وفت الحكومة السعودية بتعهدها عدم الاقتراض من الخارج واكتفت بالاستعانة بالديون الداخلية لتمويل العجز في الموازنة على رغم ارتفاعه الحاد بسبب ضعف أسعار النفط العام الماضي. وقالت دوائر اقتصادية ومصرفية في الرياض ان المملكة العربية السعودية لم تواجه أي مشكلة في الحصول على قروض من البنوك المحلية لتغطية العجز الفعلي في الموازنة ولم تضطر الى السحب من الاحتياط الخارجي نظراً لضخامة حجم السيولة في السوق المحلية. وعزا الاقتصاد السعودي احسان بوحليقة سبب ارتفاع العجز الفعلي الى الانخفاض الكبير في عوائد صادرات النفط على رغم اجراءات خفض الانفاق التي اتخذتها الحكومة العام الماضي. وقال في اتصال أجرته معه "الحياة" انه "من الواضح ان الحكومة لجأت مرة أخرى الى الاقتراض الداخلي عن طريق اصدار سندات لتمويل العجز ولم تضطر الى التوجه الى الأسواق الخارجية". وأضاف: "بالطبع لم تكن هناك أي مشكلة في الحصول على القروض الداخلية لأن هناك سيولة كافية، لكن ذلك يضع ضغوطاً على القطاع الخاص اذ يؤدي الى تزايد المنافسة بين المصارف وبالتالي قيامها برفع معدلات الفائدة، ما يزيد كلفة الاقراض للقطاع الخاص". واعتبر بوحليقة ان ارتفاع العجز والانخفاض الكبير في الايرادات الحكومية سيكون دافعاً للمملكة لتكثيف برامج الاصلاح الاقتصادي من أجل تخفيف الاعتماد على الصادرات النفطية وتحقيق معدلات نمو مستقرة. وأشار الى أن حدوث العجز في الموازنة العام الماضي لم يكن "بالأمر الجديد لأن العجز موجود منذ الثمانينات، لكن الجديد هو الانخفاض في ايرادات النفط بنسبة كبيرة فاقت كثيراً نسبة خفض النفقات، وأدت الى ارتفاع حاد في العجز الفعلي". وقال بوحليقة: "وهذه ليست مشكلة رئيسية لأن حدوث عجز كبير لسنة أو سنتين ليس بكارثة، ولكن المشكلة ان يستمر العجز بهذا المستوى لسنوات عدة، ما يضع ضغوطاً كبيرة على الحكومة". وحض الحكومة على الالتزام باجراءات ترشيد الانفاق والعمل على تنمية الايرادات غير النفطية والاستمرار بتشجيع القطاع الخاص كي يلعب دوره الحقيقي في عملية التنمية ويتحمل جزءاً من الاعباء المالية التي تضغط على خزينة الدولة. وحسب مصادر مصرفية سعودية فإن الحكومة أصدرت سندات وأذونات خزينة عدة مرات العام الماضي لتمويل العجز المتراكم، وكان آخرها الشهر الماضي عندما تم اصدار ما قيمته ستة بلايين ريال سعودي 1.6 بليون دولار. وأشارت المصادر الى ان الاحتياط الخارجي للمملكة باستثناء الذهب انخفض بشكل طفيف من نحو 8.55 بليون دولار بنهاية تشرين الأول اكتوبر 1997 الى 8.25 بليون دولار بنهاية الشهر نفسه من 1998 ما يدل على أن الحكومة لم تلجأ الى السحب من الاحتياط لسد العجز في الموازنة. وأظهرت الاحصاءات المصرفية وجود سيولة مرتفعة في السوق السعودية بلغت نحو 228 بليون ريال 60.8 بليون دولار بنهاية الربع الثالث من العام الماضي. وفي تقريرها السنوي لعام 1998، اشارت وزارة المال السعودية الى ان العجز الفعلي في الموازنة ارتفع الى 46 بليون ريال 12.3 بليون دولار من المستوى المتوقع عند 18 بليون ريال 4.8 بليون دولار بسبب انخفاض العائدات الى 143 بليون ريال 38.1 بليون دولار من المستوى المتوقع عند 178 بليون ريال 47.4 بليون دولار. وتبلغ نسبة العجز الى اجمالي الناتج المحلي نحو تسعة في المئة وهي من أعلى المستويات منذ سنوات عدة وتتضارب مع الهدف المعلن وهو القضاء على العجز بحلول سنة 2000. كما توقعت الحكومة عجزاً مرتفعاً للسنة الجارية يقدر بنحو 44 بليون ريال 11.7 بليون دولار بسبب توقعها عدم حدوث أي تحسن ملموس في أسعار النفط. وقال مدير "مركز بخيت للاستشارات المالية" بشر بخيت ان الحكومة السعودية "ليست بحاجة الى الاقتراض الخارجي لتمويل العجز على رغم ارتفاعه لأن هناك سيولة محلية كافية". وأضاف "اعتقد ان ارتفاع العجز ولجوء الحكومة الى السحب المكثف من المصارف ليس مشكلة خطيرة حالياً ولكنها قد تصبح خطيرة اذا استمر هذا الوضع في الأمد الطويل". واعتبر ان المصارف السعودية تستفيد من اقراض الحكومة، لكنه شدد على أن "ذلك ليس هو الحل. بل الحل ان يتحمل القطاع الخاص مسؤولياته ويساهم الى جانب الحكومة في دعم الاقتصاد الوطني بفعالية أكبر كي لا يظل مرتبطاً بالصادرات النفطية ويفسح المجال للحكومة للتحرك بحرية أكبر في عملية التصحيح الهيكلي للاقتصاد".