بدا أمس ان الصراع داخل أجهزة الحكم في الجزائر لم ينته فصولاً ولم يُحسم بعد على رغم استقالة الوزير المستشار في رئاسة الجمهورية الجنرال محمد بتشين، اول من أمس. إذ أكدت صحيفة "لوتانتيك"، المحسوبة على بتشين، ان قبول الرئيس اليمين زروال استقالة أقرب مساعديه ليس سوى "قرار باعادة الحرية اليه"، وان على بتشين "ان يواصل لعب دوره السياسي". وفسّر مراقبون هذا الكلام المفترض ان لا يصدر في هذه الصحيفة اذا لم يكن قد اطلع عليه بتشين مسبقاً ووافق على مضمونه، بأنه إشارة الى ان الوزير المستقيل لن يتخلّى عن دوره في التجمع الوطني الديموقراطي، الحزب الحاكم في البلاد. ويُعتقد على نطاق واسع ان لبتشين نفوذاً كبيراً في هذا الحزب، وهو أصلاً عضو في قيادته. ولم تنجح أخيراً محاولة ل "تصحيح مسار" التجمع، قام بها رئيس الحكومة السابق السيد مقداد سيفي. واستقال سيفي بعد فشل محاولته التي يُنظر اليها على أنها كانت تستهدف الحد من نفوذ بتشين في هذا الحزب. ويعتمد بتشين، إضافة الى الدعم الذي يحظى به في "التجمع"، على تأييد ما يُعرف ب "الأسرة الثورية" التي تضم مجاهدين سابقين وأبناء مجاهدين وجمعيات وطنية يجمعها دعمها "التيار الوطني". ويُحسب بتشين على هذا التيار الذي يوازيه، في المقابل، التيار العلماني. ولكل من هذين التيارين نفوذ مهم داخل مؤسسات الجيش والادارة. وثمة من يقول ان لبتشين نفوذاً مهماً أيضاً داخل جهاز الأمن الرئاسي المكلّف حماية رئيس الدولة والمقرات التي يقيم فيها. ويضم هذا الجهاز بضعة الآف من العسكريين حالياً، بعدما كان عدد افراده في السابق يراوح بين 400 - 600 عنصر. ولكن يُرجّح ان لا يصل التوتر بين بتشين ومعارضيه في المؤسسة العسكرية الى نزاع مسلّح. وفي أي حال، يرى مراقبون ان قرار رئيس الجمهورية، الذي كان يشكّل الغطاء الشرعي الأبرز لبتشين، التنحي مبكراً عن السلطة ساهم في إضعاف نفوذ تياره، وبالتالي تقدّم معارضي بتشين الذين يتهمونه بالفساد وسوء استخدام السلطة. وينفي بتشين هذه الاتهامات ويعتبر ان وراءها جهات نافذة. وكان وزير العدل الجزائري السيد محمد آدمي تعرّض لحملة أخرى عنيفة في بعض الصحف اتهمته بسوء استغلال منصبه والتحرش الجنسي بنزيلات في سجون. ونفى آدمي هذه المزاعم واستقال قبل ثلاثة أيام للتفرغ للرد على الاتهامات التي توجّه اليه. ولا علاقة للحملة على بتشين بالحملة على آدمي على رغم ان الأخير محسوب على التيار العروبي وشقيقه مسؤول كبير في حركة "النهضة" الإسلامية. ونقلت وكالة "رويترز" من الرباط امس عن مصدر ديبلوماسي عربي ان "هذه ليست نهاية بتشين او آدمي. والشعور السائد انهما اختارا ترك منصبيهما للتفرغ للمعركة المقبلة". وأوردت وكالة "فرانس برس" أمس نبذة عن بتشين المولود في قسنطينة شرق الجزائر والمقاتل السابق في حرب الاستقلال بين عامي 1954 و1962، جاء فيها انه تلقى علومه العسكرية في الاتحاد السوفياتي السابق. وشغل مقعداً في اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني، الحزب الوحيد سابقاً، من 1979 حتى آذار مارس 1989 عندما قدم استقالته من اللجنة المركزية في ذلك الوقت كبقية العسكريين ليعين ملحقاً عسكرياً في روما. وتولى بين عامي 1982 و1984 قيادة القطاع العسكري في تندوف في الجنوب قرب الحدود مع المغرب.