ما هي خلفية "حرب البقر" المندلعة حالياً بين فرنساوبريطانيا؟ في أساس التوتر الشديد المخيّم حالياً بين البلدين قرار المفوضية الأوروبية، في آب اغسطس الماضي، برفع الحظر الذي كان فرض على البقر البريطاني نتيجة اصابته بمرض "جنون البقر". لكن فرنسا رفضت القرار الأوروبي وعبّرت عن رغبتها في الاستمرار بمنع دخول البقر البريطاني الى أراضيها، نظراً الى غياب الأدّلة على خلوّه تماماً من المرض. وأثار القرار الفرنسي استياء البريطانيين وتحوّل هذا الاستياء أخيراً الى عداء معلن ترافق مع دعوات متصاعدة الى مقاطعة البضائع الفرنسية التي بدأت تُسحب بالفعل من المتاجر الكبرى البريطانية. لكن التشنّج الذي يحكم الموقف البريطاني، والصور التي يعرضها التلفزيون الفرنسي للافتات رفعت في بريطانيا تدعو الى مقاطعة المنتجات الفرنسية وأيضاً شهادات المواطنين البريطانيين الذين عبّروا عن قناعتهم بضرورة هذه المقاطعة، لم تنجح بعد في استفزاز العصبية الفرنسية. ويؤكد العديد من الفرنسيين أن من السخف الردّ على مقاطعة البريطانيين للمنتجات الفرنسية، بمقاطعة مماثلة للمنتجات البريطانية. لكنهم يعتبرون أن الجانب البريطاني هو الذي بادر الى اعلان العداء. وعلى خلاف الصحافة البريطانية، تتعامل الصحافة الفرنسية مع الموضوع باتّزان وتحاول تجنّب أي تحريض على البريطانيين، وتكتفي بتناول المساعي التي يقوم بها المسؤولون الفرنسيون على الصعيد الثنائي مع نظرائهم البريطانيين وعلى صعيد المفوضية الأوروبية لمعالجة المشكلة. لكن هذه المعالجة تبدو صعبة في ظلّ إصرار فرنسا على صيانة "أمنها الغذائي"، وبالتالي إصرارها على عدم دخول البقر البريطاني الى أراضيها، وإصرار بريطانيا على العكس، وأيضا إصرار اللجنة العلمية التابعة للمفوضية الأوروبية على ضرورة تقديم الجانب الفرنسي أدلة علمية تبرّر موقفه. ولكن للمستهلكين الفرنسيين والصحافة حسابات مختلفة عن حسابات المزارعين الذين بدأوا ينظرون بهلع الى الخسائر التي تترتب عليهم نتيجة المقاطعة البريطانية. إذ بدأوا يهدّدون بإغلاق مرفأي كاليه وبولونيي اللذين يستقبلان البضائع الواردة من بريطانيا إذا استمرّ الوضع على حاله. وفيما أكدّ الإتحاد الوطني لنقابات المزارعين أن التهديد بإغلاق المرافىء هو من قبيل التحذير بإنتظار ما ستسفر عنه المساعي الرسمية، عملت مجموعة من المزارعين على قطع الطريق أمام عدد من الشاحنات البريطانية الوافدة الى فرنسا عبر "يوروتونيل". ويبدو ان هذه الحوادث مقبلة على ان تتكرر وعلى نطاق واسع ما لم يتم التوصّل سريعا الى حلّ للخلاف حول البقر. ويتخوّف المزارعون الفرنسيون من أن يؤدّي استمرار المقاطعة الى كساد منتجاتهم خصوصاً أن بريطانيا هي المستهلك الرابع للمنتجات الفرنسية بعد المانيا وسويسرا والولايات المتحدة. لكنهم في الوقت ذاته يعتبرون ان البريطانيين يلعبون بسلاح يمكن ان ينقلب ضدهم، لأنه كما قال أحد زعمائهم النقابيين، "أن بريطانيا جزيرة، ومحاصرة الجزر أكثر سهولة من محاصرة القارات". والظاهر ان الوضع مقبل على التحسّن، أو التدهور، بحسب ما سيسفر عنه الاجتماع الذي تعقده اللجنة العلمية التابعة للمفوضية الأوروبية اليوم وغداً الخميس والجمعة في بروكسيل للبحث في تقرير الوكالة الفرنسية للأمن الغذائي في خصوص خطر لحم "البقر المجنون" على الصحّة.