أخيرا وضع الرئيس حسني مبارك حداً لمناخ ساد مصر خلال الاسابيع الماضية اتسم بالتضارب والارتباك في شأن التغيرات التي وعد بإجرائها في مستهل ولايته الرابعة، وكلف مبارك الدكتور عاطف عبيد الذي كان يشغل حقيبة قطاع الأعمال في وزارة الدكتور كمال الجنزوري بتشكيل الوزارة الجديدة. راجع ص 6 ويعد عبيد واحداً من رجال "الحرس القديم" في عهد مبارك إذ دخل الوزارة للمرة الاولى العام 1984 في عهد الدكتور فؤاد محيي الدين كوزير لشؤون مجلس الوزراء والتنمية الادارية، واتسعت دائرة اختصاصاته في وزارات لاحقة لتشمل في فترة من الفترات شؤون البيئة والقطاع العام الذي تحوّل لاحقا الى قطاع الاعمال العام، وأطل اسمه في مقدم المرشحين لتولي منصب رئيس الوزراء في كل التغييرات والتعديلات الوزارية التي جرت منذ دخوله الوزارة. وكان مبارك اكد في احاديث قبل الاستفتاء على ولايته الرابعة، الذي جرى يوم 26 الماضي وبعده أنه يفضل الاعتماد على اهل الخبرة من دون أهل الثقة على رغم تأكيده أن التغيير المقبل سيكون واسعاً. واعلن عبيد انه سينتهي من مشاورات واتصالات في غضون اليومين المقبلين بهدف عرض قائمة المرشحين للوزارة على الرئيس يوم السبت المقبل. وقال، عقب استقبال مبارك له امس حيث كلفه تشكيل الوزارة، ان الرئيس حدد اربعة معايير لاختيار المرشحين على اساسها، هي: القدرة العلمية المتميزة لضمان تحقيق المشاركة في حركة النهضة التكنولوجية، والخبرة السابقة المكتسبة، وتحقيق نجاحات سابقة في مجال القيادة، والامانة وطهارة اليد ليكون الوزير قدوة للآخرين في المحافظة على المال العام. ورداً على سؤال عن احتمال اقدامه على اجراء تغييرات في وزارات السيادة قال: "التشكيل الذي سيعرض على الرئيس لم يُعدّ بعد ولكن لدي تصوراً ولا يمكن ان يطرح الا بعد ان يعرض على الرئيس ليقرره". وحصلت "الحياة" على نص خطاب التكليف الذي سلمه مبارك الى رئيس الوزراء الجديد وحدد فيه اولويات العمل في المرحلة المقبلة ومنها: المضي بمعدلات متسارعة في تنفيذ المشاريع القومية الكبرى، وفتح المجال لشباب مصر للإسهام بفعالية في مشروع النهضة الشاملة، وتنفيذ المشروع القومي للنهضة التكنولوجية، وتعميق مفهوم "دولة المؤسسات" في الواقع المصري على كل الاصعدة، والالتزام الصارم بتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحسين اداء الاقتصاد المصري في المجالات التي يمكن تحقيق طفرة ملموسة فيها خلال السنوات القليلة المقبلة، وتوجيه عناية اكبر للتنمية في المناطق التي لم تلقَ اهتماماً كافياً في الفترات الماضي خصوصاً محافظات الصعيد، وتنفيذ الخطة الشاملة للاصلاح الاداري... وفسر مراقبون تشديد مبارك، خلال الخطاب الذي ألقاه امس امام مجلس الشعب البرلمان، على ضرورة تحقيق التوازن بين التغيير والحفاظ على الاستقرار، بأن التشكيل الوزاري الجديد سيضم وزراء من القدامى. ومعلوم ان وزارة الجنزوري كانت تضم اربعة وزراء يفوقون عبيد أقدمية، وهم: وزير النقل المهندس سليمان متولي ووزير الكهرباء المهندس ماهر اباظة اللذان دخلا الوزارة في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وهناك تكهنات باستبعادهما معا او أحدهما على الاقل ووزير الاعلام السيد صفوت الشريف ووزير الزراعة الدكتور يوسف والي الموجودان في الوزارة منذ بداية عهد مبارك. لكن التصفيق الحاد الذي قوبلت به عبارة تحدث فيها مبارك عن التغيير من جانب اعضاء البرلمان ما دفع الرئيس الى التساؤل مستغرباً "ايه الحكاية؟"، ربما يكون له تأثير في التشكيل الوزاري المقبل بعدما لاحظ مبارك الرغبة الجامحة في ان تشمل لائحة الوزراء المستبعدين اكبر عدد منهم. وهو ما يرجح ان يخلو التشكيل الجديد من اسماء من "الوزن الثقيل" ولعب عبيد دورا مهماً في صياغة وتنفيذ برنامج الاصلاح الاقتصادي المصري وعهد اليه مبارك دائماً بملف التعاطي مع مؤسسات التمويل الدولية رغم وجود وزراء آخرين يدخل ذلك الامر في دائرة اختصاصهم، والمؤكد انه حقق نجاحات في ادارة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي انعكست على تنفيذ البرنامج من دون "خسائر اجتماعية فادحة" وهي القضية التي شدد مبارك طوال السنوات العشر الاخيرة على ضروة مراعاتها، واعتبر المراقبون ان اختيار مبارك رئيس وزارة يبلغ من العمر اكثر من 66 عاماً يعكس عدم تغيير الرئيس وجهة نظره في مفهوم الاستقرار وحرصه على عدم اتباع اسلوب الصدمات الكبرى عند إجراء التغيرات. ولوحظ ان عبيد كلف بالمهمة على رغم ان الجنزوري لم يسلم خطاب الاستقالة بنفسه الى الرئيس ، لكن وكالة "انباء الشرق الاوسط" ذكرت ان الخطاب سلم الى مبارك من دون ان تحدد الطريقة التي سلم بها. وسيستغل عبيد هدوء الاوضاع اليوم لكونه عطلة بمناسبة ذكرى حرب تشرين الاول اكتوبر لاجراء اتصالات ولقاءات مع الاشخاص المرشحين لتولي الحقائب الوزارية. وكان بدأ أمس استقبال عدد من المرشحين.