تبحث المفوضية الأوروبية صباح غد الأربعاء الوضع الاقتصادي ومدى انسجام اقتصادات الدول الأعضاء واستجابة كل منها لمعايير الاتحاد النقدي. وينتظر أن تُحدد، في نهاية الاجتماع، قائمة الدول التي ستنضم الى العملة الواحدة "يورو" مطلع 1999. وتدل المؤشرات الى أن التوصية التي سترفع الى القادة الأوروبيين ستشمل 11 دولة من أصل 15 أعضاء في الاتحاد، وتستند المفوضية في تحليلها للموقف الى الاحصاءات الرسمية التي قدمتها كل من الدول الأعضاء والى آراء مؤسسة النقد الأوروبية في شأن الوضع المالي والأداء الاقتصادي لدول الاتحاد العام الماضي وتكهنات النمو السنة الجارية. ويُنتظر أن تستثنى من عضوية العملة الموحدة كل من بريطانيا، لأنها كانت رفضت التقيد بهدف العملة الموحدة منذ إقراره في اجتماعات القمة في ماستريخت في كانون الأول ديسمبر 1991، والدنمارك لأنها صوتت في استفتاء سابق ضد الانضمام الى "يورو" وآليات السياسة الخارجية والأمن المشترك، والسويد لأسباب سياسية داخلية واليونان بسبب ضعف أدائها الاقتصادي وعدم استجابتها لشروط الاتحاد النقدي. شروط الانسجام النقدي وتقتضي الشروط التي فرضتها معاهدة ماستريخت بخفض عجز الموازنة العامة دون 3 في المئة من اجمالي الناتج المحلي والمديونية الى 60 في المئة والضغط على معدلات التضخم واستقرار معدلات الصرف وانخفاض أسعار الفائدة خلال فترة طويلة وبشكل منتظم. ويشترط في كل من دول "يورو" الانضمام الى عضوية النظام النقدي الأوروبي لمدة عامين على الأقل. وكانت أسواق المال الأوروبية تعرضت لزوابع نقدية بين 1993 و1995 دفعت في حينه كلا من بريطانيا واسبانيا وايطاليا واليونان الى الخروج من آلية الصرف الأوروبية وتعويم عملاتها، أي تحريرها من قيود معدلات الصرف المحددة داخل سلة العملات الأوروبية. وباستثناء الجنيه الاسترليني استعادت العملات الضعيفة مكانها في النظام النقدي بعد فترة "نقاهة" جددت خلالها ثقة الأسواق المالية في استقرارها. ونتيجة لسياسات التقشف التي تنتهجها الدول الأعضاء منذ مطلع التسعينات وخفضها حجم الانفاق العام خصوصاً في مجالات الحماية والائتمانات الاجتماعية لا تتجاوز مستويات عجز الموازنات لدى غالبية الدول الأعضاء معدل 3 في المئة، الشرط الرئيسي للانضمام العملة الموحدة المرتقبة مطلع 1999. وسمحت عودة النمو الاقتصادي في السوق الأوروبية لحكومات دول الاتحاد بتحسين أوضاع موازناتها. ويستحيل حل مشاكل الديون العامة في فترة قصيرة، وحددت المرجعية القانونية التي تضمنتها معاهدة ماستريخت مستوى 60 في المئة من اجمالي الناتج المحلي وأكدت أيضاً على أهمية خفض الديون بشكل منتظم، الأمر الذي يساعد كلا من بلجيكاوايطاليا الأكثر ديناً على الانضمام الى "يورو". وتقدر ديون الحكومة البلجيكية بنحو 118 في المئة من اجمالي الناتج المحلي وتصل النسبة في ايطاليا الى 112 في المئة. ولجأ البنك المركزي في كل من البلدين الى بيع كمية من احتياط الذهب لخفض الديون، وقال وزير المال البلجيكي فيليب مايشتات ان بلاده تُحكم اتجاه خفض الديون وهي بالتالي تستجيب لمتطلبات معاهدة ماستريخت. وتقارب غالبية الدول الأخرى معدل الستين في المئة بالاضافة الى استقرار أسعار الفائدة منذ أعوام وضعف معدلات التضخم التي لا تفوق 2 في المئة في الاتحاد ككل. 11 عضواً في "يورو" واستناداً الى ذلك ينتظر أن تنتهي المفوضية الأوروبية في اجتماعها الاسبوعي غداً الأربعاء الى اقتراح