يعتبر وزير الخارجية الجزائري السابق الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي من الشخصيات المعروفة بثقلها السياسي محلياً ودولياً. وهو معروف، منذ ان أسس جريدة "المسلم الشاب" في 1952 في الجزائر إلى رئاسته الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين في 1955، إلى سجنه على ايدي الفرنسيين في 1957، كما عرف السجن بعد الاستقلال في عهد الرئيس السابق أحمد بن بلة. عايش الرجل مرحلة الرئيس الراحل هواري بومدين، وكان قريباً منه. كما اسندت اليه في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد حقيبة وزارة الخارجية فتعامل مع ملفات الحدود لكل من مالي والنيجر وموريتانيا والمغرب، إلى جانب تقلده لمسؤوليات أخرى كبيرة. وأثارت شخصيته كثيراً من اللغط، بسبب تعاطيه مع ملفات "الإسلاميين" والسلطة وجبهة التحرير الوطني. وبعد حوادث تشرين الأول اكتوبر 1988، انسحب الابراهيمي إلى بيته، لإعادة قراءة ما يجري في الساحة السياسية، كما أن هذا الانسحاب كان فرصة لاعادة ترتيب البيت، ليدخل هذه المرة من جديد إلى الساحة بقوة، بإعلان نيته دخول معركة انتخابات الرئاسة المسبقة المزمع عقدها في نيسان ابريل المقبل. لكنه سيدخل المعركة هذه المرة مع أوزان من الحجم الثقيل مثل عبدالعزيز بوتفليقة ومولود حمروش وحسين ايت أحمد. وفي ما يأتي دردشة مع الدكتور الإبراهيمي عن مجموعة من القضايا. وقد وعد الدكتور الابراهيمي بحوار مفصل في الأيام المقبلة "بحكم ان الوقت لم يحن بعد لكشف الأوراق". بخصوص والده، البشير الإبراهيمي، أحد مؤسسي جمعية العلماء المسلمين، أكد أن والده كان يرى في الأمير عبدالقادر الجزائري "هذا الرجل الاسطورة، شخصية تجمع بين خصال المفكر وخصال القائد ويجمع بين الأديب والصوفي المتمكن، إلى جانب أنه يعتبر واحداً من الداعين إلى توحيد الأمة، وتنطبق عليه مقولة أمير السيف والقلم، وبه توضحت صورة الشخصية الوطنية". وهل يأتي الجزء الخامس من آثار العلامة البشير الإبراهيمي، الذي صدر في لبنان أخيراً في إطار محاولة رد الاعتبار للجمعية وللشيخ، وإحقاقاً لشرعيتهم الثورية المهضومة، أكد "ان انجاز مثل هذا العمل الضخم هو للتاريخ أولاً، وثانياً هو لدفع الافتراءات والادعاءات التي تُحاك ضد رموز الوطنية، والهدف من وراء ذلك هو ان هؤلاء الذين يصطادون في الظلام يبحثون عن تقليص دور الإسلام في الثورة الجزائرية، وهذا ما يعمل له الماركسيون دائماً، هم لا يريدون ان تكون الثورة الجزائرية "متدينة"... ف "الإسلام لعب دوراً مميزاً أثناء كل المقاومات الثورية في الجزائر". وعن تقويمه لمسار الجزائر السياسي، أجاب: "لكل مرحلة من المراحل جوانبها الايجابية والسلبية، واعتقد أن من أنضج وأحسن المراحل هي مرحلة الراحل الرئيس هواري بومدين، ففيها شهدنا بناء الدولة، وتم فيها الكثير من الانجازات الصناعية والثقافية ولو على حساب التنمية الفلاحية، للأسف الشديد، وفيها تم تجسيد العدالة الاجتماعية بخلق طبقة متوسطة قوية، واعتقد ان الجزائر هي البلد العربي الوحيد الذي كان متوازناً في مستواه الاجتماعي فلا غنى فاحشاً ولا فقر مدقعاً، كما أن الجزائر في هذه المرحلة لعبت دوراً كبيراً في حركات تحرر العالم". ويضيف انه "بدخول سنة 1979 شهدنا المزيد من الاعتبار لممارسة الناس والسياسيين لحرياتهم الفردية... ومع ذلك أيضاً شهدنا جوانب سوداء مع بروز سياسة التكتل وتضخم الترف، وغياب العدالة، وبعبارة اخرى لم ندرك في هذه "العهدة"الفرق بين التفتح