كان أبرز سمات 1998 التواصل والتنافر. ومثل سنوات كثيرة سبقتها، كانت سنة نزاع وتوقعات سلام محبطة. وباستثناء ايرلندا، إذ اثمرت المساعي الديبلوماسية الاميركية عن اتفاق بين بريطانيا العظمى وخصمها الايرلندي - "شين فين" وجناحها العسكري المروع "الجيش الجمهوري الايرلندي" -، فان نزاعات السنين السابقة استمرت. وفي اماكن كثيرة مثل الجزائر وكوسوفو وافغانستان والكونغو ، اصبحت إراقة الدماء اكثر دموية ولاعقلانية. واُرتكبت مذابح في انحاء العالم، اما باسم الدين او الامن القومي. في الجزائر، اُستهلت السنة بأبشع تصعيد حتى الان للحرب الدائرة منذ 6 سنوات بين الحكومة التي يسيطر عليها العسكريون وخصومهم الاسلاميين. واقدم قتلة متقنّعون على ذبح اكثر من 400 من القرويين الابرياء في ضواحي العاصمة الجزائر. بقيت هويتهم مجهولة، وكان الهدف الواضح هو الترويع. ووقع على امتداد السنة المزيد من هذه المذابح التي راح ضحيتها الابرياء، وكان اخرها مذبحة في 13 كانون الاول ديسمبر الماضي. لا أحد يعرف هوية القتلة. ويندب الناس قتلاهم ويلعنون الجيش والمتطرفين "الاسلاميين" على حد سواء. في الجزائر، كما في كشمير وباكستان والمكسيك ونيجيريا والكونغو وافغانستان، طُمس بدرجات متفاوتة الفرق بين القانون والارهاب. وتسبب هذه الظاهرة مزيداً من النخر في الجذور غير العميقة للشرعية في دول مرحلة ما بعد الاستعمار، وتساهم في زيادة النزاعات والانفجارات الداخلية. في آذار مارس الماضي، تفجر نزاع في كوسوفو قبل اجتماع للامم المتحدة كان يتوقع ان يفرض عقوبات على الصرب. ومع ذلك، سعت القوى الغربية مرة اخرى الى استرضاء الرئىس الصربي الذي يعتبر مجرم حرب حسب تهم كثيرة، واوصت "مجموعة الاتصال" التي تضم 6 دول بإرجاء العقوبات. وقدم سلوبودان ميلوسيفيتش مقابل ذلك وعوداً بإنهاء القمع الدموي الذي يمارسه في كوسوفو. وكالعادة، نكث وعوده. وبحلول الخريف، بلغت عمليات التطهير العرقي التي ينفذها الجيش الصربي ضد المسلمين مديات خطيرة إلى درجة دفعت حلف الاطلسي الى التهديد بضربات جوية اذا لم ينسحب الجيش. وأدى التهديد الى وقف غير حاسم لأعمال النهب والسلب التي يقوم بها الجيش الصربي في كوسوفو. وبحلول نهاية السنة، استؤنف القتال في كوسوفو بين القوات الصربية وجيش تحرير كوسوفو. ولا تلوح في الافق نهاية لاراقة الدماء في أي مكان اخر. وفي افغانستان، بلغت علاقات حركة "طالبان" المتوترة مع الأمم المتحدة، التي كانت خلال عقد من السنين المصدر الرئيسي لإغاثة الشعب الافغاني، حد الأزمة بعدما شدد الطالبانيون المتطرفون قوانينهم المتعلقة بحرمان النساء من التعليم والرعاية الصحية، وقُتل موظفون تابعون للمنظمة الدولية في كابول. وانسحبت الامم المتحدة اثر ذلك من افغانستان، احتجاجاً على المضايقات والعرقلة التي تعرضت لها من جانب "طالبان". وواصلت الحركة تحقيق مكاسب ضد خصومها في شمال البلاد. ورافق انتصاراتها ارتكاب مذابح، خصوصاً ضد اقلية الهزارة الشيعية، وهو ما ادانه بشدة المجتمع الدولي، بما في ذلك الامم المتحدة. وكان بين الضحايا تسعة ديبلوماسيين ايرانيين معتمدين لدى قنصلية إيران في مزار الشريف. وطالبت ايران بتقديم