الهاتف النقال الذي كان يُصنف ضمن الكماليات في الامارات خلال السنوات الأولى من العقد الحالي أصبح في خانة الضروريات بل وفي مقدمتها في كثير من الأحيان، فبعدما كان مستخدم الهاتف المذكور يحتاج عدة أسابيع، أو أشهر، للحصول على رقم أو خط لهاتفه في مقابل دفع نحو ألف دولار، أصبح الحصول على الرقم فورياً عند تقديم الطلب الخاص به، في حين لم تعد تكلفة الخدمة تتجاوز 120 دولاراً. ولم يعد استخدام الهاتف النقال مقتصراً على شريحة معينة كالمسؤولين ورجال الأعمال إذ أصبحت كل شرائح المجتمع مستخدمة له، بما في ذلك الزوج والزوجة والأبناء خلال أقل من عشر سنوات، وأصبح المرء ينتظر نهاية كل شهر لاستلام فواتير الهواتف النقالة الخاصة بأسرته بدلاً من فاتورة واحدة كانت تخص هاتف منزله سابقاً. وربما ليس من المبالغة الاشارة الى أن فواتير الهاتف، وفي مقدمتها "النقال"، باتت تستحوذ على قرابة عشرة في المئة من رواتب عدد كبير من الأفراد خاصة شباب مواطني دولة الامارات، مع تزايد استخدامات الهاتف سواء للضرورة أو غير ذلك. ونموذج الامارات في استخدام الهاتف النقال ينطبق على العديد من دول المنطقة، اذ تشير الاحصاءات الى أن معدل نمو الطلب على الهاتف النقال في منطقة الخليج يتصدر المعدلات العالمية. تقدر الشركات العالمية ان معدل استخدام الهواتف الخليوية طبقاً لنظام "جي. اس. ام" في المنطقة يراوح بين خمسة وعشرة في المئة الى اجمالي عدد السكان في مقابل واحد في المئة المعدل العالمي، في حين تصل النسبة في الامارات الى نحو 20 في المئة وربما تجاوز العدد 400 ألف هاتف في نهاية العام الماضي علماً أن عدد سكان الامارات يزيد قليلاً عن مليوني نسمة. ويأتي التطور في استخدام الهواتف النقالة في الامارات متزامناً مع ثورة الاتصالات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط اذ يجري حالياً استثمار بلايين الدولارات في ادخال تكنولوجيا جديدة وتوسيع الشبكات القائمة وتحديثها من أجل مواصلة النمو في مختلف القطاعات الاقتصادية الأخرى. أهمية وأبرزت تطورات العام الماضي أهمية الاتصالات لاستمرار النمو والتطور الاقتصادي في المنطقة كمرفق متاح لخدمة قطاع التجارة والأعمال المزدهر إذ شهدت الأشهر الماضية توقيع دول المنطقة عقوداً مع الشركات المعنية قيمتها بلايين الدولارات لانشاء شبكات اتصالات ثابتة ومتحركة تعمل بنظام "جي اس ام". وقال أحد الخبراء الأجانب في هذه الصناعة ان الاتصالات المتحركة ستشهد تطوراً كبيراً من خلال نظام "جي اس ام"، إذ يبدو ان كل شخص في الشرق الأوسط يريد هاتفاً نقالاً ملاحظاً "ان الهاتف النقال هو أحدث رمز للمكانة الاجتماعية في المنطقة بعدما سجل الطلب عليه معدلات مذهلة". وعلى غرار الانخفاضات السعرية التي شهدتها أجهزة الكومبيوتر، عرفت أسعار الهواتف النقالة انخفاضاً قياسياً خلال السنوات القليلة الماضية، وكان انخفاضها متسارعاً إذ تجاوز معدله السنوي حاجز ال 50 في المئة خلال أقل من ستة أشهر من طرح أي جهاز جديد، في حين لم تعد أسعار الأجهزة التي تطرحها الشركات العالمية في هذا المجال كبيرة التفاوت. ويقول أحد العاملين في تجارة الأجهزة في دبي ان المنافسة في سوق الهواتف النقالة في الامارات والخليج عموماً تنصب في الدرجة الأولى على الميزات التي تتميز بها تلك الأجهزة، في حين ان عامل السعر أصبح متقارباً في العديد من الأجهزة التي تطرحها الشركات العالمية خاصة في الفترة الأخيرة التي شهدت انخفاضاً في الأسعار على المستوى العالمي مع تزايد استخدام الهواتف المتحركة. وتوقع ان تواصل الأسعار تراجعها هذا العام نتيجة تزايد الطلب عليها. منافسة