في عودة مفاجئة لم يتوقعها خبراء الشأن الأمني في الجزائر.. خرج «حسان حطاب» الرقم الأول في التنظيم الإرهابي الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ذي الصلة بتنظيم القاعدة لأسامة بن لادن، الذي تردد منذ سنة، أنه تعرض للتصفية الجسدية من قبل غريمه نبيل صحراوي الذي اعتقلته السلطات الأمنية الجزائرية مطلع نوفمبر الماضي، خرج عن صمته منتقدا، في بيان يحمل توقيعه، وصل إلى عدد من الصحف الجزائرية، المصالحة الوطنية.. مبديا استعداده «التفاعل إيجابياً» مع مبادرة الرئيس بوتفليقة للعفوالشامل، على أن تقدم السلطات تفاصيل عن المبادرة، حتى يتسنى له إبداء موقفه النهائي من بنودها، مشترطا أن يتولى الرقم الثاني في الحزب المحظور الجبهة الإسلامية للإنقاذ «علي بلحاج» مهمة التفاوض سياسيا مع السلطة. ويعد بيان حسان حطاب الذي يحمل تاريخ 27 ديسمبر 2004، ثاني بيان يصدر عن تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال، منذ إعلان السلطات الأمنية الجزائرية خبر اعتقال زعيمه السابق نبيل صحراوي في نوفمبر الماضي، وهذا بعد البيان الذي تبنى فيه التنظيم، الكمين الإرهابي الذي استهدف قبل أسبوعين، قافلة عسكرية بناحية رأس الميعاد بولاية بسكرة (400 كلم جنوب شرق العاصمة الجزائر) أودت بحياة 18 عسكريا، ولقد حمل البيان المنشور على موقع الجماعة في الأنترنت توقيع المدعو«أبوياسر سياف» باعتباره «رئيس الهيئة الإعلامية» للتنظيم. وفي الوقت الذي ظن الرأي العام الجزائري، أن التنظيم يعيش آخر أيامه، بعد الضربات الموجعة التي تلقاها من لدن قوات الأمن الجزائرية المشتركة، بعد القضاء على أهم رؤوسه الإرهابية خلال العام 2004 ومطلع العام الجاري، واعتقال زعيمه السابق عبد الرزاق البارا بعد تسلمه من قبل السلطات الليبية، وكذا اعتقال غريمه نبيل صحراوي في نوفمبر الماضي، نقرأ في البيان أن التنظيم «يراقب ويتابع باهتمام التطورات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها الجزائر منذ الرئاسيات الماضية» بالأخص ما تعلق بمبادرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة للعفوالشامل. وقال حسان حطاب بشأن العفوالشامل ان الجماعة في حال قبولها مبادرة الرئيس «ترفض أن تقتصر المفاوضات مع الجناح المسلح للتنظيم بمعزل عن الجناح السياسي» قائلا ان التنظيم «لن ينخدع بسياسة الاستدراج والانفراد بالأطراف والصفقات المشبوهة» مشيرا إلى ما وقع في اتفاق الهدنة الذي تم بين السلطة والجيش الإسلامي للإنقاذ موضحا أن هذا الأخير «أثبت فشله». واعتبر حسان حطاب أن خير من يمثل الجناح السياسي الذي يقود المفاوضات هو الشيخ علي بلحاج «لما يحظى به كما نقرأ» من ثقة لدى التنظيم خاصة وعموم المسلمين عامة. وانتقد حسان حطاب المصالحة الوطنية وقال انها «تفتقد للأرضية السياسية والقانونية والإجرائية» وأنها «مبهمة وغامضة» وأن التنظيم «يرفض الدخول في حلول مغشوشة». ويربط حسان حطاب قبول التنظيم لمبادرة العفوالشامل ب 6 شروط رئيسية، تلتقي في مجملها مع الشروط التي وضعتها قيادات «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحلة سابقا لقبول المصالحة الوطنية والعفوالشامل، وبعض هذه الشروط سبق وأن حسمت في أمرها وزارة الداخلية بالأخص ما تعلق بموضوع عودة الحزب المحظور إلى النشاط السياسي. وتتمثل شروط حسان حطاب في «معرفة الحقيقة منذ توقيف المسار الانتخابي» و«عودة جبهة الإنقاذ المحظورة» و«فتح المجال السياسي» و«تفكيك جميع من سلّحهم النظام» و«إطلاق سراح المساجين» و«رجوع الإخوة من الخارج» و«عقد مؤتمر وطني يحضره أطراف الخصومة الأصليون أي النظام والجبهة الإسلامية للإنقاذ». ويطرح الظهور المفاجئ للرقم الأول في تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال أكثر من سؤال، بعد الغموض الذي تركه انسحاب هذا الأخير من قيادة التنظيم شهر أغسطس من العام 2003، وقد تباينت في وقت سابق تحاليل وتعاليق خبراء الشأن الأمني في الجزائر حول مصير حسان حطاب، بالأخص بعد صدور بيان تعيين الزعيم السابق للتنظيم الإرهابي «نبيل صحراوي» الذي جاء فيه أن حطاب «قدم استقالته»، فيما راحت تحاليل الخبراء تشير إلى احتمال تعرض حسان حطاب إلى العزل، أو التصفية الجسدية، أو القتل. جبهة الإنقاذ تتحفظ على العفو ٭ أما قيادات الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة (الفيس) فلم تبلور موقفاً موحداً ومحدداً بشأن مسألة العفوالشامل الذي يريد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة طرحها على استفتاء شامل مطلع مارس مثلما يتردد في الأوساط الإعلامية الجزائرية بناء على مصادر من وزارة الداخلية. وعدا الرقم الأول في الحزب المحظور الذي ساند من إقامته بالدوحة مبادرة الرئيس، وعرض مساعدته على تحقيقها واقعا، بما يفتح له الطريق للعودة إلى الوطن الذي خرج منه بحجة العلاج في الخارج.. يرفض الأعضاء القياديون في الجزل الإدلاء بتصريحات للصحافة بشأن موقفهم بسبب ما أسموه «الضبابية» التي ما تزال تحيط بمسألة العفوالذي يظل مثله مثل المصالحة الوطنية عنواناً كبيراً لحلم أكبر لا يعرف أحد تفاصيله. وفي اتصال هاتفي أجرته «الرياض» مع عدد من قياديي الحزب، صرح كل من كمال قمازي وعلي جدي وعبد القادر بوخمخم، أنهم لا يستطيعون الدلوبدلوهم في هذا الموضوع، ما لم يتم استيضاح جميع جوانبه، لكن ليشير جميعهم، أنهم مبدئيا مع العفوالذي يشمل المظلومين، ومساجين المحاكم الخاصة، والمطرودين من العمل بسبب انتمائهم للجبهة، والمتضررين في أموالهم وأجسادهم، والمحرومين من حقوقهم وحرياتهم. وإن رفض قياديوالحزب المحل الكشف عما إذا كانوا يجتمعون لتحضير عمل ما في اتجاه توضيح موقفهم من مسألة العفوالشامل، اتفقوا على أن عفوا يأخذ بعين الاعتبار القضايا السالفة الذكر لا يمكن أن يقابل إلا بالتشجيع. وعلى غرار الرقم الثاني في الحزب المحظور الشيخ علي بلحاج، الممنوع من التصريح لوسائل الإعلام المحلية والدولية.. قال شقيقه عبد الحميد الذي يتولى التصريح نيابة عنه، بسبب الممنوعات العشرة التي يخضع لها علي بلحاج منذ خروجه من السجن العسكري بالبليدة في 2 يوليو2003، أن هذا الأخير لا يولي اهتماما بالموضوع بالنظر إلى سلسلة الإعتقالات التي تطاله، كلما حاول التنقل خارج العاصمة. وقال عبد الحميد في اتصال هاتفي أن أخاه «لا يعيش المصالحة الوطنية التي يرفع شعارها الرئيس بوتفليقة في حياته اليومية العادية، فكيف له أن يلتفت إلى العفوالشامل وهو الذي قال بشأنه وزير العدل مؤخرا أنه قد يواجه عقوبة بالسجن عشر سنوات أخرى بعد إقرار قانون جديد سيعرض لاحقا على البرلمان ينص على أن أية مخالفة للعقوبات التكميلية (في إشارة إلى الممنوعات العشرة) تعرض صاحبها للسجن عشر سنوات. ومن جانبه، أوضح القيادي