بعدما أثقلت تكهّنات الدمج وأخبارها معارض السنتين الأخيرتين للسيارات، يبدو وكأن معرض طوكيو الذي إفتُتح اليوم ويستمر حتى 3 تشرين الثاني نوفمبر المقبل، لن يوصد وراءه باب معارض السيارات الدولية للقرن العشرين فقط، بل قد يخفف الأضواء أيضاً عن تكّهنات الدمج العملاقة. وعلى الرغم من عطش وسائل الإعلام الطبيعي الى أخبار تبرر العناوين الضخمة، يبدو أن صناعة السيارات أنهت القسم الأكبر من مهمة ترتيب أمورها، بعد تشكّل المجموعات العملاقة تارة بالدمج وطوراً بضم الأصغر منها من الشركات. فمن الناحية الإستراتيجية، لم تعد لدى المجموعات الخمس الكبرى دوافع مهمة لضم المزيد، بإستثناء الفرص التي قد تسنح مروراً بإستيعاب هذه الماركة أو تلك. لكن تلك تبقى نقلات تكتيكية مكمّلة، لا إستراتيجية تهزّ عناوين الصحف كما فعل خصوصاً دمج ديملر-بنز مع كرايسلر كوربورايشن العام الماضي. الأمور محسومة عملياً لدى المجموعات الخمس الرئيسية. فإنتشارجنرال موتورز تسويقياً بتنوّع موديلاتها وجغرافياً يغطي، إضافة الى ماركاتها المعروفة في أميركا الشمالية، أوبل التي تمثلها خير تمثيل في أوروبا، ونصف ساب السويدية وقد يُضم القسم المتبقي قريباً، وسوزوكي لجنرال موتورز 10 في المئة منها التي ستتولى إنتاج السيارات الصغيرة التي ستزيد حصة جنرال موتورز من الأسواق الآسيوية عموماً، وإيسوزو تملك جنرال موتورز 49 في المئة منها التي تتعاون أيضاً مع الجنرال في قطاع الشاحنات الخفيفة، بينما يتوقّع أن تعود دايوو الى صيغة تعاون تربطها مع جنرال موتورز من جديد. لدى فورد يبدو الإنتشار أكثر وضوحاً، تسويقياً وجغرافياً، بين ماركاتها فورد ولنكولن وميركوري وفولفو وجاغوار وأستون مارتن وأكثر من ثلث مازدا ما يُعطي فورد القرار فيها. ولا تبدو تويوتا على عجلة من أمرها لضم أحد، بل تكتفي الآن بزيادة عروض ماركتيها تويوتا ولكزس تملك القرار أيضاً في دايهاتسو وهينو، والتعاون مع جنرال موتورز في أبحاث المحرّكات الصديقة للبيئة، بينما تبدو ديملركرايسلر كمن يهضم وليمته الأخيرة برويّة. فقبل التفكير بضم ماركات أخرى، لا تزال آفاق إستخراج فوائد الدمج الحديث في أولها. قد تتعاون مع بيجو مثلاً لتصنع الأخيرة قاعدة مشتركة مع سمارت التابعة لمرسيدس-بنز، لكن مشاريع المدى المنظور تبدو أقرب الى التعاون في مجالات محددة لا أكثر. وعلى الرغم من تحوّل صورة مجموعة فولكسفاغن الى "غول" لا يشبع، لا بد من ملاحظة التحديات التي تنتظرها اليوم لتحويل الماركات الجديدة لديها الى مشاريع مربحة، وإلا، فقد تتحول تلك العملية الى ما يشبه الإنتصارات العسكرية التي تتعذر ترجمتها الى مكاسب سياسية / إقتصادية. فبعد ضوضاء ضم لامبورغيني وبوغاتي وبينتلي، يبقى إنتظار الإستراتيجية التسويقية التي ستميّز بين موديلات تلك الماركات، عدا عن إعادة الإنتشار التسويقي الجارية أيضاً بين ماركاتها الأخرى، فولكسفاغن الصاعدة للمنافسة في القطاعات الفخمة، وآودي التي ستنحشر بين البُعدَين الفخم والرياضي، وسيات التي سترتدي البُعد اللاتيني نمط ألفا روميو، وسكودا الطامحة