دخل اليوم الأول من كانون الثاني يناير 1999 سجلات تاريخ الاتحاد الأوروبي والنظام النقدي العالمي وذلك مع انتهاء عملية العد العكسي إيذاناً بطرح العملة الموحدة، اليورو، التي أصبحت منذ فجر اليوم الجمعة، حقيقة اقتصادية - نقدية ورمزاً للتقدم الذي أحرزته مسيرة الاندماج الأوروبي. وسيعمل الوسطاء والفنيون بدوام كامل في المصارف نهاية الاسبوع الجاري، على غير العادة المتبعة في احتفالات رأس السنة الميلادية، ليتواصل دوامهم في اليومين المقبلين من أجل تفادي أي عطب الكتروني قد يطرأ في الساعات واللحظات التي ستسبق عمليات بدء التداول بالعملة الجديدة في أسواق المال والمصارف فجر الاثنين المقبل. ومن المقرر أن تبادر المؤسسات التصديرية الأوروبية الى الأسواق الخارجية ومنها العربية الى تحديد قيمة فواتيرها باليورو الى جانب العملات الوطنية، خلال مرحلة انتقالية تمتد من 1999 حتى منتصف سنة 2002، وكذلك الشأن بالنسبة للقروض التي تمنحها بلدان عملة اليورو الى شركائها غير الأوروبيين. ومعلوم ان غالبية التجارة الخارجية العربية تتم مع السوق الأوروبية. وقال المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية والمالية ايف تيبو دو سيلغي ان اليورو "توفر أول فرصة حقيقية لتعزيز استقرار النظام النقدي العالمي وذلك منذ انهيار نظام بريتون وودز عام 1991". وأقر وزاء المال الأوروبيون في اجتماع احتفالي أمس الخميس في بروكسيل الأسعار النهائية لصرف عملات الدول الأوروبية ال 11 المنضمة الى الوحدة النقدية من أصل 15 دولة مقابل اليورو التي حلت محل وحدة النقد الأوروبية ايكو. وسيتم تحويل اليورو الى 1.95583 مارك ألماني والى 6.55957 فرنك فرنسي و166.386 بيزيتا اسبانية. وتضم المنطقة النقدية الجديدة عملات كل من فرنسا والمانيا وايطاليا واسبانيا وايرلندا والبرتغال والنمسا وفنلندا ولوكسمبورغ وهولندا وبلجيكا ويستثنى منها الجنيه الاسترليني البريطاني والكورون الدنماركي والكورون السويدي والدراخما اليونانية بسبب معارضة الدول الأولى الثلاث للمشروع النقدي وسوء الأداء الاقتصادي بالنسبة لليونان. واستقطب الحدث التاريخي ممثلي كافة وسائل الاعلام الدولية، وتوافد على بروكسيل، مقر المؤسسات الأوروبية، مندوبو 60 شبكة تلفزيون من آسيا والولايات المتحدة ومختلف الدول الأوروبية لنقل وقائع تحديد سعر العملة الجديدة مقابل العملات الأوروبية والأجنبية والتوقعات في شأن قيمتها المنتظرة في الأسواق بالنسبة للدولار الأميركي والين الياباني. ويرى خبراء الشؤون النقدية في بروكسيل ان قوة العملة الأوروبية تكمن في "ثبات استقرار قيمتها، ما يساعد على استقرار النظام النقدي العالمي ويوفر عملة احتياط جديدة على حساب الدولار الأميركي". وتغيب عن الاجتماع الوزاري أمس وزير المال الألماني أوسكار لافونتين الذي "فضل مواصلة اجازته" على حد قول زملائه. لكن المراقبين رأوا في تغيبه اشارة الى تفهمه معارضة بعض أوساط الرأي العام الألماني للعملة الجديدة. كما تغيب عن الاجتماع وزير الخزانة البريطاني غوردون براون لأن الجنيه ليس عضواً في العملة الجديدة. وسيبدأ التداول الافتراضي لليورو في أسواق المال والمصارف صباح الاثنين، وستكون العملة الجديدة في متناول المؤسسات الاقتصادية لتسيير تعاملاتها المصرفية والحسابية. وأعدت المصارف من جهتها مجموعة من الخدمات والتسهيلات لفائدة الأفراد الذين يرغبون فتح حساباتهم المصرفية وتسديد فواتير نفقاتهم بالعملة الجديدة. وقال مسؤول العملة الموحدة، مفوض الشؤون المالية والاقتصادية، ايف تيبو دو سيلغي، انه طلب تحويل حسابه المصرفي بشكل نهائي الى اليورو. وتعتقد المصادر الرسمية ان استخدام اليورو داخل الاتحاد سيوفر على المؤسسات الأوروبية ما قيمته 70 بليون دولار كانت تنفقها لتغطية كلفة تحويل معاملاتها المصرفية. ويبدو أن قطاع الصيرفة سيتضرر بشكل تدريجي جراء تعميم استخدام العملة الموحدة. ويتوقع النشطون في تحويل العملات بأن يفقد القطاع في السنوات القليلة المقبلة 30 في المئة من قيمة دخله. وسيتركز النشاط على صرف العملات الكبيرة الدولار والين واليورو وعملات الدول الأخرى الآسيوية والنفطية. وسيتواصل التداول بالعملات الوطنية لكل من الدول ال 11 بين مطلع 1999 وبداية سنة 2002، موعد بدء استخدام أوراق ونقود اليورو، على أن يتم تعميمها وسحب كافة العملات الوطنية مطلع تموز يوليو 2002