كان العنوان اللاذع لمقال كتبه النائب البريطاني أليكس سامون في صحيفة "التايمز" في 22 كانون الاول ديسمبر الماضي: "كلب بودل كلب من النوع المعروف بالطاعة شبه العمياء وبالزحفطة - كما قال الاديب الراحل سعيد تقي الدين يقلد تشرشل". اذ اعتبر هذا النائب قصف الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة للعراق بأنه أعلمنا بأن رئيس الوزراء البريطاني "وُجِد في الاختبار الاول الذي جرى له بأنه يُقاد بسهولة. فقد تمنّع هذا الرئيس وعلى نحو يستحق اللوم والتقريع عن التباحث مع اوروبا او عن الاستشارة في داخل الاممالمتحدة مفضلاً على هذا كله دفء محادثة على خط هاتفي حام أحمر يعبر المحيط الاطلسي". وأليكس سامون هو زعيم الحزب الوطني الاسكوتلندي الذي لا يهتم عادة بالشؤون الخارجية الا ما يتعلق منها باوروبا. لكنني اعتقد انه في مقاله اعرب جيداً عن آراء اكثرية نواب حزب العمال وآراء نواب الحزب الليبرالي الديموقراطي في مجلس العموم البريطاني رغم ان الحزبين ايّدا رسمياً الهجوم على العراق. وكانت خلاصة سامون الرئيسية في مقاله "ان بلير كان فريسة حب الظهور بمظهر البطل المغوار وحب تنكب البندقية مع صديقه الذي يعيش على الجانب الآخر من البحيرة بدلاً من ان يستخدم الديبلوماسية المداوية ومن ان يقوّي الاسرة الدولية ويعزّز مكانتها". وقد يبدو هذا غريباً جداً بالنسبة الى القراء في الشرق الاوسط وفي مناطق اخرى من العالم، لكنني اعتقد بالفعل ان مسؤولية تورط المملكة المتحدة في الهجوم بصواريخ "كروز" وبالطائرات على العراق قبيل فترة رمضان واعياد الميلاد تقع مباشرة على عاتق طوني بلير. ورغم انه من المفترض ان يحكم بريطانيا مجلسها الوزاري، لم تبدر أية اشارة من الدوائر الحكومية البريطانية الرفيعة الى ان المجلس الوزاري او حتى الوزراء رفيعي المستوى تشاوروا في الامر وتبصّروا به قبل ان توافق بريطانيا على المشاركة في الهجوم. وبالنسبة الى طوني بلير من المحتمل ان يكون قرار المشاركة امراً بدا له وكأنه بسيط غير معقد. فالتعاون الوثيق مع الرئيس بيل كلينتون كان ولا يزال الغاية الاولية لرئيس الوزراء البريطاني الذي يشعر بأنه نال من صديقه مكافأة كبيرة في شكل المساعدة القيّمة التي قدمها له الرئيس الاميركي في شمال ايرلندا. فقد قدّم طوني بلير دعماً سريعاً وحاسما غير متردد للهجوم الاميركي على مصنع الكيماويات في الخرطوم من دون مراجعة احد من زملائه. ومن شبه المؤكد ان طوني بلير قدّم دعمه الفوري للهجوم على العراق عندما اتصل به الرئيس بيل كلينتون هاتفياً من على متن طائرته الرئاسية بعدما كان الرئيس أعلم رئيس الوزراء نتانياهو بأمر النيّة على الهجوم. وكان احتمال قصف العراق قد بُحث في البيت الابيض في خلال زيارة طوني بلير له في آخر رحلة قام بها الى واشنطن. وتحدث طوني بلير الى مراسلي التلفزيون في داونينغ ستريت وذكر الاسباب التي جعلت قصف العراق في رأيه امراً ضرورياً، وكان من الملفت ان الحكومة والبرلمان والشعب في بريطانيا وقفوا الى