اجمعت مراجع عسكرية وسياسية باكستانية وافغانية على أن واشنطن ستختبر أياماً صعبة وقاسية في منطقة جنوب شرقي آسيا في ظل تولي العسكر مقاليد السلطة في اسلام آباد، ليضاف ذلك إلى المشاكل والمتاعب التي تواجهها مع "طالبان" الرافضة تسليم أسامة بن لادن. واكد بعض المصادر ان الانقلاب العسكري احبط محاولات واشنطن اقامة حكم ضعيف يعتمد عليها دوماً في اسلام آباد، فيما ذهب البعض الآخر الى الحديث عن احباط مخطط كوماندوس اميركي لمهاجمة الاراضي الافغانية. رأت مراجع عسكرية واستراتيجية باكستانية التقتها "الحياة" في اسلام آباد امس، أن شبح الحرب الباردة قد يطلّ على المنطقة من جديد، في حال واصلت واشنطن الدفع بباكستانوأفغانستان إلى الزاوية. واشارت هذه المراجع الى تأكيد المسؤولين الأمريكيين أن العقوبات الإقتصادية التي فرضت على باكستان، ادت الى "فقدان واشنطن الإتصال مع جيل كامل من قيادات الجيش الباكستاني". وشرح ذلك ل"الحياة" أحد كبار الضباط المتقاعدين الباكستانيين. وقال إن "العقوبات العسكرية والإقتصادية التي فرضتها واشنطن على باكستان في تشرين الاول اكتوبر عام 1990، حالت دون مواصلة تدريب الضباط الباكستانيين في أميركا، الأمر الذي جعل من الصعب على الاميركيين معرفة بواطن المؤسسة العسكرية الباكستانية وأفكارها". وترافق ذلك حسب المصدر نفسه، مع شعور العسكريين الباكستانيين بأن الأميركيين خذلوهم وتخلوا عنهم، بعد انسحاب السوفيات من أفغانستان، على رغم أن باكستان لعبت دور دولة مواجهة ودفعت ثمناً لم يكن بسيطاً. وقال مدير معهد الدراسات المتسقبلية الدكتور راجا أعظم ل"الحياة" إن "ثمة نقاطاً مشتركة باتت قائمة بين النظامين الباكستانيوالهندي، في ظل وجود حكم عسكري في اسلام آباد وما يعني ذلك من تشدد وانضباط، اضافة الى وجود حكومة شبه مليشياوية في نيودلهي تحت قيادة حزب جاناتا بارتي الهندوسي المتطرف". وخلص الى القول: "لا أرى مناوشات مقبلة بين النظامين، على أساس أن كلاً منهما سيعمد إلى ترتيب شؤون البيت الداخلي والإلتفات إلى همومه ومشاغله". لكن اعظم لم يستبعد عودة أجواء الحرب الباردة إلى المنطقة، في ظل التصعيد الأميركي ضد العسكريين الباكستانيين وحركة "طالبان" في أفغانستان. ولاحظ ان منطقة جنوب شرقي آسيا باتت تنطوي على مفردات الحرب الباردة وعناصرها، في ظل سباق التسلح بين الهندوالباكستان، اضافة الى "عدو اصولي" للغرب تمثل في وجود العسكر في اسلام آباد و"طالبان" في قندهار. وفي نظر البعض مثل رئيس الاستخبارات العسكرية الباكستانية السابق الجنرال المتقاعد حميد جول، فإن الإنقلاب أضر بالمصلحة الأميركية، وقلب مخططاتها في الإبقاء في اسلام آباد على حكومة مدنية ضعيفة شعبياً بزعامة نواز شريف تكون في أمس الحاجة إلى الدعم الخارجي . وقال زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني قلب الدين حكمتيار ان "ما حصل في باكستان كان انقلاباً على السياسة الأميركية في أفغانستان وعطّل المخطط الأميركي في مهاجمة الاخيرة من خلال قوات كوماندوس نشرت على الحدود الباكستانية - الأفغانية". وبنظر بعض المراقبين فإن نواز شريف سعى في أجندته إلى التركيز على تصفية المؤسسة العسكرية من العناصر الوطنية والإسلامية المعادية للسياسة الأميركية وفرض العناصر الموالية للخط الأميركي. ولعل ما يُقلق واشنطن الترحيب بالإنقلابيين في الاوساط الشعبية وخصوصا الإسلامية. ولا يستبعد المراقبون السياسيون أن تركّز الإستراتيجية الغربية بشكل عام والأميركية خصوصاً، على المنطقة التي تحوّلت "قوساً للأزمات"، ما قد يؤثر على الإهتمام الأميركي بالشرق الأوسط. ومعلوم أن أكبر بعثة ديبلوماسية في جنوب آسيا متمركزة في باكستان . واجمع المحللون والمراقبون الذين التقتهم "الحياة" على أن الازمة ستزداد شدة في حال حاول الغرب الضغط على العسكر في باكستان، خصوصاً اذا ظنت واشنطن أن بإمكانها ممارسة الضغط عليهم في الإبتعاد عن "طالبان" أو لعب دور الشرطي الأميركي في القبض على ابن لادن . ويظهر تاريخ العلاقة بين العسكريين الباكستانيينوواشنطن أنهم لا يرضون بالقليل من المساعدات في مقابل الشراكة الإستراتيجية القائمة بين الطرفين. فحين قدم الرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان مبلغاً يقدر بأكثر من مئتي مليون دولار أميركي للرئيس الراحل ضياء الحق قال له الأخير: "نحن لا نقبل الفستق". لذا، سيتعين على الطرف الأميركي أن يدفع ثمناً يحسّ الشعب الباكستاني من خلاله بفائدة العلاقة مع واشنطن، في مقابل تحسين العلاقة بين الطرفين، الأمر الذي بات صعباً.