اعتذار والكشف عن مصير موظفيها، وحشدت قواتها على امتداد الحدود مع افغانستان عندما لم تستجب كابول لمطالبها. وجرى تجنب نشوب حرب حدودية بين البلدين بفضل مساعي الوساطة التي بذلها ممثل الامم المتحدة الأخضر الإبراهيمي. لكن التوتر بين ايران و "طالبان" استمر، وساهم في تعكير العلاقات بين ايران وباكستان وأصبحتا الآن تدعمان تنظيمات متنافسة في الحرب الاهلية الافغانية. وبحلول نهاية السنة، تمكنت قوات الزعيم الطاجيكي احمد شاه مسعود من احراز بعض التقدم وبدأت تقصف العاصمة التي تخضع لسيطرة "طالبان". ولم تعد حكومة "طالبان" مُعترف بها الاّ من باكستان بعدما سحبت المملكة العربية السعودية سفيرها من كابول. وإذ عاد الاستحواذ على الموارد الطبيعية ليتصدر اولويات السياسة الدولية، بقي الشرق الاوسط في مركز اهتمام العالم. وكانت الاضواء مسلّطة على العراق. وادى تصميم اميركا على اضعاف العراق وكسر ارادته، ونزوع صدام حسين الى استفزاز واشنطن، الى دفع البلدين الى حافة الحرب مرة اخرى، ولم يحل دون وقوع الكارثة سوى تدخل كوفي أنان الامين العام للامم المتحدة في الوقت المناسب. وتأكد الى حد كبير ادعاء العراق بان اللجنة الدولية الخاصة المكلفة نزع اسلحة الدمار الشامل "اونسكوم" مؤسسة منحازة عندما كُشف بأن مسؤولين كباراً في اللجنة سرّبوا معلومات عن العراق الى اسرائيل. وفي تشرين الثاني نوفمبر الماضي، امكن تفادي تهديد اميركي آخر بقصف العراق عندما وافق الاخير على السماح لمفتشي الاسلحة بالعودة الى بغداد. إلا أن التوتر عاد في كانون الأول ديسمبر الماضي وانتهى بقصف أميركي - بريطاني. ويتوقع ان يؤدي التوتر إلى حدوث مزيد من المواجهات في 1999. في غضون ذلك، يُقدّر ان مليون عراقي، غالبيتهم من الاطفال وكبار السن، قضوا نتيجة للعقوبات المفروضة على العراق. ولا تلوح في الافق نهاية قريبة لمعاناتهم. واخفقت مساعي وساطة اميركية مثابرة لتحقيق انسحاب اسرائيلي اخر من الضفة الغربية وغزة. ووافق ياسر عرفات على مشروع اميركي رفضته اسرائيل كان سيلزم السلطة الفلسطينية ان تقمع بقسوة اكبر مقاومة العرب للمستوطنات الاسرائيلية ومصادرة الاراضي مقابل انسحاب الجيش الاسرائيلي من 13 في المئة من الضفة الغربية. وفي أيار مايو الماضي، التقت وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت رئىس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في محاولة فاشلة لاقناعه بقبول الاقتراح الاميركي. وفي الاسبوع نفسه، قُتل سبعة شبان فلسطينيين على ايدي القوات الاسرائيلية عندما شاركوا في احياء ذكرى الانتفاضة. ومع تراجع مكانة واشنطن بشكل حاد في أعين العرب، دعا بيل كلينتون عرفات ونتانياهو الى محادثات في مركز المؤتمرات على "واي ريفر" الذي لا يبعد كثيراً عن واشنطن. وأثمرت ثلاثة ايام من المحادثات في تشرين الاول اكتوبر الماضي عن التوصل الى "مذكرة" وقعها كلينتون ونتانياهو وعرفات في البيت الابيض في حفل حظي بتغطية اعلامية واسعة وكان الملك حسين ابرز المشاركين فيه. وتعهدت السلطة الفلسطينية الالتزام بثلاث مسائل رئيسية: التخلي في جلسة علنية يحضرها الرئيس الاميركي عن بند