من الأشياء التي تثير الانتباه، ذلك الفارق الاسطوري بين الواقع والشاشة. ان التلفاز كوسيلة اعلامية بصرية دوره ان يعكس - نسبياً - الانشغالات والاحداث التي تهيمن على يوميات المواطن وعلى واقعه. ولأن الجزائر وكونها لم تتمتع بعد بصفة الدولة فواقعها شيء والشاشة شيء آخر. الواقع صراع دموي وبؤس اجتماعي وغموض سياسي وانحباس فكري، ورشوة واختلاس بينما الشاشة حفلات ساهرة، ورقص وكلام حول الوحدة الوطنية، والسيادة... كما لو ان القوة الحاكمة تدفع المجتمع عنوة الى تجاهل مصيره. مفارقات عجيبة، ويأتي الجنرال بتشين في حواره في "الحياة" تاريخ 24 تشرين الأول/ اكتوبر 1998 ليتحدث بثقة كبيرة عن وطنيته ومسعى التقويم الوطني والقدرة القتالية للعسكريين، ان الجزائر اصبحت مرجعاً في مجال مكافحة الارهاب وان حزبه يحمل مشروعاً حقيقياً، وعدم السماح للتدخل الاجنبي. يا لها من سخرية ويا له من عار. ايها الجنرال! ان الجزائر بيت كبير كفضاء جغرافي، وبيت فارغ كفضاء ثقافي اجتماعي وسياسي ونتيجة لذلك فان الجماعة الكريمة بدءاً من التصحيح الثوري الى غاية التقويم الوطني، ان هذه الجماعة التي تحسن القتال مثلما عبّرتم، التي ما فتئت تتحدث عن ترتيب البيت الجزائري، فان مهمتها لن تتجاوز حراسة ثروات هذا البيت لصالحها وصالح الشركات الاجنبية. ان الجزائر والحالة هذه ما هي سوى ورشة كبيرة لمعادن ثمينة وكفى فليس هناك لا مشروع مجتمع ولا هم يحزنون. اما الاجنبي فلن يتدخل ما دامت مصالحه مضمونة وهي مضمونة وزيادة وعندما يقرر التدخل فلا شك ان في حوزته ملفات سيتذرع بها للتدخل في الوقت المناسب وهذا من حقه طبعاً فالأنظمة الحقيقية هي التي ترعى مصالح شعوبها. انا لا اعرفك، ولكني متأكد ان عشرات من محترفي السياسة والمناصب الادارية الحساسة، والجنرالات ومن سار على دربهم، اقاموا مجدهم على حساب وطن وباسم سيادته. اما انا فلست سوى واحد من البسطاء، وحينما ادركت ان وطني تحكمه الاهواء، وان الشعب الذي انتمي اليه يخوض معتركاً قاسياً في سبيل اللامعنى. عندما أردكت ذلك حملتُ اوجاعي وغادرته. سعيد هادف شاعر وكاتب جزائري مقيم بالمغرب.