، وطُرحت عدة تساؤلات واشارات استفهام، لا عن ضرورة هذا التدخل وفائدته لحماية سكان كوسوفو، ولكن عن شرعيته وأهداف العمليات العسكرية التي قادتها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها؟ وشعر المجتمع الدولي بالارتياح حين تم وقف هذه العمليات، والتوقيع على الشروط التي فرضها حلف شمال الأطلسي ومن دون أن يكون للأمم المتحدة أي دور يذكر! وكان أن شكل أخيراً، هذا الحلف قواته الخاصة لحفظ السلام وفرض الأمن وعودة اللاجئين، والسماح لسكان كوسوفو بممارسة حقوقهم وادارة مناطق سكنهم. وحتى لا تتكرر المأساة من جديد، ونفتقد وجود الأممالمتحدة ودورها على مسرح الأحداث، ونحن نوشك على دخول الألفية الثالثة، اتخذ مجلس الأمن، ولكن بعد موافقة اندونيسيا، قراره بتشكيل قوات حفظ السلام وتقديم المساعدات الانسانية لسكان اقليم تيمور الشرقية. * باحث قانوني مقيم في فرنسا.