في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية للعام 1964 كان يعتبر تدمير اسرائيل هدفاً للمنظمة، والقمع النشيط لمقاومة الفلسطينيين العنفية للمستوطنات الاسرائيلية ومصادرة الاراضي في المناطق المحتلة، واخضاع الاجراءات التي تتخذها ضد المقاومة لمراقبة وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي أي". ووعدت اسرائيل بان تسلّم للسلطة الفلسطينية الادارة المحلية في 13 في المئة من الضفة الغربية. وفي حال تنفيذ هذا الاجراء، سيصبح 16 في المئة من الضفة الغربية تحت السيطرة المحلية الكاملة للسلطة الفلسطينية. وبحلول نهاية السنة، كان عرفات أوفى بكل التزاماته، بينما لجأ رئيس الوزراء الاسرائيلي الى المماطلة. وفي خطوة لمكافأة عرفات، قام الرئىس الاميركي بزيارة الى غزة وشهد تخلي منظمة التحرير الفلسطينية عن البند المزعج في ميثاقها. وعلى رغم عنصر الاثارة في زيارة كلينتون الى غزة وما شكلته من دفع معنوي، فإنه لا يوجد قبل نهاية الانتخابات المبكرة ما يدعو الى توقع ان تتخلى اسرائيل عن الاراضي المحتلة، او ان يحصل الفلسطينيون على العدل او الحرية، او يجري انقاذ القدس من عملية "التهويد" المنظمة. وتواصل الصراع الداخلي في ايران على مستقبل شكل الدولة والمجتمع بين الاسلاميين الاصلاحيين والمحافظين. وخاض انصار الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي مواجهات متنوعة مع الاسلاميين المحافظين الذين يحظون بتأييد مرشد الثورة علي خامنئي الذي يكاد يتحكم بكل الاجهزة النافذة للدولة مثل مؤسسات الخدمة الاجتماعية وشبكات الاذاعة والتلفزيون والسلطة القضائية والحرس الوطني. وتضمنت المواجهات التي استمرت على امتداد السنة الحكم على الرئىس السابق لبلدية طهران الاصلاحي غلام حسين كرباستشي بالسجن خمس سنوات بعد ادانته بتهمة الفساد التي شكك بها معظم المراقبين، وقرار البرلمان إقالة وزير الداخلية عبدالله نوري لأنه سمح باجتماعات جماهيرية سياسية والتهاون في تطبيق "القواعد الاسلامية". واُغلقت أو حُظرت صحف عدة مؤيدة للتيار الاصلاحي، واُعتقل مثقفون اصلاحيون، وصادق المجلس الايراني البرلمان على قوانين لتعزيز الفصل بين الجنسين في مجالات مثل المنشآت الطبية، ورفض "مجلس الخبراء" المصادقة على معظم المرشحين الاصلاحيين الى انتخابات المجلس. وفي الوقت الذي استأثرت فيه معظم الاحداث المشار اليها باهتمام وسائل الاعلام في انحاء العالم، لم ينل تطور يمكن ان يفوقها أهمية انتباه احد باستثناء بضعة خبراء خارج ايران. وانطلق جدل حيوي في ايران حول طبيعة الدولة الاسلامية والرؤية الليبرالية مقابل الرؤية المحافظة على صعيد العلاقة بين الدين والدولة والمجتمع. وكان للرئيس خاتمي مساهمة كبيرة في هذا الجدل البالغ الاهمية والجاد بحضوره ندوات ومحاضرات في الجامعات، ونشر كتابين: "بيم ايموج" الخوف من الموجة و "أز دونيا إيشهر تا شهري دونيا: سايري دار انديشيي سياسي غرب" من عالم المدينة الى مدينة العالم: نظرة عامة على الفكر السياسي الغربي. ولقي هذا التطور المهم الترحيب من قبل أولئك الذين يهمهم مستقبل الاصلاح الفكري وإعادة بنائه في العالم الاسلامي. وبحلول نهاية السنة، ارتدى