شارك المخرج المسرحي اللبناني ايلي لحود في المهرجان الأول للدراما الإغريقية اليونانية الذي أقيم أخيراً في مسرح "دافوس" الأثري في قبرص. والمخرج لحود أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية حيث تخرج في العام 1972. ثم أوفدته الدولة اللبنانية الى فرنسا للتخصص في الإخراج المسرحي ونال دكتوراه في موضوع "أريسطو فانس، مبدعاً مسرحياً" تناول فيها آثاره كاملة شاعراً ومسرحياً، اضافة الى عمله في الجامعة اللبنانية، أستاذاً، فهو الأمين العام للمركز اللبناني للمسرح، التابع للمؤسسة الدولية للمسرح. في بداية الثمانينات أنشأ لحود محترفاً لإعداد الممثل في عمشيت وسمّاه "محترف عمشيت المسرحي" بهدف اعداد الممثل اعداداً مسرحياً صحيحاً والبحث عن ممثلين خارج بيروت خصوصاً في تلك الأيام سنوات الحرب اللبنانية إذ "لم يعد في إمكان الناس أن يصلوا الى بيروت التي كانت تتغذى من المواهب الآتية من المناطق"، على ما قال لحود ل"الحياة". ولا يزال لحود يعمل في محترفه، اضافة الى التعليم في الجامعة، منذ 15 عاماً، وتخرج فيه نحو 60 ممثلاً حتى الآن. وميزة "محترف عمشيت" أنه يستقبل الموهوبين من دون النظر الى امكاناتهم الأكاديمية خلافاً لمعاهد الجامعات التي تفرض على الطالب أن يكون حاملاً شهادة البكالوريا اللبنانية للإنتساب اليها. أما "المحترف" فيستطيع أن ينتسب اليه كل راغب شرط أن يكون "سليم العقل" و"مجيداً للقراءة والكتابة". ويتخرج بعد 300 ساعة عمل ويطي افادة عمل لا شهادة، لأن التعليم في "المحترف" عملي وفعلي وليس نظري، وتمرر النظريات من خلال العمل "أسترق بعض الوقت وأشرح للتلامذة بعض الأمور الأساسية"بحسب لحود. وأوضح أنه خرّج قبل أيام الدفعة السابعة في المحترف بعرض مسرحية من أعمال الكاتب الألماني "برشت" تصرف بنصها وسمّاها "مونديال من نوع آخر" لمناسبة مئوية برشت. وأسس لحود من تلامذته في "المحترف" و"الجامعة"، "نواة مسرحيته"، تعرض المسرحيات وتشارك بالمهرجانات وتمثل لبنان في الخارج ومنها اختار ممثلين عرضا عمله "أوديب الملك" الذي فاز بالجائزة في قبرص، في مهرجان "الدراما الإغريقية" الذي شارك فيه سبعون متخصصاً مثلا 22 دولة منها اليونان وأميركا وليتوانيا وقبرص وانكلترا واستراليا وبولونيا وغيرها. وأعدّ لحود المسرحية خصيصاً للمهرجان، وأرسل عمله قبل المشاركة كباقي الدول مسجلاً على شريط فيديو، ويؤدي المسرحية الممثلان شربل راموراتي من معهد الجامعة وحنا عيد من المحترف، فاختارت اللجنة عشرة أعمال كانت "مسرحيتنا بينها" وتحكي قصة "أوديب الملك" في عشرين دقيقة بحسب الشروط. ومن المصادفة أن قدمت الفرقة الأميركية القصة أوديب نفسها ولكن برؤية حديثة جداً وأظهروا "أوديب" حليقاً ومرتدياً زياً أسود وواضعاً ربطة عنق، وجعلوا "أوروزياس" امرأة عرافة تضع نظارات وهي أصغر منه سناً. أما لحود فتناول النص برؤية لبنانية معتمداً، على نصّ للشاعر "أدونيس" وضعه في السبعينات "وهو مصدر ثقة"، ومتصرفاً به إذ أبقى على الأدبيات منه ومسرح اللازم مدخلاً على أجواء المسرحية حوارات صوتية لكورس مع بعضه بعضاً ومع "أوديب" اضافة