سوزان نجم الدين فنانة لا تتوكأ على موهبة فذة فحسب، فهي تسعى بجهد حثيث، لتحقيق الأفضل والأرقى. تعشق الأدوار الصعبة، وتتحدى المخرج أن يضعها في أقسى الظروف كي تخرج بأجمل المشاهد، فتظهر الفنانة الرقيقة والشرسة في آن. كنت أراقبها في أثناء أدائها الدور الصعب، دور سلافة زوجة شقيف في مسلسل "الكواسر"، وكان شقيف، في أحد المشاهد التي اتهمها فيه بخيانته، يضغط على عنقها، وجسمها يتدلى خارج النافذة. ولم يكن المخرج - نجدة انزور - ليقتنع بالمشهد إلا بعد تجارب عدة كانت سوزان قد أنهكت وتفجرت دموعها في صورة طبيعية. كان المشهد قاسياً، ولكنها قدمت لقطة ولا أجمل. بعدها، وفي انتظار مشهد التعذيب الذي سيمارسه شقيف عليها، جرى نقاش بينها وبين المخرج كانت تتحداه فيه أن يتبع ما يشاء من وسائل التعذيب، وبالفعل... كانت الفرصة للحصول على مشهد نادر. مع سوزان كان هذا اللقاء في اللاذقية... حيث تصور مشاهدها الأخيرة في "الكواسر"، الذي تبثه الآن - في رمضان - أكثر من تسع محطات، أرضية وفضائية، عربية، بدءاً من دبي والكويت وسورية والأردن والمغرب وتونس والجزائر، وانتهاء بمحطة عمان: لو رجعنا الى انطلاقتك الحقيقية، هل ترين أنها بدأت مع دورك في "نهاية رجل شجاع" الذي أخرجه نجدة انزور عن رواية حنا مينه... أم أن لك بداية أخرى؟ - لا، بدايتي الحقيقية هي كل أعمالي التي قدمتها قبل "نهاية رجل شجاع"... لكن هذا العمل كان بداية انطلاقتي العربية، كما أنه كان نقطة انطلاق الدراما السورية عربياً عبر الفضائيات. في بداياتي قدمت أعمالاً كثيرة أهمها "حكايات من التاريخ"، "الدخيلة"، "الطوق"، و"قلوب دافئة" كان من أجملها. ولكن هذه الأعمال كانت محلية. طبعاً الأستاذ نجدة ساهم في توسيع دائرة انتشار الدراما السورية، كما ساهم في تقديمي على صعيد عربي. لننظر الى تجربتك بعد نحو عشرة من الأعمال التلفزيونية... كيف ترين الى هذه التجربة؟ أين مظاهر القوة، و...الضعف فيها؟ - أنا أعتقد أن كل ما قدمته كنت راضية عنه، لأنني كنت أقدم فيه كل ما لدي. كنت أختار بحذر شديد. ولذلك فأنا مقلّة جداً. كل أعمالي بالنسبة لي كالطفل يكبر تدريجاً وليس دفعة واحدة. أنا اختصرت الكثير من المراحل، خصوصاً مراحل التشتت والضياع والبحث عن هدف التي يعاني منها الفنان في بداياته، عادة. كنت أعرف ما أريد، وأختار ضمن معايير واضحة وأرفض أعمالاً كثيرة رغم الإغراءات الكثيرة مادياً أو على صعيد الشهرة. كان همي بناء ذاتي، واحترام الكلمة، وأن أكون قدوة لجيلي. ما زلت أحاول، وأنا في أول الطريق. أليس غريباً قولك انك بدأت قوية وتعرفين ما تريدين منذ البداية. من أين لك هذه القوة والمعرفة؟ - أهم شيء في الكون هو أن يعرف الإنسان ما يريد. أنا لماذا جئت الى الفن؟ جئت وأنا أعرف الكثير عن الوسط الفني. أعرف ما يمكن أن يقدم لي من خير ومن شر. وأعرف ما أريد... ليس الشهرة ولا المال ولا التسلية. أنا لدي رسالة كبيرة أسعى الى توصيلها، كمساهمة في بناء حضارة عربية انسانية... رسالة الفن العظيمة. كنت أحس ذلك منذ البداية. كان هذا هو الموجّه لتجربتي. والآن... أتشعرين بأنك أوصلت شيئاً من رسالتك؟ - أكيد، وليس أنا وحدي أشعر بذلك. الناس يشعرون به، لأن العمل الجيد الذي نقدمه يحمل رسالة ويقدم قيماً وأفكاراً وتاريخاً وإنساناً. يبدو أنك متفائلة جداً بدور هذا الفن التلفزيوني في لعب دور كبير في حياتنا، في حاضرنا ومستقبلنا" الى أي حد تراهنين على هذا الدور؟ - الفن يلعب دوراً كبيراً فعلاً. أنا أتذكر أنني حين كنت طفلة كنت أتعلم من المسلسلات أشياء كثيرة. أتأثر بقيم معينة. والتلفزيون الآن أهم وسيلة تعليمية وتثقيفية. أهم من الكتاب. الكتاب مهم، ولكن في هذا العصر المحكوم بالتكنولوجيا الخطيرة، صار التلفزيون هو الأهم لوجوده في كل بيت ولسهولة وصوله. فإذا استطعنا أن نقدم أعمالاً ممتعة وسلسة، ونحمّلها قيماً معينة، فسوف نصل، خصوصاً إذا كان الفنان صادقاً... لأن ما يخرج من القلب يصل الى القلوب. إذا استعرضنا الشخصيات التي لعبتها سوزان نجم الدين عبر مسيرتها الفنية، ما أهم هذه الشخصيات؟ - أقول لك بصدق ان كل شخصية لعبتها كانت مهمة، لأنني تفرغت لها وعشتها وأعطيتها من وقتي وجهدي، وكنت أعزل نفسي عن العالم حتى أستطيع تقديمها كما يجب. ولم أكن أقبل العمل في عملين معاً... كل عمل بالنسبة لي هو الأهم. ولكن، يمكن أن أقول ان هناك شخصية هي الأحب الى قلبي... وهي شخصية لبيبة الشقرق في "نهاية رجل شجاع". أحبها لأنها كانت الأقرب الى سوزان من الشخصيات الأخرى. لعبتها بصدق وعفوية، والدور ساعدني أن أعيش مساحات من التمثيل والأداء والرواية المختلفة لهذه الشخصية التي دخلت، بعمق، الى قلوب الناس. وما تزال، وستظل، تعيش في قلوبهم، لأن فيها قدراً هائلاً من الإنسانية، فيها حب وتضحية، والكثير من القيم التي نفتقدها في هذا الزمن. ولأنني أحب الحب، وأعشق، أتمنى لو أنني أظل أقدم الحب. الشهرة، والنجومية بالنسبة اليك، ماذا تعنيان؟ - أنا أعتقد أن كل إنسان يستطيع أن يكون نجماً في مجاله، أعني التميز في العمل مهما كان... طبيباً، رساماً. أي يجب أن تكون له بصمة خاصة، هوية خاصة لأعماله أو لكيانه، وحضوره، لعلاقته مع الحياة والناس والوجود. أما الشهرة فهي سلاح ذو حدّين. أنا أكره الشهرة وأحبها. أكرهها حين تكون سبباً في الغرور والبشاعة. أكرهها حين تقيدني، وأنا انسانة حرة جداً - حرية العقل طبعاً... لكني أحب الشهرة حين تكون جواز سفر الى العالم تدخل بها الى قلوب الناس وتجدهم دائماً وفي كل مكان. لا تحس بالغربة. في كل مكان ذهبتُ اليه كنت أجد من يعرفونني ويتابعون عملي. سوزان، هل تعملين بوحي نموذج فني معين، أم بعيداً عن النماذج تسعين الى أنموذجك الخاص، مثالك الأعلى؟ - الصحيح أنني تأثرت بكثيرين، لكني أحاول أن أصنع انموذجي الخاص. ربما لأنني هوائية، عاطفية جداً، انحاز الى الصدق بصرف النظر عن الشخص. لشهرة الفنان ثمن، وللفنانة الشهيرة في المجتمع العربي مشكلاتها، ماذا تقولين؟ - ليست لي مشكلة مع المجتمع، فأنا محترمة أينما ذهبت، وأجد الحب في عيون الناس دائماً، لم أتعرض لإساءات أبداً. أما علاقتي مع الوسط الفني فهي محدودة جداً، قائمة على الاحترام والزمالة. مع الممثلات، أليس هناك تنافس يمكن أن يسبب مشكلات؟ - أبداً، أنا لا أشعر بالمنافسة إلا مع نفسي، أتحدى ذاتي لتقديم الجديد وتطوير عملي وفتح الأبواب لطموحي من أجل الأفضل. ثمة مشكلة لي مع الصحافة، خصوصاً في البداية، لكن التجربة تعلّم الفنان أن يتخطى الحواجز الصغيرة والتفاهات. فأنا أضحك عندما تثور حولي اشاعة، وأحياناً تسعدني الإشاعات، إلا إذا كانت مسيئة. أكثر الإشاعات كانت، قبل الزواج، عن زواجي. وبعدها عن الطلاق. ماذا عن الدراما في سورية الآن؟ - الدراما السورية قديمة طبعاً، وقد مرت بمراحل وتجارب مهمة، بدءاً من تجربة دريد لحام ونهاد قلعي ومنى واصف وسواهم، ضمن ظروف صعبة... يجب أن نحترم هذه التجارب التي أسست لما توصّلنا اليه اليوم. هذا التراكم أخذناه نحن بسهولة، نحن نعمل في ظروف أسهل. والآن، الدراما السورية استطاعت أن تنجح في الوصول الى الناس، وتضع بصمة واضحة. هذا لا يكفي طبعاً... لا بد من الاستمرار في خط بياني صاعد. وهذا يتطلب جهوداً كبيراً، وثقافة عالية ووعي سياسي وفكري، والأهم هو التأني وعدم التسرع. إذا سألناك عن الدراما العربية، وتحديداً هل تحلمين بالعمل مع مخرج عربي محدد؟ - أنا أحب أن أشارك في عمل عربي مشترك. فنحن عرب وقضايانا واحدة. فإذا استطعنا انجاز عمل عربي سيكون له فعل وتأثير أكبر من أي عمل محلي. كيف ترين علاقتك بالجمهور؟ - طبعاً نحن نحتك يومياً بالجمهور. وأستطيع القول ان الناس لا يجاملون، فإذا كان في عملي سلبيات فإنني أسمعها مباشرة أو منقولة عبر المعارف. وحين أتألق فإنني أتلقي التهنئة، وأشعر بالحب في عيون الناس. وأشعر أن هذا الحب يفرض عليّ احترام عقول المشاهدين وتقديم كل ما ينمي وعيهم، ويرتقي بمستوى عطائي. وهذا يتطلب جهوداً جماعية. وعلينا أن نتعاون لتقديم ما يلائم العصر، وما يجعلنا مهيئين للدخول في القرن الحادي والعشرين، لأنه قرن خطير لا بد من الاستعداد له بمواكبة التكنولوجيا واستيعابها.