التنافس بين الاتجاهين الاصلاحي والمحافظ، للاسف، منحى عنفياً. في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، اقتحم رجال لم تُعرف هويتهم منزل داريوش فوروهار، وهو مفكر وسياسي بارز امضى سنوات في سجون الشاه، وقتلوا بوحشية هذا الرجل الكبير في السن وزوجته. وهزّت الجريمة اوساط الاصلاحيين في ايران. وبدا ان مخاوفهم كانت مبررة: بحلول منتصف كانون الاول ديسمبر، كان كتاب ايرانيون عدة "اختفوا" او قتلوا. وفي 15 من الشهر نفسه، احتج 2000 من الكتاب الايرانيين والمتعاطفين معهم على جريمة قتل محمد مختاري، وهو شاعر منشق عُثر عليه مخنوقاً، ولا يزال الغموض يكتنف الجريمة مثل غيرها. ونأمل الاّ تكون جرائم القتل و "الاختفاء" القسري هذه اُرتكبت بالتواطؤ مع المعارضة المحافظة لخاتمي، لأن ذلك سيُنذر بالحاق الهزيمة مرة اخرى ببشائر واعدة للتجديد والاصلاح في ايران، وبالتالي في العالم الاسلامي. وبرز الفساد كوباء عالمي. فالى جانب عائلة سوهارتو في اندونيسيا والاشقاء سولينا في المكسيك، احتلت بينظير بوتو ورفاقها في باكستان مواقع بارزة في فئة المصابين بهوس السرقة الذين نهبوا بلايين الدولارات من ثروات بلدانهم الفقيرة. ولم يوفر الوباء عالم الرياضة. وكان بين مشاهير الرياضيين الذين دينوا بتلقي رشاوى وعمولات اسماء مثل نجمي لعبة الكريكيت شين وارن ومارك واف، وحرم فريق ماليزيا كله من الاشتراك في المباريات بعد اتهامه بالفساد. وبعد سنة ونصف السنة من الملاحقات القضائية بحق بوتو وزوجها، أفادت تقارير من لندن ان عائلة رئىس الوزراء الباكستاني نواز شريف متهمة ايضاً بالتلاعب المالي واخفاء موجودات كبيرة في الخارج. وبدا ان الفساد، الذي كان يُنظر اليه في الماضي باعتباره شذوذاً عن القاعدة، تحول الى جزء لا يتجزأ مما يوصف الآن ب "عملية العولمة". واستمر خريف الديكتاتوريات، الذي بدأ في 1978 بتفجر الثورة الايرانية، يحصد رؤوس الحكام الفاشيين. وكان جميع الطغاة الذين سقطوا في 1998، باستثناء واحد منهم، يرتبطون بعلاقات ودية مع الولايات المتحدة، وصبّت شعوبهم التي كانوا ساموها العذاب جام غضبها عليهم. وكان الاستثناء بينهم هو بول بوت. وعانى زعيم "الخمير الحمر" المرض والعزلة في معقله في غابات كمبوديا قبل ان يأسره رفاقه السابقون المتآمرون ليُحاكم سراً ويُعدم. وبدا بول بوت، الذي يُعتبر من اكبر مقترفي المجازر الجماعية في هذا القرن، ضعيفاً وغير مؤذٍ في الصور الفوتوغرافية التي التقطها الصحافي الوحيد في المكان الذي حوكم فيه. وبعد اشهر من الاحتجاجات الشعبية التي قتل فيها كثيرون، اُجبر سوهارتو على التنحي عن السلطة من قبل الجيش الذي كان اوصله الى كرسي الحكم اثر انقلاب عسكري واعمال قتل جماعي في 1965. وتقدر ثروات البلاد التي سرقتها عائلته بما يزيد على بليوني دولار. ومع ذلك، لم تبدأ حتى الآن أي خطوات جدية لاستعادة الأموال المسروقة او ملاحقته قضائياً، ولا تزال اندونيسيا تعيش اعمال عنف اتنية وسياسية حفزها انهيار اقتصادها التابع الذي شهد نمواً مفتعلاً بوتائر سريعة على نحو مفرط. وفي نيجيريا، قضى اباشا في غمرة انهيار الاقتصاد وتصاعد السخط الشعبي، وخلفه في