الى منافسة ماركات مثل فولفو! العملاق الذي بقي مصيره معلّقاً هو نيسان. فالصانع الياباني الثاني كدّس من الخسائر في السنوات الثماني الأخيرة ما أدى الى شراء رينو الفرنسية 8.36 في المئة منه في الربيع الماضي لقاء 4.5 بليون دولار، قبل إرسالها إليه "جرّاح إستئصال الهدر"، اللبناني كارلوس غصن، رئيساً تنفيذياً. وبشهرته الإدارية التي تذكّر كثيراً بسمعة اللبناني الآخر جاك نصر الرئيس التنفيذي في شركة فورد موتور كومباني، يتمتّع غصن بثقة الطرفين الفرنسي والياباني، ولو على مضض من الأخير الذي يسهل فهم إمتعاضه من إعادة الهيكلية المقررة. وحسب الخطة المعلنة، ستُلغي نيسان 21 ألف وظيفة في العالم من أصل 148 ألفاً قبل ربيع 2002 16500 في اليابان، و2400 في أوروبا، و1400 في الولاياتالمتحدة بعدم تجديد وظائف المتقاعدين، وبتحويل آخرين الى وظائف أو شركات أخرى، وبعروض تعويضات للتقاعد المبكر. وستُكلّف نفقات تلك التدابير وحدها نحو بليونَي دولار أميركي. من ناحية المنشآت، ستُغلق خمسة مصانع، ثلاثة منها في اليابان قبل ربيع 2001، وآخران قبل العام 2002، ما سيخفض الطاقة الإنتاجية في اليابان قبل 2002 من مليونَي وحدة الى 65.1 مليون. فوق هذا، سيتقلّص عدد مورّدي نيسان من 1145 حالياً الى 600، لخفض قيمة المشتروات بنسبة 60 في المئة 20 في المئة خلال السنوات الثلاث المقبلة، مع تشريع الأبواب أمام عروض الشركات الأجنبية. ولم تمنع صراحة غصن تعداده للأخطاء الإستراتيجية التي وقعت فيها نيسان، وأهمها إنهماكها بتخطيط موديلاتها لمواجهة منافسيها تويوتا تحديداً، قبل التركيز على سياسة ذاتية تحدد الأهداف والوسائل حسب مصلحتها، وليس تبعاً لما يفعله المنافسون. ثم ذكر غصن خطأ تركيز نيسان على حجم الإنتاج والحصص من الأسواق، ولو بالبيع بهوامش ربح ضئيلة خارج اليابان، بدل أن يكون حجم الإنتاج والحصص إنعكاساً لنجاح إستراتيجية إنتاجية وتسويقية واضحة ومربحة. لكن، على الرغم من الإنعكاسات المتوقعة، لا لدى نيسان وحدها بل حتى لدى مورّديها، بل أيضاً على عدد من شركات السيارات اليابانية الأخرى التي سمعت من كارلوس غصن وقائع لم يجرؤ مسؤول على قولها في اليابان حتى اليوم، لا بد من النظر أيضاً الى المجريات الحاضرة كمصدر تفاؤل بمستقبل نيسان. فطاقات الشركة وقوة إنتشارها في العالم وقدراتها الإبتكارية، وخصوصاً جودة منتوجاتها، ليست موضع شك في صناعة السيارات. وحدها بنيتها التنظيمية تتطلّب إعادة الترتيب لإستغلالها بفاعلية مجدية إقتصادياً، مع تنشيط صورتها ببعض الموديلات الفتية، مثل وريث لكوبيه "زد" الشهير الذي تقرر إنتاجه. وفي باب المهارة التصميمية وقدرة إبتكار قطاعات جديدة عوضاً عن اللحاق بما يفعله الآخرون، قد تكون رينو أحد أفضل الشركاء الذين يمكن لنيسان أن توفّق بهم. لكن قبل قطاف الثمار، لا بد لليابان من أن يصحو اليوم على غروب الفكرة الراسخة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، عن ضمان الوظيفة في الشركة ذاتها مدى الحياة، وتقبّل إحتمالات نمو البطالة حتى الى ما يتعدى ال 8.4$ الحالية.