الى موسيقى كورسيكية نسبة الى كورسيكا، وهي قريبة من الأناشيد اليونانية القديمة، وأدخل اليها نايات شرقية. واعتمد العربية الفصحى. أما "أوديب" فقد أظهره شاباً مرتدياً ثوباً أبيض وواضعاً وشاحاً أحمر. يشنق "أوديب" به نفسه في النهاية. أما "أوروزياس" فأظهره كخفاش أسود وأعمى وبائس لأنه يعلم الحقيقة. اضافة الى دمية بحجم الإنسان بقيت جاثمة على المسرح للدلالة على أن الشخص دمية في لعب القدر و"أوديب" لم يكن مخيّراً وكان يسعى الى نهايته. ويوضح لحود أن العرضين، اللبناني والأميركي، أتاحا للجمهور المقارنة بين الرؤيتين ونالت الرؤية اللبنانية اعجاب الجميع وفازت بأفضل عرض، اضافة الى اعجابهم الشديد وجرس اللغة وموسيقاها و"لم تحل العربية دون فهمهم القصة لأنهم كلهم مختصون ويعرفون هذه الآثار العظيمة". وجائزة قبرص لم تنسِّ لحود همّ المسرح وواقعه في لبنان حيث "هناك همس حالياً في المسرح الجاد"، ويطلق صرخة كي لا يهمش كلياً إذ لم يعد هناك من المسرحين الجادين سوى أساتذة المسرح في المعاهد منهم شكيب خوري وانطوان ملتقى وريمون جبارة وسواهم. وهم فقط الذين يعملون راهناً على المسرح الجاد الذي هو جزء من التعليم والحضارة أو ذروة تعقيد حضاري يدخل في عصر أوجيل. وللوصول الى مسرح جيد يجب أن يشارك الجميع إذ لا يمكن فرداً انشاء مسرح. ويوضح أن لا اطار للمهنة ولا هيكلية ولا يزال "المسرح هامشياً في لبنان ومعادلاً للكباريه وعلب الليل"، وندفع ضريبة اسمها "ضريبة ملهى"، والمسرحي يعمل ستة أشهر ويرتاح مثلها منتظراً في بيته ما جعل كثراً يعملون بالدبلجة و"يبيعون أصواتهم"، لأن الدوبلاج منتظم ويؤمن دخلاً ثابتاً. وهم معذورون. ويقول "المسرح الجاد في طريقه الى الزوال والانقراض" ويحل محله، خطأ، الإنتاج التلفزيوني على رغم أنهما قطاعان منفصلان وكلاهما مهم وضروري. ويعتبر أن المسؤولية تقع على الدولة التي لم تضع خطة ثقافية أسوة بخططها الدفاعية والاقتصادية، وبخاصة حيال الذين أوفدتهم الى الخارج ليتخصصوا في الإخراج المسرحي، ولم تنشىء مسرحاً وطنياً واحداً في حين أن دولاً كثيرة سبقتنا في هذا الإطار، إذ في القاهرة ثمانية وثمانون مسرحاً وطنياً، وفي بيروت لا نجد مسرحاً واحداً تملكه الدولة. ويقول "أنا أعد ممثلين ولكن أجدني شاعراً بالذنب حيالهم وخصوصاً حين يسألوني ماذا نفعل يا أستاذ؟. أنا أعطيهم العلم والمعرفة الأكاديمية وأساعدهم قدر المستطاع، ولكن هل أستطيع الاستمرار؟". وهل تؤثر موجة "مسرح القوالين" على المسرح "الجاد"، أجاب "كلا. القوالون نوع آخر من المسرح ونحترمه ولسنا ضدّه. وهذه ظاهرة تكاثرت بعد الحرب لأن الناس يريدون أن يتسلوا ويرفهوا عن أنفسهم، علماً أن في المسرح الجدي كوميديا مهمة جداً. ولكن الى الآن لم تستطع انتاج كوميديا كبيرة. ونحن على أي حال من النوع الجيد". ويستطرد قائلاً "أثبتت التجارب، منذ مارون نقاش في القرن التاسع عشر، الى اليوم أن اللبناني يحب المسرح الجامع والشامل الذي يضم الرقص والغناء والاستعراض والتمثيل وبهرجة الملابس وغيرها". ويختم "وهذا النوع يحتاج انتاجاً كبيراً تكون وراءه شركات لا أفراد".