الرئاسة جنرال آخر هو عبدالسلام أبو بكر الذي وعد باعادة الحكم البرلماني. واتخذت اهم انتكاسة مني بها الحكم الاستبدادي شكلاً غير مألوف تماماً. كان الجنرال اوغوستو بينوشيه، ديكتاتور تشيلي الذي اطاح في 1973 حكومة سالفادور الليندي المنتخبة، يقوم بزيارة الى لندن للعلاج عندما أصدر القاضي الاسباني بالتزار غارزون مذكرة توقيف دولية بحقه لارتكابه "جرائم إبادة وارهاب من ضمنها جرائم قتل". وللمرة الأولى في التاريخ، اُستخدمت معاهدة دولية حول الارهاب ضد رئيس دولة سابق كان حليفاً للولايات المتحدة وقوى غربية اخرى. ولم يكن امام بريطانيا، باعتبارها عضواً في الاتحاد الاوروبي، الاّ ان تستجيب للطلب، فاعتقلت بينوشيه وقدمته الى محكمة. وكان ذلك بداية لعملية قضائية اكتنفها الغموض ويتوقع ان تستمر لفترة وجيزة. واصطفت معظم الحكومات، خصوصاً حكومة الولايات المتحدة، لتدعم بينوشيه، بينما اصر ضحاياه ومنظمات مدافعة عن حقوق الانسان على مقاضاته. وبعدما اصدر مجلس اللوردات حكماً لصالح تسليم بينوشيه، يبدو من المحتمل ان يخسر طلب الاستئناف ويواجه محاكمة في اسبانيا. وسيكرس ذلك سابقة تؤكد ان النفوذ او فكرة السيادة او القوانين الصورية التي تمنح الحصانة لن تتيح للطغاة والارهابيين ان يكونوا في منأى من الملاحقة القضائية. حصل ديكتاتور تشيلي، مثل محمد ضياء الحق في باكستان، على قرار اصدره برلمان صوري يقضي الاّ تخضع الجرائم التي اقترفها واتباعه للملاحقة القضائية. حسناً فعلت يا بالتزار غارزون. وفي نيسان ابريل الماضي، تقدم الاتحاد الاوروبي خطوة اخرى في اتجاه الوحدة عندما صوّت مجلسه على انشاء عملة موحدة للدول ال 11 الاعضاء، ويبدأ تداول العملة الاوروبية الجديدة في مطلع 1999. وبقيت تركيا مستبعدة من الاتحاد، في موقف يؤكد معارضة اوروبا للتمييز العرقي والديني. وجرى استدراج تركيا المنبوذة للانضمام الى تحالف مع اسرائيل تدعمه الولايات المتحدة، في ما يشبه صلة بين حلف الاطلسي والدولة العبرية. واقدم حلف الاطلسي على خطوة اخرى لتوسيع نفوذه وعزل روسيا عندما وافقت المانيا، التي كانت اخر دولة تعارض التوسيع، على انضمام بولندا وجمهورية تشيكيا وهنغاريا الى الحلف. واستعادت الاشتراكية شيئاً من مكانتها عندما حققت احزاب اشتراكية ديموقراطية الفوز في انتخابات عامة في المانيا والسويد. وفي الولايات المتحدة، كان الشغل الشاغل هو فضيحة العلاقة الجنسية بين بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي المتدربة السابقة في البيت الابيض. وتفجرت الفضيحة في مجرى تحقيقات في قضية "وايتووتر" التي تتعلق بشكوك حول احتمال تورط الزوجين كلينتون في سلوك غير اخلاقي في شركة عقارية. لم يكشف التحقيق أي شيء في ما يتعلق بالاتهامات الاصلية، لكن المحقق المستقل كينيث ستار، وهو جمهوري عيّنه الكونغرس، وسّع التحقيق ليشمل اتهام كلينتون الحنث باليمين عندما كذب في شأن علاقته مع لوينسكي. ومع مثول لوينسكي وزملائها امام هيئة محلفين كبرى لتقديم شهاداتهم، وخضوع الرئىس ذاته للاستجواب امام الهيئة، ارتدت الاجراءات طابع تحقيق قضائي. واتخذت غالبية كبيرة من المواطنين موقفاً سلبياً من هذه التطورات