ربما كانت المعركة الانتخابية الاسرائيلية تدور في واشنطن وتحسم فيها، ليس ذلك بسبب العلاقات الاستثنائية بين البلدين. ولا علاقة للأمر بأن المسؤولين الاميركيين يتعمدون عدم مقابلة نظرائهم الاسرائيليين هذه الأيام. ولن يدخل في الحساب تجنب مادلين أولبرايت المرور في تل ابيب بعد اسبوعين. كلا. المعركة تدور في الولاياتالمتحدة بين آرثر فنكلشتاين وجيمس كارفيل. ألقى حادث سرقة التسجيلات من مكتب ستانلي غرينبرغ الضوء على هذه الحقيقة فالرجل، ومعه روبرت شروم، يعملان مع كارفيل. وهذا الأخير هو الذي اختاره زعيم حزب "العمل" ايهود باراك لإدارة حملته الانتخابية. كان من الطبيعي ان ترتفع أصوات توجه تهمة "ووترغيت" هذه الى "ليكود". فبنيامين نتانياهو اختار ان يتلقى نصائح الخبير الاميركي فنكلشتاين المعروف في الوسط الاعلامي والسياسي بأنه يستحق، عن جدارة، لقب "رجل الظلام". وصل هؤلاء الخبراء الى اسرائيل منذ افتتاح الحملة، مكثوا فيها بعض الوقت. قدموا نصائحهم الى المعنيين ثم غادروا من أجل تنظيم "الدعاية". وبدا واضحاً ان كلاً من نتانياهو وباراك يستمع الى "ملهمه" أكثر بكثير مما يصيغ السمع لأقطاب حزبه. طالب كارفيل باراك بتجاهل أمنون شاحاك تماماً تاركاً للزمن ان يطحن ترشيحه. واعتبر ان من واجب الزعيم العمالي ألا يترك مناسبة من دون ان يرد على هجوم نتانياهو بهجوم أشد وأكثر عنفاً. وهذا ما حصل فعلاً. ولما لاحظ المراقبون ان باراك تعمد التركيز على الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في اسرائيل، أدركوا ان كارفيل يلعب دوراً حاسماً. انه هو الذي وضع الشعار الشهير الذي جعل بيل كلينتون يهزم جورج بوش في 92: "انه الاقتصاد يا غبي"! غير ان الأيام دارت على كارفيل لاحقاً الى ان تبين انه كان يخاطب الرئيس من الفندق متعمداً ان تستمع الى المحادثة امرأة دفع لها أموالاً كي تكون معه في الفراش. وإذا كانت أخلاق كارفيل تشكو من عيوب، فإنه يبقى طاهراً أمام "خصمه" فنكلشتاين. فهذا الأخير جمهوري متعصب، ولكنه كسب رضا نتانياهو عندما قاده الى النجاح في 96. ولقد التقت "جمهوريته" مع مواقف رئيس الوزراء الاسرائيلي اليمينية، ولذا فإنه هو الذي حدد سلوك الحكومة حيال اضرابات "الهستدروت". لقد دعا الى ترك الأمور تتعفن واقترح اتباع سياسة "ثاتشرية". لم يوفق في اقتراحه خصوصاً ان السحر الذي يمارسه آخذ بالتراجع. لقد لعب دوراً في إلحاق الهزيمة بالجمهوريين في الانتخابات النصفية الأخيرة عندما شجعهم على التركيز على "قضية لوينسكي" ضد كلينتون. حاول التهويل أمام الناخب الاميركي بأن الديموقراطيين "يحبون" رفع الضرائب فلم يستمع اليه الناخبون. ومع انه "ليكودي" الهدى فقد لجأ الى دعايات لاسامية من أجل محاربة مرشحين ديموقراطيين يهوديين: جيل دوكينغ وماكس هيللر، لمصلحة خصميهما الجمهوريين سام براونباك وكارول كامبل. ولم يتورع، في هذا السياق، عن التلميح الى ان "جماعة حزب الرئيس كلينتون" اسخياء في دعمهم الاقتصادي لدولة اجنبية... اسرائيل. لا يمنعه ذلك، طبعاً، من تأييد غلاة المتطرفين في الدولة العبرية، فهو الذي سيتولى، بناء على طلب من أرييه درعي، تنظيم حملة "شاس" الداعية الى انتخاب نتانياهو رئيساً للحكومة، وهو الذي وضع اللمسات الأخيرة على شعارات "ليكود" الانتخابية، وهو الذي نصح نتانياهو بپ"الضرب تحت الحزام" في هجومه على باراك. اذا كان دور المستشارين الاعلاميين في الحملة الانتخابية الاسرائيلية يتعاظم كجزء من ميل عالمي لإحلال الصورة محل المضمون والبرامج، فإن الإقدام على سرقة "ملف باراك" من مكتب غرينبرغ يدل، ربما، الى ان المحظورات كلها يمكن ان تقع.