يودع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عام 1998 تماماً مثلما استقبله: أزمة حادة داخل ائتلافه الحكومي أرغمته هذه المرة وفي نهاية السنة الثالثة من حكمه على ضم صوته إلى غالبية في البرلمان الإسرائيلي الكنيست لاجراء انتخابات عامة مبكرة. وإن كان وزير الخارجية ديفيد ليفي قدم استقالته هدية لرئيس حكومته في الرابع من شهر كانون الثاني يناير بسبب الخلاف بينه وبين نتانياهو على موازنة عام 1998 واحتجاجاً على عدم تقدم العملية السلمية، فقد حملت سياسة نتانياهو ذاتها، الاقتصادية منها والسياسية، وزير المال يعقوب نئمان على تقديم استقالته هو الآخر في منتصف كانون الأول ديسمبر، وأعلن أنه يرفض الخضوع لمطالب أحزاب الائتلاف الحكومي على حساب اقتصاد الدولة العبرية التي أظهرت الدراسات ان عام 1998 كان من أسوأ الأعوام بالنسبة إليه، إذ بلغت البطالة أقصى معدلاتها 11 في المئة. لكن السبب المباشر الذي أطاح حكومة نتانياهو الحالية وجنّد أصوات 81 نائباً إسرائيلياً من أصل 120 لصالح تقديم موعد الانتخابات العامة في إسرائيل، كان العملية السلمية مع الفلسطينيين، الذي نجح نتانياهو أن يجر أقدامه فيها جراً يوماً بعد يوم على مدار العام للحيلولة دون تنفيذ اتفاق أوسلو، وتحديداً البند الذي ينص على انسحاب عسكري إسرائيلي ثانٍ من الضفة الغربية. وأفشل نتانياهو لقاء قمة بينه وبين الرئيس الأميركي بيل كلينتون في ال 20 من كانون الثاني الماضي في واشنطن، واللقاء الذي عقده الأخير مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بعد هذا التاريخ بيومين، في محاولة لاخراج العملية السلمية من جمودها. وتسلح نتانياهو بالفضيحة التي كان كلينتون مشغولاً بها في مكتبه البيضاوي في البيت الأبيض وعاد إلى تل أبيب حيث انتظره فشل آخر لجهاز الاستخبارات موساد في سويسرا تمثل في اعتقال الشرطة هناك عميلين كانا يزرعان أجهزة تنصت على بيت أحد زعماء حزب الله اللبناني. ولحقته وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت في زيارة إلى منطقة الشرق الأوسط في اليوم الأخير من الشهر ذاته وعرضت ما عرف ب "أفكار أميركية" لزحزحة الجانبين الفلسطينيين والإسرائيليين عن مواقفهما بعد أن أعلن الفلسطينيون أنهم لن يقبلوا بانسحاب أقل من 40 في المئة من أراضي الضفة الغربية، فيما أكد نتانياهو رفضه الانسحاب من أكثر من أربعة في المئة. وبعثت بالمنسق الخاص للعملية السلمية في الخارجية الأميركية دنيس روس إلى الشرق الأوسط ليفشل، جولة بعد أخرى كان أولها في الثلاثين من آذار مارس، في اقناع نتانياهو بقبول نسبة 13 في المئة. وبعد فشل جولة روس في 25 نيسان ابريل التي اعقبها فشل لقاء القمة بين نتانياهو والرئيس المصري في القاهرة في 28 من الشهر ذاته، أعلن عرفات رسمياً عن قبوله بالخطة الأميركية القاضية بانسحاب إسرائيل من 13 في المئة من الضفة الغربية. وحاولت أولبرايت مرة أخرى خلال لقائين منفردين مع عرفات ونتانياهو في لندن، التقريب بين وجهات نظر الجانبين، وأعلنت عن التحضير لقمة ثلاثية في واشنطن في 11 أيار مايو، غير أن نتانياهو وجه صفعة أخرى للرئيس كلينتون وأعلم روس الذي حضر إلى المنطقة لاقناعه بحضور القمة، أنه لن يذهب، فألغيت القمة. وفي غضون ذلك قتل خمسة فلسطينيين واصيب 200 آخرون بجروح خلال إحياء الفلسطينيين