هيربرت فون كارايان كان، بحسب "التايمز"، آخر أباطرة الموسيقى الكلاسيكية، امتدت امبراطوريته ما بين اوبرا الدولة في فيينا، وسالزبورغ فيستيفال، وفيلهارمونيك برلين التي عُين، في 1955، مديراً لها "مدى الحياة". وحين توفي، في 1989، رحل الموسيقار النمسوي عن ثروة طائلة، وعن سجال طائل، هو الآخر، يتصل بسيرته وصيته. كتاب ريتشارد أوسبورن "هيربرت فون كارايان - حياة في الموسيقى" دار شاتّو أعاد تسليط الأضواء على تركة الموسيقار التي حيّرت وقسمت معاصريه في الموقف منه، انساناً وفناناً. فكارايان مارس "سلطة سحر غير عادية" على الملايين من محبّي الموسيقى في العالم. لكن ماضيه ظل يشوب علاقته بجمهوره الكبير، وتحديداً: تعاونه مع النازية، وانضمامه الى "الحزب القومي الاجتماعي". هذا الموقف المجافي لمواقف الاغلبية الساحقة من كبار الموسيقيين، شكّل المادة الأكثر سجالية في كتاب أوسبورن وغيره من الأعمال التي تناولت كارايان، بما في ذلك أقواله التبريرية هو نفسه. فحين حوكم، في 1946، على نازيته، قال: "في مدينة أولم، كان الضغط قد مورس علي لكي انضم الى الحزب، وفي مدينة آخن، لم يعد في مقدوري رفض هذا الطلب. لقد قُبلت من دون فترة انتظار، في حدود ما اذكر". وطوال سنوات ما بعد الحرب ظل يصر على ان انضمامه، في 1935، كان بغرض الحصول على منصب مدير موسيقي في آخن، غير ان وثيقة ظهرت لاحقا قطعت بانضمامه في 1933، اي سنة وصول النازيين الى السلطة. ومع انه استهل بعض حفلاته في فرنساالمحتلة بالنشيد النازي، واظب على الزعم انه لم يكن معجبا بهتلر، ولا كان هتلر معجبا به. فهو لم يُسلَم المديرية الموسيقية في دريسدن لأن الفوهرر اعتبره "غير تمثيلي" للموسيقى الألمانية زوجته كانت ربع يهودية. على أن ملحق اوسبورن الذي عقّب فيه على العضوية والمحاكمة، يقطع بأن الرجل إن لم يكن انضم في 1933، الا أنه كان بالتأكيد راغباً في ذلك، أو قريباً منه. والا فلماذا كرّمه الحزبيون ببطاقة في العام المذكور؟ وهذا لا يدل، في الواقع، الى مدى نازيته، بل الى مدى انتهازيته التي تجد تتمتها في موقفه من المال والحصول عليه بأي ثمن كان.