ومن بين أبرز الشركات العالمية التي تتنافس لزيادة مبيعاتها في أسواق المنطقة "موتورولا" و"نوكيا" و"الكاتيل" و"اريكسون" و"فيليبس" و"سبرنت"، وافتتح معظم هذه الشركات مكاتب اقليمية في المنطقة، وتحديداً في دبي وباتت ترى فيها مركزاً تجارياً تعمل من خلاله على خدمة منطقة الخليج والشرق الأوسط. وتعكس قائمة الخدمات الجديدة التي تم ادخالها الى بعض دول المنطقة، مثل الامارات، القفزة النوعية التي تنتظرها المنطقة في مجال الاتصالات، والتي سترتقي بنوعية ومستوى الخدمات المقدمة للعملاء في المنطقة مع اقتراب القرن الواحد والعشرين الى المستويات المسجلة في الدول الغربية. ومن المتوقع ان تعمل دول المنطقة خلال العامين المقبلين على الانتقال من توفير الخدمات العادية الى الخدمات النوعية الجديدة بما فيها خدمة اظهار أرقام المتصل على شاشة تلفزيونية، وخدمة التعرف على رقم المتصل حتى في غياب صاحب الهاتف، وخدمة البطاقات المدفوعة مسبقاً التي تمكّن العميل من الاتصال من أي مكان بالعالم والاتصال من دول المنطقة الى أي مكان في العالم باستخدام أي تليفون عام أو خاص عن طريق الرقم السري الموجود في البطاقة لأن هذه الخدمة ترتكز على مفهوم "تحدث في أي مكان في العالم وسدد الفاتورة محلياً". وتشمل قائمة الخدمات المتوقع طرحها في منطقة الخليج خلال العام الجاري خدمة دفع الفاتورة أوتوماتيكياً، وهي مماثلة لنظام الصراف الآلي في البنوك إذ تتيح هذه الخدمة لمستخدميها تسديد فاتورة الهاتف من دون الحاجة الى الذهاب الى مقر مكاتب شركات الاتصال، وكذلك خدمة "الفاكس تحت الطلب" التي طبقتها الامارات وشهدت اقبالاً واسع النطاق من قبل قطاع الأعمال والأفراد على حد سواء، لأنها توفر درجة عالية من المرونة في الاتصال بمختلف قواعد البيانات المحلية والحصول على المعلومات منها. السوق الرمادية وأمام تزايد مبيعات الهواتف النقالة في الامارات والمنطقة بشكل عام برزت في سوق التجزئة ظاهرة ملفتة تتمثل في السوق الرمادية التي يُقصد بها المتاجر العديدة التي تبيع اجهزة هواتف نقالة تحمل أسماء عالمية بأسعار منخفضة على رغم انها ليست موزعاً معتمداً لتلك المنتجات. ويقدر مسؤول في احد الشركات العالمية الموردة للأجهزة ان يكون أكثر من 50 في المئة من مبيعات الهواتف النقالة في الامارات عبر السوق الرمادية، وقدر عدد الهواتف الاجمالية المباعة في تلك السوق بنحو 20 ألف هاتف سنوياً، معتبراً أن الشركات العالمية المصنعة للهواتف النقالة تعاني من السوق الرمادية الآخذة بالاتساع، سواء في الامارات أو منطقة الخليج بشكل عام وتؤثر في خدماتها وتضر بسمعتها وتكبدها خسائر مباشرة وغير مباشرة. ويقول أحد العاملين في السوق ان المشكلة التي تعاني منها الشركات العالمية الموردة للأجهزة ان هواتفها تباع في السوق المحلية قبل أن تطرحها للتداول محليا، وهي موديلات جديدة تستخدم في أسواق غير الامارات وتحتاج الى تجهيزات معينة وموافقات من "اتصالات" لتقوم بطرحها، معتبراً أن الاعباء التي تتحملها الشركات العالمية تكمن في عدم استيعاب مراكز الصيانة التابعة لها العدد الكبير من أجهزتها اذ تجهّز تلك المراكز في العادة بكادر بشري يتناسب والمبيعات الفعلية الرسمية الخاصة بها، وهو ما يفسر وجود فارق سعري بين الأجهزة المباعة عن طريق الوكلاء وتلك المباعة في السوق الرمادية يراوح بين 10 الى 15 في المئة. وتراوح أسعار اجهزة الهاتف النقال في الامارات بين 500 درهم 137 دولاراً و1500 درهم 412 دولاراً للأجهزة المتطورة الصغيرة التي لا يزيد وزنها على 100 غرام وحجمها قريب من بطاقة الهاتف المستخدمة في الأجهزة.