الذكرى الخمسين للنكبة. وخرج نتانياهو في الثاني من حزيران يونيو ب "قصة" اجراء استفتاء شعبي على الانسحاب من أراضٍ فلسطينية، ولكنه ما لبث أن أعلن عن إلغاء الفكرة التي روج لها. وفي 22 من الشهر ذاته قررت الحكومة الإسرائيلية توسيع الحدود الإدارية لمدينة القدس وضم المستوطنات المجاورة إلى المدينة لاستبقاق مفاوضات الحل النهائي. ولم يعد الرئيس عيزر وايزمان يتحمل المزيد من "خدع وحيل" رئيس الوزراء وأعلن في الثلاثين من حزيران أنه يؤيد اجراء انتخابات مبكرة في الدولة العبرية، متخطياً حدود صلاحياته الفخرية كرئيس للدولة. وبعد ثلاثة أشهر، في الرابع والعشرين من آب اغسطس، أعلنت إسرائيل موافقتها على الانسحاب من 13 في المئة من الضفة الغربية، على أن تخصص ثلاثة في المئة من هذه النسبة ل "محمية طبيعية"، أي منطقة خضراء، تبقي إسرائيل سيطرتها العسكرية عليها. ووصل روس إلى المنطقة أوائل أيلول سبتمبر إلى تل أبيب، إلا أنه لم يجد من يصغي إليه، فقد اجتاحت إسرائيل حال من الرعب خلال أزمة فرق التفتيش الدولي في العراق خوفاً من قصف عراقي محتمل. ولكن الرئيس الأميركي المتورط في سلسلة من الفضائح، قرر التدخل شخصياً لتحقيق انجاز ديبلوماسي دولي، عسى ان ينقذ نفسه من المحاكمة والطرد من منصبه. وأعلن عن الخامس عشر من تشرين الأول اكتوبر موعداً لقمة أميركية - فلسطينية - إسرائيلية، أصرت واشنطن على أنها لن ترفضَّ حتى يتم التوصل إلى اتفاق في شأن إعادة الانتشار، وذهب نتانياهو إلى الولاياتالمتحدة وتهديدات اليمين المتطرف داخل ائتلافه وخارجه تلاحقه. حتى اللحظة الأخيرة بدا ان هذه القمة ستفشل، وحزم الإسرائيليون أمتعتهم من منتجع واي ريفر القريب من العاصمة الأميركية، ولكن تم التوصل إلى اتفاق واي ريفر بعد تدخل العاهل الأردني الملك حسين وبعد ضغط شديد من كلينتون الذي أراد انجاح المهمة بأي ثمن. ومرة أخرى تم التوقيع على "اتفاق على الاتفاق" داخل البيت الأبيض في الثالث والعشرين من الشهر ذاته. وعاد نتانياهو وأعلن للإسرائيليين أنه قلص توقعات الفلسطينيين في شأن الانسحاب العسكري، وأنه وقع اتفاق "أمن إسرائيل". ولكن تحت ضغوط اليمين، تهرب نتانياهو لمدة ثلاثة أسابيع من تنفيذ إعادة الانتشار الثانية التي قسمها إلى ثلاثة أجزاء في اتفاق واي، وطالب الفلسطينيين بتنفيذ سلسلة من الشروط، منها إصدار قانون منع التحريض وجمع الأسلحة غير المرخصة وتقليص عدد أفراد الشرطة الفلسطينية واعتقال 33 ملطوباً فلسطينياً لإسرائيل. وعندما جاء دور نتانياهو لينفذ ما تعهد به، افرج عن سجناء حق عام بدل الأسرى السياسيين الفلسطينيين، وأعاد انتشار قواته في 3،9 في المئة من المناطق الفلسطينية الخاضعة لسلطة مدنية فلسطينية وعسكرية إسرائيلية، إلا أنه ادخل "تعديلات" في الخرائط التي عرضها على الفلسطينيين وأبقى ثلاثة جيوب صغيرة في المنطقة التي انسحب منها ليحول دون أي ترابط جغرافي بين مدينة جنين شمال الضفة الغربية والقرى المجاورة التي انسحب منها. واشتعلت الأراضي الفلسطينية في ما عرف بانتفاضة الأسرى بعد أن أعلن الأسرى في السجون الإسرائيلية أنهم سيضربون عن الطعام إلى أجل غير مسمى، واجتاحت الضفة موجة من التظاهرات قتل خلالها ثلاثة فلسطينيين. وعلى عكس ما راهن نتانياهو، أعاد الفلسطينيون تنفيذ جزء مما تم تنفيذه في السابق، وهو التصويت مرة