جاءت ردود الفعل التي رافقت المقابلات التي نشرتها صحيفة "الاتحادي الاشتراكي" مع المعارض الفقيه محمد البصري، خصوصاً لجهة ما اعتبره بعضهم اغفالاً لوقائع تاريخية تطاول فترة الكفاح من اجل الاستقلال، والصراعات التي عرفتها البلاد بين الفصائل السياسية في اواخر نهاية الخمسينات ومطلع الستينات، لتزيد حدة التفاعلات داخل التحالف بين حزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال داخل الحكومة التي تضم سبعة احزاب سياسية. ولاحظ مسؤول حزبي ان نشر هذه المقابلات مع الفقيه البصري لا يعني ان حزب الاتحاد الاشتراكي يتبنى كل افكاره وطروحاته، معيداً الى الاذهان خلافات برزت خلال التعاطف مع عودة البصري الى المغرب، كونه اقدم المعارضين الذي افاد من العفو الذي اصدره العاهل المغربي الملك الحسن الثاني في صيف 1994. وتسبب تعامل صحافة الاتحادي الاشتراكي وقتذاك مع عودة البصري في خلافات ادت الى تولي عبدالرحمن اليوسفي ادارة الجريدة الى الآن. واختزل قيادي في حزب الاستقلال الموقف من هذه المسألة بأن البصري افاد من اجواء الحرية التي ناضلت من اجلها احزاب المعارضة داخل البلاد، داعياً الى الحرص على الانصاف لدى رواية الوقائع التاريخية كي لا يتأثر التحالف بين حزبه و"الاشتراكي". لكن مصادر سياسية تعتبر ان مثل هذا التأثير قد يرتبط ايضاً بخلفيات تتعلق بحضور حزب الاستقلال في الحكومة وانفراد الاتحاد الاشتراكي بغالبية المناصب الاساسية، اضافة الى الابعاد السياسية التي ترتديها الاضرابات والاحتجاجات التي طاولت في غالبيتها قطاعات يديرها وزراء استقلاليون مثل الصحة والتجهيز والاعلام. ويقول قريبون من "الاستقلال" ان الامين العام عباس الفاسي انتقد في اجتماعات حزبية خاصة في الرباط بطء العمل الحكومي وسيطرة الاشتراكيين على آليات العمل الحكومي. لكنه رأى في تصريحات علنية ان الانتقاد الذي يوجهه الحزب للحكومة، على رغم انه مشارك فيها، له طبيعة ايجابية، كونه يفسح في المجال امام التنبيه الى النواقص. وبرر الفاسي في برنامج تلفزيوني مشاركة الاستقلال في الحكومة بضرورة الالتزام الجماعي في الكتلة الديموقراطية التي تجمع اربعة احزاب سياسية، هي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية والعمل الديموقراطي. وعلّق سياسي مخضرم على هذا التبرير بالقول انه "يضع الكتلة في مرتبة اعلى من الحكومة". وكان لافتاً في ضوء هذه التطورات ان رئيس الوزراء اليوسفي تساءل عن دلالات الانتقاد الموجه للحكومة حين يصدر من احزاب مشاركة فيها. لكنه عزا ذلك الى هيمنة ثقافة المعارضة، كون الاحزاب الرئيسية المشاركة في الحكومة تمرست طويلاً في العمل المعارض. على رغم التشديد الحكومي على الانسجام والتضامن، لا يخفى، بحسب الاوساط السياسية، وجود تململ في العلاقات بين الفاعليات المشاركة. وزاد في تعميق المخاوف من مواجهة الحكومة لمزيد من الضغوط، ان حركة الاضطرابات المتصاعدة تهدد فترة السلم الاجتماعية التي كانت قائمة تحت شعار "الوفاق الوطني" لمواجهة الاستحقاقات. وتنظر الاحزاب المشاركة في الحكومة الى هذه الاضرابات من منطلق القطاعات التي تتوجه نحوها. فقد اكد حزب الاستقلال لدى رصده اضراب قطاع الصحة ان ليس هناك ما يدعو الى تصعيد المواجهة خصوصاً ان الوزارة التي يتولى حقيبتها عباس الفاسي، نجل الزعيم التاريخي لحزب الاستقلال علال الفاسي اعلنت التزام الحوار مع المضربين، كما اكدت وزارة البريد استعدادها لمواصلة الحوار، بعد الاضراب الذي نفذته الكونفيديرالية الديموقراطية للعمل القريبة من حزب رئيس الوزراء في هذا القطاع. لكن ثمة تأكيدات تصدر من الحكومة مفادها اعتبار الاضراب ظاهرة صحية وايجابية. وقال مسؤول نقابي في الاتحاد المغربي للعمل: "اننا نريد حواراً حقيقياً يطاول تحسين اوضاع العمال وليس شعارات براقة". وفي غضون ذلك تواصل الحكومة حوارها مع المركزيات النقابية في شأن "مدونة العمل" التي تنظم العلاقات بين العمال وارباب العمل وممارسة الاضرابات. ويذهب مسؤولون حكوميون الى التقليل من مضاعفات الخلافات الناشئة بين الاستقلال والاشتراكي، وان كان الحديث عن امكان ادخال تعديل جزئي على الحكومة يعزز وضع الاستقلال تزايد اكثر في الفترة الاخيرة.