حمل يوم واحد الاسبوع الماضي اخباراً اميركية عن استعداد عسكري جديد لضرب العراق، وعدم الضرب في كوسوفو، واكتشاف خطة لضرب السفارة الاميركية وقنصليتين اميركيتين في الهند، واعتقاد الاستخبارات الاميركية ان باكستان استخدمت "بلوتونيوم من نوع منخفض" في تفجيراتها النووية. قرأت ما سبق وانا اراجع تقريراً طويلاً كتبه ايفان ايلاند لمؤسسة كاتو الاميركية للابحاث عنوانه "هل التدخل الاميركي يغذي الارهاب؟ السجل التاريخي". السجل هذا يثبت بشكل قاطع ان السياسة الاميركية في الخارج مسؤولة عن الارهاب ضد الاميركيين وغيرهم. ومجلس الدفاع العلمي أعدّ تقريراً بهذا المعنى لوزارة الدفاع الاميركية ورد فيه حرفياً "ان المعلومات التاريخية تظهر وجود علاقة قوية بين انغماس الولاياتالمتحدة في قضايا دولية وزيادة الهجمات الارهابية ضد الولاياتالمتحدة" التقرير السنوي لوزارة الخارجية عن الحوادث الارهابية في العالم كله يظهر ان ثلثها ضد اهداف اميركية. كنت قرأت اشارات الى تقرير مؤسسة كاتو في مقال كتبه المعلّق بات بوكانان، الذي رُشّح مرة نائباً للرئيس، وطلبت التقرير ووجدته مليئاً بتفاصيل لا تتسع لها مثل هذه العجالة. مع ذلك احاول اختيار ما امكن من دون العودة الى سنة 1915 عندما انفجرت قنبلة في مبنى الكابيتول احتجاجاً على بيع الولاياتالمتحدة ذخيرة للحلفاء في الحرب العالمية الاولى، قبل مشاركتها فعلياً في الحرب. - في الرابع من تشرين الثاني نوفمبر 1979 احتل طلاب ايرانيون السفارة الاميركية في طهران احتجاجاً على تأييد اميركا الشاه، وبقي الدبلوماسيون رهائن 444 يوماً. - في الثاني من نيسان ابريل 1983 دمّر انفجار السفارة الاميركية في بيروت وسقط قتلى كثيرون احتجاجاً على تدخل الاميركيين في الحرب الاهلية. - في 23 تشرين الاول اكتوبر 1983 دُمّر مقر المارينز في بيروت، وقتل 290 من المارينز والجنود الفرنسيين وغيرهم. - في ايلول سبتمبر 1984 دُمّر ملحق للسفارة الاميركية في شرق بيروت وقتل 23 شخصاً. - في 5 نيسان ابريل 1986 وقع انفجار في مقهى "لا بل" في برلين فقتل جندي اميركي وامرأة تركية. وفي حين تنفي ليبيا حتى اليوم علاقتها بالانفجار فانه يبدو ان الانفجار نُظّم احتجاجاً على دخول الاسطول الاميركي خليج سرت في آذار مارس من تلك السنة مخترقاً "خط الموت" الذي رسمه العقيد القذافي، ومتحدياً النظام الليبي. - هناك عدد من الحوادث يسجلها تقرير كاتو، مثل "شراء" الليبيين رهينة اميركياً في لبنان وقتله، ومحاولة نسف السفارة الاميركية في لومي، عاصمة توغو، وخطف جماعة ابو نضال طائرة بان اميركان، الرحلة 73 في كراتشي، واعتقال اعضاء في الجيش الاحمر الياباني وهم يحملون متفجرات في نيوجرسي، وتدبير الجيش الاحمر انفجاراً في نابولي قتل خمسة اشخاص، واسقاط طائرة بان اميركان، الرحلة 103، فوق لوكربي في اسكوتلندا. وتنفي ليبيا بشدة علاقتها بكل هذه الحوادث، الا ان تقرير مؤسسة كاتو يقول انها جميعاً نتيجة مباشرة لتوجيه الاميركيين غارات على ليبيا في 15 نيسان 1986 رداً على حادث "لا بل". ويزيد التقرير ان العقيد القذافي لم يكن قام بأي عمل ضد الولاياتالمتحدة حتى جاء الرئيس ريغان في مطلع الثمانينات وانتهج سياسة معلنة لاطاحة الزعيم الليبي. ومرة اخرى، تضيق هذه الزاوية عن تسجيل الحوادث الارهابية كلها، فهي من الفلبين الى السلفادور واثينا والخليج وتركيا وبنما واليابان وبلغراد وسانتياغو وغيرها كثير. ويربط التقرير بين كل حادث ارهابي واجراء عسكري اميركي مقابل في البلد المعني بشكل لا يترك اي مجال للشك في العلاقة بين الاثنين. الواقع ان هذه هي خلاصة تقرير مؤسسة كاتو، الا انني كنت وصلت اليها قبل الوصول الى نهاية التقرير، فالعلاقة لا تخفى، والتقرير يحمّل الادارات الاميركية المتعاقبة المسؤولية، ويقول ان استخدام القوة العسكرية يجب ان يكون خياراً اخيراً، وفقط عندما تتعرض مصالح اميركية حيوية لتهديد فعلي. وفي حين ندرك ان للولايات المتحدة، كما لكل بلد، اعداء بغض النظر عن اي سياسة متبعة او مهملة، فان ما يزيد من العداء للسياسة الاميركية عدم توازنها، فهي - كما بدأت - تعاقب العراق وتغفر للصرب جرائم ابادة الجنس وهي تفرض عقوبات على الهندوباكستان لقيامهما بتفجيرات نووية، وتغضّ النظر عن مخزون اسرائيل من الاسلحة النووية، وهي تدعم اسرائيل سياسياً وعسكرياً، فتطيل احتلالها اراضي عربية، ثم تحاول القيام بدور "وسيط شريف" بين اسرائيل والعرب. وبما ان السياسة الاميركية لن تتغير في المستقبل المنظور، فان الارهاب ضد الاهداف الاميركية لن ينتهي.