طلعَ الفجرُ، فََعَلا صياحُ الديك. إستيقظَ ابنُ الفلاح منزعجاً، وأخذَ عصاً، وذهبَ إلى الديك وقال له: - إذا عدتَ إلى الصّياح مرةً أخرى، فسأحطّم عظامك. هتف الديكُ مدهوشاً: - هل أسأتُ إليك بشيء؟ أجاب الولد: - إنك بصياحك اليوميّ هذا توقظُني قبل وقت نهوضي من النوم بثلاث ساعات. وصمت الولد قليلاً ثم عاد يقول: - ما الذي يدعوك للصراخ كل صباح؟ وما المِتْعة التي تجنيها من الزعيق في آذان الناس النّيام؟ قال الديك: - لستُ الديك الوحيد الذي يصيحُ عند الفجر، فكلُّ ديوك العالم تفعل ذلك. قال الولد: - وما شأني أنا وديوك العالم؟ قال الديك: - صدّقني ... لم أكن أعلم أن صوتي مزعجٌ إلى هذا الحدّ. قال الولد: - الآن قد علمت .. فإيّاك أن تعود إلى الصياح مرة أخرى .. لأنني في المرة القادمة سأستخرج لسانك من حلقك وأُطعمه للقطّة! قال الديك بصوتٍ مرتجف: - كما تشاء .. لن أصيح بعد اليوم. طلعَ فجرُ اليوم التالي، فلم يسمع أحدٌ صياح الديك. نهض الفلاحُ وذهبَ إلى الحظيرة، فلم يرَ حركةً، ولم يسمع صوتاً لحيوان أو حشرة أو عصفور. كان السكونُ يشملُ كل شيء. حتى الهواء بدا وكأنه توقفَ عن الحركة، ولاحتْ أوراق الأشجار وكأنها جامدةٌ على غصونها. دخل الفلاحُ إلى الحظيرة، فوجدَ الأبقار نائمة على غير عادتها في مثل هذا الوقت، فانحنى على أحد الثيران وهزَّه بيديه فلم يستيقظ، وقرص الخروف في أُذُنِهِ ففتح عينيه للحظات ثم أغمضها بسرعة. وصاح بالكلب كي يستيقظ، فأجابه وهو يتثاءب: - لم يصِحْ الديك بعد، فلماذا تطلب مني أن أستيقظ؟ إنتبه الفلاحُ إلى أنه لم يسمع صياح الديك عند الصباح، فذهب إليه وسأله عن سبب توقّفه عن الصياح فقال الديك: أتريد أن يُقطَعْ لساني؟ وروى الديكُ للفلاح ما حدث له مع ابنه. فقال له الفلاح: - لن أسمح لإبني بالعبث معك مرة أخرى .. هيّا أسمعني صوتك الجميل. رفع الديك عنقه إلى أعلى وصاح: كي كي كيييكي ... كي كي كيييكي فهبَّ الثورُ واقفاً، وخارتْ الأبقار، وثغَتْ الخراف، وغرّدتْ العصافير، وحرّك الهواء أوراق الشجر، ودبّ النشاط في سائر أنحاء القرية. الغُيوم الغُيومُ الغُيومْ في الفضاء الفسيحْ حينَ نامَ الهَوَا وقفَتْ تستريحْ غيمةٌ ظهَرَتْ كحصانٍ جَموحْ وبَدَتْ غيمةٌ مثل وجْهٍ قبيحْ قال لي صاحبي وهو مثلي فصيحْ لا أرى ما ترى فبماذا أبوحْ؟ قلتُ حدِّقْ هناكْ أيّ شيءٍ يلوحْ فرمى نظرةً وهو يرجو الوضوحْ قال لي بعدَها بكلامٍ صريحْ إنني لا أرى غير ديكٍ يصيحْ في أعالي الفضا هل كلامي صحيحْ؟! الغُيومُ الغيومْ في الفضاء الفسيحْ حينَ نامَ الهَوَا وقفَتْ تستريحْ