والانفتاح، فالاول نعني به الحوار النزيه والخصومة الشريفة وحرية التعبير، اما الانفتاح فنعني به الفوضى والصراعات. هنا طغت "الحريات" على حساب العدالة الاجتماعية وبدأت الطبقة المتوسطة تضعف وتتعرض للعدّ العكسي وللانهيار ... وأقول هذا من باب النقد الذاتي لأنني كنت في الحكومة في تلك الحقبة". وعن ردّه على استفسار يقول بأن الازمة تسبّب فيها تيار الاقلية الاستئصالي، قال: "الجزائر عرفت ربع قرن من الاستقرار والامن، والازمة في الجزائر متعددة الجوانب منها الامني والاقتصادي والثقافي، لكن تبقى الازمة السياسية في المنطلق وحلّها هو الذي يساعد على حلّ الجوانب الاخرى". وبخصوص تراجع رصيد جبهة التحرير الوطني كعنصر مهم في المعادلة، ومحاولة البعض "خصخصة" الحزب، قال: "يجب ان لا ننسى انه في كل المسار الجزائري لعبت ولا تزال تلعب بعض القوى الظلامية دور المحطّم للتيار الوطني والتيار الاسلامي، ويحاولون خلق قوة ثالثة بلا لون، مجردة من ابعاد الهوية الوطنية، ففيه غياب ما يسمى بالمبادئ، فهذه القوى تراهن على ادارة الازمة باللاّخلق.. فطبيعة ازمتنا "خُلقية"، تكمن في ابتعاد المسؤولين عن المبادئ التي قامت عليها الثورة الجزائرية في البداية، ووجود هوّة بين الخطاب والسلوك. بقايا جبهة التحرير الوطني مطالبون اليوم باعادة اللحمة الى الجزائر، ومقياس الرموز هو الابقاء على "وما بدّلوا تبديلا".. وبدون ذلك فاستراتيجية اضعاف جبهة التحرير الوطني مستمرة، والتقسيمات بين الشيوخ والشباب وبين الاصلاحيين والمحافظين هي تقسيمات مزيفة لا تخدم الوحدة في جبهة التحرير". ويقول عن الاسباب التي دفعته الى الترشح للرئاسة: "عندما انسحبت بعد احداث تشرين الاول اكتوبر 1988 اخذت عهداً على نفسي ان لا اعود الى السياسة وكان ذلك بإجماع كل عائلتي والمقرّبين. عودتي لم تكن سهلة، ربما الوضعية الخطيرة التي آلت اليها الازمة هي التي دفعتني للعودة، والعنصر الثاني هو ردود فعل المواطنين بعد استقالة الرئيس زروال، حيث ان مكالمات هاتفية كثيرة كانت تدعوني للرجوع الى الساحة، خصوصاً من قاعدة جبهة التحرير الوطني، والعنصر الثالث هو تصريحات اصحاب القرار بأن الانتخابات ستكون حيادية وشفافة، وهذا ما نتمناه، لاننا نريد ان يكون الجيش الوطني الشعبي مؤسسة منسجمة وقوية وان يكون حيادياً، ففيه يجب ان يشعر كل جزائري بأنه جزء منه… فالجيش كجزء حيوي من جسد الامة الجزائرية يجب ان يبقى فوق الخلافات الحزبية، ملتزماً صلاحياته الدستورية". وعن ظاهرة غلبة المترشحين المستقلين كمولود حمروش وسيد أحمد غزالي وعبدالعزيز بوتفليقة وهو، اجاب: "ان سبب دخول المترشحين المستقلين للانتخابات الرئاسية المسبقة بكثرة وغياب مترشحي الاحزاب هو ان الاحزاب عندنا هي في بداية الطريق ولم تنضج بعد باستثناء جبهة القوى الاشتراكية التي يقودها آيت احمد، واعتقد ان الانهيار وقع في عمق هيكلة هذه الاحزاب لزوال الثقة بين القمة والقاعدة، فالقمة فشلت الآن في تحريك القاعدة، وعنصر الاتصال مفقود…. فأصبح الآن يوجد ما يُسمى ب "الاجهزة" اكثر منها احزاباً. فالأحزاب التي تدير ظهرها للقاعدة وتدقّ ابواب اصحاب القرار طلباً ل "صدقة" ليست احزاباً". وقال احمد طالب الابراهيمي انه لو اصبح رئيساً فإن مهمته "ستبدأ بمعالجة الملفات الاستعجالية بدءاً بانهاء النزيف، حيث يشغل هذا الملف جزءاً كبيراً من برنامجي، لان الشعب الجزائري يتطلع بشيء من الامل الى عودة الاستقرار الى الجزائر وانهاء المظالم وجعل الجزائريين كلهم سواسية...".