حرص رئيس الوزراء المصري الجديد الدكتور عاطف عبيد على تبديد المخاوف من إقدامه على الإسراع في تنفيذ برنامج التخصيص من دون مراعاة البعد الاجتماعي. وأكد ان برنامج حكومته يتضمن بنداً مهماً يتعلق بضرورة "إحداث تحسن ملموس في الخدمات المقدمة والمتصلة بالمواطنين". ومن المقرر ان يؤدي اعضاء الحكومة الجديدة اليمين القانونية امام الرئيس حسني مبارك اليوم بعدما انتهى عبيد، امس، من وضع التشكيل النهائي لها، الذي لم يرضِ طموحات المعارضة، في حين اعتبرته اوساط الحزب الوطني الحاكم "مرضياً". وبدا ان التشكيل راعى تحقيق رغبة مبارك في الحفاظ على التوازن بين الحرص على استقرار البلاد والرغبة في التغيير ودفع دماء جديدة في الجهاز التنفيذي، وهو المعنى الذي كان مبارك شدد عليه في خطابه امام البرلمان عقب ادائه اليمين الدستورية للولاية الرابعة يوم الاثنين الماضي، اذ احتفظ 19 وزيراً عملوا في حكومات سابقة في عهد مبارك، آخرها حكومة الدكتور كمال الجنزوري، بمواقعهم في التشكيل الجديد الذي خلا من 11 وزيراً من اعضاء الحكومة السابقة، وضم عبيد 13 وزيراً جديداً الى حكومته وهو العدد الاكبر من الوزراء الجدد منذ تولي مبارك الحكم العام 1981. وكان احتفاظ المسؤولين عن وزارات السيادة الاربع: الدفاع والاعلام والخارجية والداخلية "منطقياً" طالما ان الهدف هو الحفاظ على الاستقرار. كما ان وزراء آخرين احتفظوا بمواقعهم لكون الملفات التي تولوا مسؤوليتها تحتاجهم لإكمالها، كوزراء الاسكان والثقافة والتعليم. ولوحظ ان عبيد عمد الى "فك الاشتباك" بين وزراء "المجموعة الاقتصادية"، إذ احتفظ بالدكتور يوسف بطرس غالي وزيراً للاقتصاد وضم الى اختصاصاته شؤون التجارة الخارجية التي كانت تتبع في حكومة الجنروري لوزير التموين الدكتور احمد جويلي الذي كان خروجه من الوزارة الجديدة من اسمه أبرز المفاجآت، إذ كانت التكهنات ترشحه ل "الصعود" غير أن قريبين من بواطن الأمور يقولون ان مواقف جويلي لم تكن لتتسق مع اسلوب عبيد. فالاول عارض بشدة اثناء وجوده في حكومة الجنزوري، بيع الشركات التابعة لوزارة التموين والتجارة التي تسوق سلعاً اساسية وتصدى لمحاولات لتحويل شركة "عمر افندي" فروعاً لمحلات "ماركس اند سبنسر". واختار عبيد وزراء جدداً لحقائب: التخطيط والمال وقطاع الاعمال من "التكنوقراط" الذين يعتقد انهم يتفقون معه في الرؤية وأساليب العمل. وكان وزيرا النقل والمواصلات المهندس سليمان متولي والكهرباء الدكتور ماهر اباظة اللذان توليا المنصبين منذ عهد الرئيس الراحل انور السادات "ضحية" الرغبة الجامحة في التغيير التي طغت على الاوساط المصرية خلال الاسابيع الماضية، في حين عكس استبعاد الدكتور طلعت حماد من التشكيل الجديد، بل الغاء الوزارة التي تولاها في حكومة الجنزوري، الرغبة في القضاء على المركزية الشديدة التي اتسم بها الاداء في الحكومة السابقة إذ كانت كل الخيوط تنتهي عند حماد ومنه الى الجنزوري. ورغم ذلك ترى اوساط المعارضة أن التغيير "لا يتناسب مع كل ما قيل عن التغيير"، حسب تعبير الامين العام لحزب "العمل" ذي التوجه الاسلامي السيد عادل حسين، الذي استغرب "عدم الاستعانة بوزراء في الاربعينات من العمر واقصاء وزراء مشهود لهم بالوطنية مثل جويلي". أما القطب البارز في حزب "الوفد" الليبرالي السيد ياسين سراج الدين فاعتبر ان التغيير "لم يحقق آمال الناس"، واعتبر ان التشكيل الوزاري الجديد "طرح علامات استفهام حول معايير اختيار الوزراء". وابدى سراج الدين ايضاً استغراباً لإبعاد جويلي عن الحكومة الجديدة ووصف ما حدث بأنه "مجرد تعديل وزاري"، ولفت الى أنه "كان من الممكن الابقاء على الجنزوري والحد من سلطاته". لكن رئيس الوزراء السابق الدكتور علي لطفي وصف التغيير بأنه "معقول"، وشدد على ضرورة منح الوزارة الوقت قبل الحكم على ادائها. وفي كل الاحوال فإن عبيد بدأ فعلاً خوض غمار منصبه الجديد، ونقلت وكالة "انباء الشرق الاوسط" عنه قوله، امس، انه انتهى من وضع برنامج العمل الذي كلفه به الرئيس وتمت صياغته في اوراق تحدد مهمات كل وزارة. واشار الى اختيار ستة من الوزراء في الحكومة الجديدة لتولي مسؤولية مقرري مجموعات العمل الوزارية، وهم: نائب رئيس الوزراء وزير الزراعة الدكتور يوسف والي مقرراً لمجموعة قطاع الانتاج، ووزير الدفاع المشير حسين طنطاوي مقرراً لمجموعة الامن القومي، ووزير الاعلام السيد صفوت الشريف مقرراً لمجموعة التنمية البشرية، ووزير الاقتصاد والتعاون الدولي الدكتور يوسف بطرس غالي مقرراً للمجموعة الاقتصادية، ووزير الاشغال والموارد المائية الدكتور محمود ابو زيد مقرراً لمجموعة المشاريع العملاقة ووزير الاسكان الدكتور محمد سليمان مقرراً لمجموعة المرافق. واضاف عبيد ان الحكومة الجديدة "أعدت برنامج عمل قصير الاجل يغطي الفترة من بدء التكليف حتى نهاية شهر حزيران يونيو المقبل موعد انتهاء السنة المالية الحالية، ويركز على تحقيق الاستقرار الاقتصادي في اسواق المال والتجارة والاستثمار وتنشيط الاستثمار وإحداث تحسن ملموس في الخدمات المقدمة والمتصلة بالمواطنين والجماهير خصوصاً الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية واداء الجهاز الحكومي وصياغة برامج من اجل الرعاية الشاملة للشباب والبدء الفوراً في تنفيذها بهدف تنمية قدراتهم وحفزهم على العمل المنتج". وفي اشارة الى انتقادات المعارضة ل "التغيير" اكتفى عبيد بالتأكيد ان برنامج الحكومة يشمل ايضاً "تشكيل وحدات لإعداد القيادات من اجل خلق اجيال جديدة تمثل الصف الثاني والثالث وتأهيلهم لتولي المسؤولية".