وتعاطفت مع الرئىس. فقد كان كلينتون بأي حال رئيساً جيداً ومديراً ممتازاً للاقتصاد، وها هو الآن يواجه ملاحقة قضائية بسبب فشل شخصي وليس نتيجة اخفاق سياسي أو إداري في منصبه. ووجد هذا التعاطف تعبيره في الفوز غير المتوقع الذي احرزه الحزب الديموقراطي في انتخابات الكونغرس النصفية في تشرين الثاني نوفمبر الماضي. لكن ذلك لم ينجح في تأديب اعضاء الكونغرس الجمهوريين، حين صوتوا في كانون الاول ديسمبر على الشروع باجراءات إقالة كلينتون. وهذه عملية اخرى يكتنف الغموض ما ستؤول اليه في 1999. ولم تحل المشاكل والاحراج الذي تعرض اليه كلينتون داخل الولايات المتحدة من دون تحركه بنشاط لتنفيذ اجندته على صعيد السياسة الخارجية، حين حُسم بشكل نهائي توسيع حلف الاطلسي. وساعدت مبادرة كلينتون على تجنب أسوأ الاحتمالات في كوسوفو. وتمكن من إتمام اتفاق السلام في ايرلندا. وقبل كل شيء، قام في حزيران يونيو الماضي بزيارة ناجحة لمدة تسعة أيام الى الصين، وتمكن من تدبير مجموعة مساعدات مالية قيمتها بلايين عدة من الدولارات من "صندوق النقد الدولي" و"البنك الدولي" لانقاذ الاقتصاد الروسي المنهار، وبذل جهوداً دؤوبة ناجحة لتأمين المصالح النفطية الاميركية في آسيا الوسطى. كما كشفت نزعة التدخل الاميركية عن وجهها القبيح عندما أمر كلينتون، في اعقاب عملية التفجير الشنيعة لسفارتي اميركا في نيروبي ودار السلام، بتوجيه ضربات بصواريخ موجهة "كروز" الى السودان وافغانستان. وكان قراراً اُتخذ على عجل، من دون ادلة مقنعة، وفي انتهاك للقوانين الدولية. ولم يواجه كلينتون فشلاً واحباطاً واضحين الاّ في الشرق الاوسط، إلى لدرجة بدا معها، وهو المعروف بانحيازه القوي لإسرائيل، اشبه بعاشق تعصره المرارة بعدما نبذته حبيبته. وفي مجرى هذه الاحداث كلها، لم تبرز مرة أخرى صورة متماسكة للسياسة الخارجية الاميركية. أبرز الأحداث التاريخية وأكثرها رسوخاً في الذاكرة في سنة 1998 تجلت في جنوب آسيا، إذ أصبح اتال فيهاري فاجبايي زعيم حزب "بهاراتيا جاناتا" القومي الهندوسي رئىساً للوزراء. واُطلقت صواريخ تحمل اسماء مثل "غاوري" في باكستان و"روهيني" في الهند. وفي 11 و12 أيار، اهتزت الصحراء، وبعد ذلك باسبوعين اكتسى جبل تشاغاي العظيم بلون ابيض. هكذا، اعلنت الهند وباكستان امتلاكهما السلاح النووي، وفي خطوة تنم عن خداع للنفس اعلنتا انهما سادس وسابع قوة نووية في العالم. وفرضت الولايات المتحدة واليابان عقوبات اقتصادية. فتضرر اقتصاد البلدين على السواء، وعانت باكستان اكثر من الهند. في لحظة التفجير، رحّب الناس العاديون بال "بام" القنبلة النووية بحماس كبير. لكن الحيرة تبدو واضحة عليهم الآن عندما تسألهم. فهم لا يلمسون أي اثر لعائدات الامن الذي وعِدوا به. الاسعار تتصاعد، والوظائف تتضاءل، وهو ما يؤذي بالفعل. في الهند، مُني حزب "بهارتيا جاناتا" بهزيمة موجعة في الانتخابات التي شهدتها ثلاث ولايات. وفي باكستان، يعد رئىس الوزراء بتفكيك "النظام الفاسد" الذي كان أقسم ان يحافظ عليه. بالنسبة لنا، نحن الذين نعد بليون نسمة، كانت 1998 حقاً سنة ال "بام". فماذا ينتظرنا بعد ذلك؟ * اكاديمي باكستاني مقيم في واشنطن.