جانبه. فلا يحب ان ينتقد سياسية الحكومة البريطانية فيما، يحارب الجنود البريطانيون، الا قلة قليلة من الشعب البريطاني. وحُرم نحو 25 نائباً في مجلس العموم البريطاني من فرصة التصويت ضد الحكومة بعد مناقشات جرت في هذا المجلس كان "اخراجها" متأنياً وماهراً. وارادت المعارضة المحافظة ان تبدو اكثر "رجولة" من الحكومة ودعت الى ازاحة صدام حسين عن السلطة . واظهرت استطلاعات الرأي المبكرة ان اكثر من 70 في المئة من البريطانيين يدعمون قصف العراق. وكانت الصحف وعلى رأسها التايمز والديلي تلغراف صريحة عالية الصوت في دعمها للحكومة. ولم ينتقد الهجوم الا بعض اعضاء مجلس العموم مثل العمالي العتيق المخضرم طوني بن وجورج غالاوي الذي زار بغداد منذ فترة غير طويلة. ويعتبر هذان النائبان يساريين متطرفين في هذه الايام ولا تعتبر مساهمتهما في الحوار او المناقشات جادة ولا تؤخذ على محمل الجد. وبالنسبة الى وسائل الاعلام شكّلت عملية الهجوم قصة وطنية برزت فيها براعة طياري سلاح الجو الملكي البريطاني وشجاعتهم في قلب المعركة. وترامى اليّ ان عدد هؤلاء كان اقل من عشرين طياراً. ولوحظ عدم تأييد اوروبا الغربية للهجوم على العراق بل كان موضع انتقاد شديد فيها. وبالنسبة الى العدد الكبير من رؤساء تحرير وسائل الاعلام، الذين يُعادون التقارب مع اوروبا، شكل الهجوم على العراق وعدم تأييد اوروبا الغربية له عصا اخرى لضرب بروكسيل على رأسها بها. وفي البدء لم تُظهر الصحف البريطانية عداء العالم العربي لقصف العراق رغم ان هذا القصف جرى نظرياً باسم هذا العالم وعنه، كما لم تُظهر هذه الصحف حتى حذر الكويت هذه المرة. وجاء سحب السفير الروسي من لندن مفاجئاً تماماً لمعظم البريطانيين. لكن بعد يومين بدأ المدّ يتحول الى جزر فقد شكّك الجنرال بيتر دولا بيليير والجنرال مايكل روز، المتقاعدان اللذان يحظيان بالاحترام في الحجج العسكرية التي تذرّعت بها واشنطنولندن وذلك بحجج مضادة سليمة ومقنعة. وسُمع صوت رئيس الوزراء البريطاني المحافظ السابق، السير ادوارد هيث، من صفوف النواب المحافظين، يوجه انتقادات حادة جداً، بلغت حدّ الازدراء بما قام به طوني بلير. اما اللورد دنيس هيلي، فصرّح في بث مباشر بأن طوني بلير ارتكب خطأ. ويذكر ا ن بولي دولا ميرث قال عن اعدام دوك دوانيان "انه أسوأ من جريمة انه خطأ فاضح" وعندما انتهى الهجوم الجوي على العراق في التاسع عشر من كانون الاول ديسمبر الماضي، كان صدام حسين لا يزال راسخ القدم في الحكم والسلطة كما كان منتظراً، وكان قد قتل او جرح على نحو خطير عدد غير معروف من العراقيين. وقد لا تعود لجنة اونسكوم ابداً الى العراق. لكن المملكة المتحدة ألحقت ضرراً بالغاً بعلاقاتها مع روسيا ومع شركائها الحاسمي الاهمية في الاتحاد الاوروبي ومع العالم العربي. وأُغرقت الاممالمتحدة في ازمة عميقة فيما تم اضعاف سلطة القانون الدولي. ايها الرئيس رئيس الوزراء البريطاني لقد كان ما فعلته خطأ فاضحاً خطيراً. * سياسي بريطاني، نائب سابق من المحافظين.