البارز في الحزب المحظور، الشيخ عبد القادر بوخمخم بعد إلحاح منّا، أن العفوالشامل ليس بمسألة جديدة، وإنما طرح العام 1994 في العقد الوطني (عقد روما) الذي أعدته مجموعة من الأحزاب الجزائرية الفاعلة في الساحة السياسية آنذاك وهي الجبهة الإسلامية للانقاذ، وحزب جبهة التحرير الوطني، وجبهة القوى الاشتراكية وغيرها من الأحزاب. ولكن السلطات آنذاك لم تول اهتماما بالموضوع على حساسيته، والذي كان بإمكانه تجنيب البلاد الخسائر والدماء، بل وصفت السلطات العقد الوطني ب«لا حدث». وقال بوخمخم ان العفوالشامل «لن يحقق التصالح المنشود بين الجزائريين ما لم تستبقه إجراءات تطوي إلى الأبد جميع الملفات والمشاكل التي نجمت عن انقلاب 1992 المطروحة على مائدة السلطات وعلى رأسهم عبد العزيز بوتفليقة»، ومن بين هذه القضايا ملف المفقودين، وضحايا المأساة الوطنية «التي لم تكن للأسف معالجتها في صالح جميع الفئات المتضررة وكانت لصالح فئات محددة». وقال بوخمخم بشأن ماتردد حول الأهداف الحقيقية للعفوالشامل، وهي الانتهاء من ملف المفقودين، بإعفاء الجماعات المتطرفة التي حملت السلاح من المتابعة القضائية مقابل الإعفاء عن المسؤولين عن الأزمة في أجهزة الدولة بما في ذلك أجهزة الأمن التي تتهم باختطاف عشرات الآلاف من المواطنين، أملا في إرضاء جميع الأطراف ذات الصلة بالعشرية السوداء، من ضحايا الإرهاب، والجماعات المسلحة، ورجال الأمن.. قال انه «لايمكن بأي حال تجاوز مخلفات الأزمة، وأن أي حل يتجاوز هذه الملفات لا يمكن أن يثمر مصالحة وطنية» منددا بأن يتم تسوية هذه الملفات على حساب المظلومين والمتضررين، واستدل بوخمخم بملف المفقودين قائلا: لا بد من معرفة مصير هؤلاء، أهم أحياء أم أموات؟ والجهة المسؤولة عن اختطافهم، كما نرفض الشهادات التي أدلى بها «التائبون» لمعرفة مصير المفقودين، ونحن نعتبر تلك الشهادات، شهادات زور، يتم الحصول عليها إما تحت الإكراه أو الإغراء. وقال بشان المعارضين للعفوالشامل الذين يطالبون بضرورة محاكمة الذين تسببوا مباشرة في الأزمة ولإظهار الحقيقة للرأي العام، قال بوخمخم أن موضوع المتابعة القضائية إذا كان «يزيد الطين بلة، ويطيل في عمر الأزمة، فنحن لسنا معه، ولكن ندعوإلى إيجاد الميكانيزمات التي تفضي إلى حلول سياسية تعيد الأمن والطمأنينة إلى القلوب». ويعارض عبد القادر بوخمخم لجوء الرئيس بوتفليقة إلى طرح العفوالشامل على الاستفتاء الشعبي، واصفا القرار ب «غير الصائب» على اعتبار أن الرئيس بوتفليقة «له من الصلاحيات والشرعية التي اكتسبها من رئاسيات الثامن من أبريل الماضية، ما يؤهله لاتخاذ الإجراءات التي يراها مناسبة لإخراج البلاد من عنق الأزمة دون العودة إلى الشعب» واستغرب بوخمخم كيف أن الرئيس بوتفليقة الذي مضي له على صك من بياض في استفتاء الوئام المدني، وكان مشروعه للمصالحة الوطنية وراء حصوله على أكثر من 80 ٪ من أصوات الناخبين، كيف يفكر اليوم في العودة إلى الشعب لإقرار العفوالشامل، ولقد اتخذ قبله قرارات بمراسيم رئاسية في مواضيع لا تقل أهمية عن موضوع العفوالشامل، مثلما فعل عندما قرر جعل الأمازيغية لغة وطنية إلى جانب اللغة العربية، «مع أن الجدل حول الأمازيغية نفسها أهي لغة أو لهجة ما تزال محل نقاش بين الأكاديميين والمختصين» هذا فضلا عن موضوع إصلاح المنظومة التربوية التي أمر بإدخالها دون استشارة الشعب.