رسمي، يرفع الى القمة الأوروبية، بانضمام 11 دولة الى العملة الموحدة وهذه البلدان هي: المانياوفرنساوايطاليا ولوكسمبورغ وبلجيكا وهولندا والبرتغال واسبانيا، والنمسا وفنلندا وايرلندا. وستعقد القمة الأوروبية اجتماعاً استثنائياً في الثالث من أيار مايو المقبل في بروكسيل لتأكيد الاقتراح الرسمي الذي تعده المفوضية هذا الاسبوع والموافقة على "النظام النقدي الجديد" الذي سينظم العلاقة بين منطقة "يورو" والعملات الأوروبية الأخرى خارجها. ومن المقرر أن يتم، غداة القمة المقبلة، تثبيت قيمة كل من العملات الأوروبية التي ستنضم الى "يورو" ومعدلات صرف العملات الأوروبية الأخرى. وتواصل الدول الأعضاء البحث عن حل وسط لاختيار محافظ البنك المركزي الأوروبي من بين المرشحين الهولندي ذي الميول الجرمانية رئيس مؤسسة النقد الأوروبية ويم ديزبرغ والفرنسي محافظ البنك المركزي جان كلود تريشي. ويحظى الأول بدعم المانيا ويُنسب إليه الانضباط النقدي على طريقة محافظ البنك المركزي الألماني هانز تيتمايز الذي مثل طوال الأعوام الماضية رمز استقلال "البوندسبنك" عن الحكومة الفيدرالية. وتتمنى فرنسا فوز مرشحها حتى يبدد الانطباع السائد في صفوف بعض الأوساط الأوروبية بأن البنك المركزي الأوروبي مقره في فرانكفورت سيكون تحت تأثير السياسة النقدية الألمانية، فيما يفضل الألمان المرشح الهولندي لتأكيد استقلال البنك المركزي وتبديد شكوك الرأي العام ومعارضة بعض القطاعات المحافظة التي لا تقبل "التفريط" بالمارك، رمز القوة الاقتصادية الألمانية في الأعوام الأخيرة. وسيتم اصدار العملة الموحدة مطلع 1999 وسيتم تداولها في مرحلة أولى في أسواق المال والمصارف وتكون عملة اقتراض الحكومات والمؤسسات الصناعية واصدار السندات وسداد رواتب الموظفين الأوروبيين. وستسحب العملات الوطنية للدول الأعضاء في مطلع السنة 2002 ويحل محلها التداول ب "يورو" في تعاملات المؤسسات والإدارات والأفراد. العواقب المحتملة على الدول المجاورة ويعتقد مفوض الشؤون المالية والنقدية دي سيلفي ان "يورو" أكمل وحدة السوق الداخلية وستكون مستقرة مقارنة مع تذبذب قيمة الين الياباني خصوصاً الدولار الأميركي. وستكون "يورو" بعد اصدارها السنة المقبلة جزءاً من النظام النقدي الدولي وقد يساعد صدورها على الاستقرار النقدي وانخفاض أسعار الفائدة. ويرى خبراء المفوضية بأن تأثير العملة الأوروبية سيكون آلياً على اقتصادات الدول المجاورة التي تربطها مع السوق الأوروبية علاقات تجارية وثيقة مثل دول وسط أوروبا ودول الضفة الجنوبية لحوض البحر الأبيض. وتستوعب السوق الأوروبية نحو 70 في المئة من التجارة الخارجية لكل من دول المغرب والمشرق العربيين واسرائيل وتركيا. وستشهد هذه الدول تغيراً في تسعير فواتير المبادلات مع السوق الأوروبية وكذلك الديون التي تعاقدتها بالعملات الأوروبية الوطنية. وبالنسبة للدول المصدرة للنفط، قال وزير المال البلجيكي فيليب مايشتات ان "يورو" ستمثل عملة احتياط، الى جانب الدولار الأميركي، للدول المصدرة للنفط. وإذا قبلت بتسعير جزء من الصادرات النفطية بالعملة الأوروبية فانها "ستتقي العواقب السلبية لتغير قيمة الدولار" وتأثيراتها أحياناً على اقتصادات الدول المصدرة للنفط. وعادة ما يؤدي انخفاض قيمة الدولار الى تقليص عائدات الدول المصدرة للنفط وبالتالي الى ارباك موازناتها من دون أن تستطيع التدخل لوقف انهياره مثلما حدث في الأعوام الماضية.