قللت المناقشات واللقاءات الهامشية التي رافقت المناظرة الأولى للعمل التي استضافتها أخيراً مدينة مراكش من حدة التوتر بين الحكومة وجمعية الطلاب حملة الشهادات الجامعية العاطلين عن العمل، وتمكنت الحكومة من احتواء غضب الشباب العاطلين عن العمل ولو الى حين، ووقف سلسلة الاعتصامات التي دشنت لخط تصاعدي من المواجهة بين الجانبين، وصل ذروته في أول تشرين الثاني نوفمبر الماضي حين وقعت مواجهات وأعمال عنف بين قوات الأمن ومئات من حملة الشهادات الجامعية العاطلين عن العمل، قدموا الى الرباط من أنحاء مختلفة في البلاد لتنظيم مظاهرات للاحتجاج على عدم ايجاد مناصب عمل لهم. واسفرت المواجهات عن وقوع جرحى واعتقال آخرين. لكن هذه المواجهة وهي الأولى من نوعها في عهد حكومة عبدالرحمن اليوسفي، دشنت لمرحلة جديدة، اذ منحت في خطوة أولى الشرعية لجمعية الطلاب العاطلين عن العمل التي ظلت الى حين وقوع المظاهرة غير مرخص لها، وفتحت فصلاً جديداً في التعامل بين الحكومة والشباب حملة الشهادات العليا العاطلين عن العمل. وأبرز ما دشن هذا التفاهم، تمثل في اشراك ممثلي هؤلاء الشباب في أعمال المناظرة في بادرة هي الأولى من نوعها في البلاد، لاتاحة الفرصة امام العاطلين لإبداء وجهة نظرهم في المناقشات الدائرة حول الحلول المقترحة، ومدى ملاءمتها الشهادات المحصل علىها ومتطلبات سوق العمل. وانتهت المناظرة بحصول وفاق بين العاطلين عن العمل وصناع القرار في شأن الحسم في تسوية أوضاع العاطلين عن العمل، وان كان الأمر يتطلب بعض الوقت للتنفيذ. وبدا الارتياح على المستوى الحكومي لتفهم الشباب ومشاركتهم الفاعلة في المناقشات، وكان واضحاً ارتياح الشباب ايضاً على رغم اقتناعهم ان انتهاء أعمال المناظرة لا يعني بصفة مباشرة ايجاد مناصب عمل لهم. لكن فتح باب النقاش امامهم واشراكهم في جلسات وحوارات مطولة مع حوالى 700 مشارك يمثلون مختلف الحساسيات السياسية والنقابية والاقتصادية والحقوقية كان كفيلاً بمنحهم الثقة التي فقدوها بسبب سلسلة الاعتصامات للمطالبة بايجاد تسوية نهائية لمشاكلهم، التي تترجم حالات اكثر شمولية حيث تطاول البطالة في المغرب 850 ألف عاطل من مختلف الفئات، من بينهم حوالى 200 ألف من حملة الشهادات الجامعية العليا. وفي خطوة نحو تكريس أعمال مناظرة العمل، قال وزير العمل المغربي السيد خالد عليوة ان الحكومة خصصت نحو 8 ملايين دلاور لتنفيذ برنامج عاجل لتوفير فرص عمل اضافية للعاطلين عن العمل من الشباب حملة الشهادات الجامعية العليا. ويضم البرنامج الذي تسهم فيه بصفة نشيطة الجماعات المنتخبة انشاء جمعيات وتعاونيات على المستوى الجهوي لتوفير فرص عمل، ورصدت الحكومة لذلك حوالى 7 ملايين دولار لتشجيع الشباب على اقامة مشاريع صغيرة خاصة وتشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة و100 مليون درهم اضافية لانعاش فرص العمل الذاتي. وتعتمد الحكومة في تنفيذ برنامجها لمكافحة البطالة خصوصاً لدى حملة الشهادات العليا على القطاع الخاص بالنظر الى تعذر ايجاد مناصب عمل في القطاع العام. واعطت النبرة المتفائلة للحكومة آمالاً عريضة للشباب حملة الشهادات الجامعية العليا، لكن فشل الجهود المبذولة من قبل الحكومة في اقناع القطاع الخاص بالمساعدة في محاصرة مد بطالة خريجي الجامعات وتحطم آمال الشباب الحالمين بمناصب عمل والاستقرار، أفرز وضعاً جديداً تمثل في انتشار ظاهرة الاعتصام السياسي في المغرب. وبدأت مشاكل الطلاب حملة الشهادات الجامعية العليا العاطلين عن العمل تنتقل الى أهم ساحات العاصمة في خطوة لم يعتد عليها المواطن العادي الذي ظل الاعتقاد لديه سائداً ان الشهادات الجامعية العليا ترقى بصاحبها الى مراتب مهمة وليس الى الشارع. ومن أبرز التظاهرات التي رمزت لمعاناة العاطلين عن العمل، وخلقت ضغطاً حقيقياً على الحكومة كانت تلك التي نظمها حملة الشهادات العليا أمام البرلمان المغربي قبل حوالى ستة اشهر تزامنت مع مناقشة أول موازنة لحكومة عبدالرحمن اليوسفي، واستمرت التظاهرة التي شارك فيها العاطلون عن العمل ومنهم عاطلات حوامل، ومنهم من رافقه في محنته بعض أفراد عائلته مع الأفرشة واغطية للمبيت في مظهر كان يثير فضول المغاربة قبل السياح، وحول المشهد المستمر لاعتصام العاطلين عن العمل رؤية المغاربة لقيمة الشهادات ومدى فاعلية متابعة الدراسة، اذ كان الموعد سيتجدد في ساحة ما من ساحات الرباط. وعلى رغم انتهاء أزمة هؤلاء العاطلين عن العمل بتدخل من العاهل المغربي الملك الحسن الثاني وضمان توفير مناصب لهم ضمن الجماعات المنتخبة، الا ان التخوف يبقى سائداً من احتمال فشل ما اسفرت عنه المناظرة في معاودة تأجيج غضب الشارع المغربي، واندلاع تذمر الطلاب حملة الشهادات العليا العاطلين عن العمل. ويبقى مستقبل العلاقة بين الحكومة وجمعية العاطلين عن العمل رهيناً بمدى نجاح متابعة اللجان الخاصة لقرارات المناظرة، لكن الحكومة تطالب من جانبها بتفهم الوضع القائم في اشارة الى الامكانات المادية وتراكم البطالة. وقال وزير العمل المغربي السيد خالد عليوة ان الحكومة "نجحت في ايجاد 2500 منصب عمل شهرياً بفضل برامج التكوين" التي تسهل عملية دمج العاطلين عن العمل في المقاولات والمؤسسات الخاصة. وأضاف: "ما دام عاطل واحد في الشارع فإن مهمتي لم تكتمل بعد". واكد وزير العمل المغربي ان اصلاح التعليم أصبح ضرورة لا بد منها، في اشارة الى الربط القائم بين مشاكل تراكم بطالة حملة الشهادات العليا ونظام التعليم السائد. وقال عليوة انه يجب ادارة مشكل البطالة أولاً والتفكير بعد ذلك في اصلاح التعليم، وهو منطق ينسجم كلياً مع تطلعات الشباب العاطلين عن العمل باعتبار أنهم غير مسؤولين عن تردي الوضع التعليمي في البلاد، وبالتالي لا يتحملون عواقبه.