في شهر رمضان تنتشر موائد الرحمن في الاحياء الشعبية والراقية ايضا، وهذه العادة الرمضانية ليست وليدة اليوم، لكنها بدأت في عهد الدولة الفاطمية. وبعد ما كان الخليفة وحده هو الذي يقيم مائدة الرحمن، اصبحت حاليا تقام من قبل اي شخص يرغب في ذلك. فيستقبل فيها الصائمون. موائد الرحمن لا يقتصر وجودها على مكان محدد، فهي في مصر الجديدة ارقى احياء القاهرة، وفي المهندسين ارقى احياء الجيزة، كما تنتشر في الاحياء الشعبية مثل الحسين والسيدة زينب وبولاق ابو العلا وبولاق الدكرور وامبابة والوراق، كما أنها تنتشر في شتى أرجاء مصر. ولم يعد إعداد هذه الموائد مقصورا فقط على الأثرياء، بل اصبح المشهورون في جميع المجالات السياسية والدينية والفنية يحرصون على إعدادها في شهر رمضان من كل عام. ومن اشهر الاسماء التي ارتبطت بإعداد هذه الموائد في السنوات الماضية رئيس مجلس الشعب البرلمان المصري الدكتور احمد فتحي سرور، حيث تقام مائدته في منطقة السيدة زينب مقر دائرته الانتخابية. وفي المهندسين يقيم الدكتور مصطفى محمود مائدة الى جوار المسجد والمستشفي اللذين يحملان اسمه، كما تقام موائد عدة في المهندسين للفنانين والفنانات والراقصات ومنهن الراقصة فيفي عبده. في منطقة التوفيقية في وسط المدينة في القاهرة التقت "الحياة" فاعل خير يدعى فرج عبدالحي 50 سنة تاجر اعتاد اقامة مائدة رحمن على مدى سنوات عدة لا سيما ان هذه المنطقة تعتبر سوقاً تجارية وتحوي الآلاف من الباحثين عن مكان لتناول طعام الافطار، ونسبة كبيرة منهم من غير القادرين. قال عبدالحي إن مائدته تتسع لمئة شخص، ويؤكد ان على مائدته انواعا مختلفة من الطعام تناسب جميع الاذواق. ويقول: لا اهتم بامكانات المائدة من حيث شكل المناضد. لكن احساس الرضا والسعادة يشيع بين الجالسين. وفي منطقة بولاق ابو العلا، التقت "الحياة" بصاحب مائدة يدعى خالد جمال رجل اعمال قال نظراً لأن المنطقة شعبية، فإن مائدته تتألف من مجموعة من الطبليات. موائد مستديرة صغيرة تتطلب الجلوس على الارض. ويتكون الطعام من لحم او دجاج، وخضار مطبوخ، ويسبقهما التمر. وفي منطقة المهندسين، توجد مائدة في شارع جامعة الدول العربية صاحبها يدعى اشرف متولي يقول إن مائدته تقدم الوجبات بنظام "التيك اواي" وتحتوي وجبة الافطار على كوب عصير وقطعة لحم او ربع دجاجة، بالاضافة الى الارز والسلاطة. مكان للعائلات وتعتبر مائدة الدكتور احمد فتحي سرور من الموائد القليلة التي يخصص فيها مكان للعائلات، بالاضافة الى فصل السيدات عن الرجال. يقول استاذ التفسير في جامعة الازهر الدكتور محمد بكر اسماعيل إن موائد الرحمن مظهر ديني، وانها تندرج تحت بند البر والتقوى والجود والكرم. واضاف: ان بداية هذه الموائد في مصر كانت مع دخول الفاطميين كان الخليفة يعد مائدة امام قصره لاستقبال الفقراء تنفيذاً لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال "ألا انبئكم بشر الناس، قالوا بلى يارسول الله فقال: من أكل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده". ويعني الحديث ان شر الناس من يمنع خيره عن الآخرين، ولا يقدم لهم المساعدة لاسيما الطعام والشراب والملبس. وتقول الاستاذة في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في القاهرة الدكتورة عزة كريم إن موائد الرحمن تشجع على الالفة والترابط بين المواطنين، وتذلل الفروق بين الاغنياء والفقرا. اضافت: ان هذه الموائد اصحبت من المظاهر الطيبة في شهر رمضان كل عام، ولا يقتصر من يتناول طعام الافطار فيها على الفقراء، بل يقبل عليها عدد من القادرين الذين اضطرتهم الظروف الى الافطار في الشارع.