أخرى "برفع الأيدي" على إلغاء معظم بنود الميثاق الوطني في غزة بحضور كلينتون في الخامس عشر من كانون الأول. وخلافاً للمتوقع أيضاً، رأى محللون استراتيجيون ان زيارة كلينتون لغزة، والتي طالب نتانياهو نفسه بها، هي بمثابة "وعد بلفور للفلسطينيين" من كلينتون، إذ حطت مروحيته الرئاسية وإن لم تكن طائرة سلاح الجو رقم واحد بناء على طلب الإسرائيليين في مطار رفح. وأثارت هذه الزيارة استياء الإسرائيليين الذين رأوا فيها تقارباً أميركياً - فلسطينياً على حساب الإسرائيليين. ولم يستطع نتانياهو المماطلة أكثر في تنفيذ الجزء الثاني من الانسحاب، فأعلن بعد ساعات من مغادرة الرئيس كلينتون المنطقة تعليق تطبيقه حتى "يفي الفلسطينيون بتعهداتهم وينفذوا" سلسلة جديدة من الشروط. هذه المرة لم يرضِ نتانياهو لا اليمين ولا اليسار وخسر "شبكة الامان" التي وفرتها له المعارضة لمنحه فرصة لتنفيذ اتفاق واي ريفر، ولفظه اليمين المتطرف وصدرت فتاوى حاخامية تندد بمن "يسلم أرض إسرائيل للفلسطينيين". وفي الواحد والعشرين من الشهر ذاته حلت الكنيست الإسرائيلية نفسها واتخذت قراراً بغالبية ساحقة لاجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل، ووجد نتانياهو نفسه على اعتاب العام 1999 ليس في مواجهة مرشح حزب العمل المعارض فقط، بل بأحزاب "وسط" يتزعم بعضها رفاقه في حزب ليكود، منهم من انسحب من الحزب، ومنهم من أعلن أنه سينافس نتانياهو على زعامة الحزب من داخله. وعلى رغم تعقيدات المفاوضات مع الفلسطينيين وانشغال القمة والقاع في إسرائيل بهذه القضية، لم تغب قضية المنطقة التي تحتلها إسرائيل في جنوبلبنان عن الساحة في الدولة العبرية على مدار العام بسبب الضربات الموجعة التي وجهها حزب الله اللبناني لجيش الاحتلال والتي تصاعدت وتيرتها في نهاية السنة. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي اسحق موردخاي للمرة الأولى استعداد إسرائيل تطبيق قرار الأممالمتحدة رقم 425 الذي ينص على انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية شريطة أن توفر الحكومة اللبنانية "ضمانات أمنية" للمستوطنات اليهودية المتاخمة لحدود لبنان. وتوالت من بعده تصريحات المسؤولين السياسيين وعلى رأسهم نتانياهو المؤيدة لهذا الطرح، خصوصاً بعد تدهور معنويات فرق الصفوة في الجيش الإسرائيلي نتيجة للتطور النوعي في عمليات حزب الله ضد الأهداف العسكرية الإسرائيلية. فلسطينياً، وعلى المستوى الداخلي تدهورت العلاقات بين السلطة الفلسطينية و"حركة المقاومة الإسلامية" حماس وشنت حملات اعتقال واسعة مرتين خلال العام 1998، بلغت ذروتها في 29 تشرين الأول عندما فرضت الاقامة الجبرية على زعيم الحركة الروحي الشيخ أحمد ياسين ولكن تم رفعها في الرابع والعشرين من كانون الأول في حلول شهر رمضان المبارك. وقتل اثنان من أبرز قادة حركة "حماس" العسكريين في الضفة الغربية هما محيي الدين الشريف، المطارد رقم واحد لإسرائيل، وقتل في ظروف غامضة مرتبطة بانفجار سيارة في مدينة رام الله، وعادل عوض الله المطلوب رقم 2، الذي صفّته القوات الإسرائيلية هو وشقيقه عماد في مخبأ قرب مدينة الخليل بعد أيام قليلة من فرار عماد من أحد معتقلات السلطة الفلسطينية في مدينة أريحا. وقتل فلسطينيان آخران في شهر آب اغسطس في انفجار سيارة مفخخة أيضاً في مدينة رام الله.