سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
بعد أقل من 10 سنوات على اعتقالها في سجن الخيام لمحاولتها اغتيال قائد "الجنوبي" في مرجعيون . لبنان : سهى بشارة تستعيد حريتها "لمواصلة النضال" . لحد يطلقها "إنسانياً" وباريس تمنحها حق الإقامة
"كانت الثامنة والنصف صباحاً وكنت في الزنزانة مع "الوالدة" الاسيرة فاطمة عبدالنبي من عيتا الشعب، حين دخل علينا المسؤول الامني لإبلاغي بنقلي الى السجن الانفرادي. وكنا نعلم نحن اسرى معتقل الخيام ان الانتقال الى هذا السجن يعني الافراج. فلملمت اغراضي على عجل، وهي عبارة عن اشغال يدوية صنعتها خلال مدة اعتقالي، وبقيت في السجن الانفرادي نصف ساعة نقلت بعدها الى مكتب مسؤول المعتقل "أبو نبيل" وكان حاضراً مسؤول الامن فيه وتم نقلي الى ثكنة جديدة مرجعيون، وسلّمت الى مندوبي اللجنة الدولية للصليب الاحمر بعدما استرجعت الامانات وهي عبارة عن حقيبة فارغة هي كل ما لدي عندهم". في العاشرة والنصف انطلقت سيارة اللجنة الدولية للصليب الاحمر وفي داخلها الاسيرة المحررة سهى بشارة ابنة بلدة دير ميماس الجنوبية التي حاولت في 7 تشرين الثاني نوفمبر 1988 اغتيال قائد "جيش لبنان الجنوبي" الموالي لإسرائيل أنطوان لحد في منزله في مرجعيون، والى جانبها مندوبة اللجنة بربارة هنترمان ومندوب آخر، عابرة الشريط الحدودي المحتل الى بيروت، عبر معبر باتر - جزين. نبأ الافراج عن سهى انتشر عبر وسائل الاعلام بعد العاشرة صباحاً. وأرفق بدعوة الى الراغبين في استقبالها للتوجه الى السرايا الكبيرة لانتظارها، لكن خبر الافراج لم يصل الى والدة سهى الا في الحادية عشرة والنصف، فبادرت بإبلاغ زوجها بالنبأ. وتقول والدتها "كنت في المطبخ اغسل بعض الاطباق حين رن جرس الهاتف وكانت احدى قريباتي على الطرف الآخر تصرخ وتقول: مبروك، وحين سألتها عن السبب، قالت: أطلقوا سهى. ولم اصدق بل تلقيت النبأ ببرودة كاملة، فقد انتظرت 10 سنوات ولن يغمرني الفرح الا برؤيتها". لكن مشاعر الفرح سبقت وصول سهى الى بيروت. كانت احدى الاذاعات "علّقت برامجها لتبث الاغاني الوطنية، وتقطعها اتصالات المستمعين الكثيفة ومن مختلف المناطق. بعضهم كان يجهش بالبكاء وهو يبارك اطلاق سهى. والبعض الآخر يتمنى ان يطاول الافراج باقي المعتقلين. وأمام مبنى السرايا الكبيرة كان العشرات من الشبان والشابات سارعوا الى التجمع رافعين الرايات الشيوعية ولافتات كتبت على عجل تهنئ الاسيرة بالحرية. واتخذ حراس السرايا اجراءات امنية مشددة في محيطها في انتظار وصول موكب المحررة سهى. وفي الداخل اكتظت القاعات المخصصة للصحافيين بهم. مراسلون محليون وأجانب وكاميرات ومصورون وحال انتظار تشبه الصلاة. وكان سارع الى السرايا قياديو الحزب الشيوعي اللبناني الذي تنتمي اليه سهى: الامين العام فاروق دحروج وسلفه جورج حاوي وعضوا المكتب السياسي كريم مروة وجورج بطل ووالدا سهى وعدد من افراد عائلتها. وكان بين المنتظرين وزير العمل أسعد حردان الذي نقل والدي سهى بسيارته الى السرايا كونه نائباً عن مرجعيون، والنائبة بهية الحريري ونقيبا الصحافة محمد البعلبكي والمحررين ملحم كرم. وكانت والدتها حين يحادثها الموجودون تقول "حين رأيتها في المعتقل قلت لها ان صورتها في الخارج كبيرة وضخمة ولكن حين سيرونها سيكتشفون كم انها بريئة كالاطفال". مدة الانتظار قطعها مؤتمر صحافي لدحروج شكر فيه كل من اسهم في الضغط على اسرئيل للافراج عن بشارة وأعلن ان جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية "ستستأنف اعمالها بعد توقف قسري بهدف انجاز التحرير". وأكد ان الحزب لم يتبلغ نبأ الافراج عنها الا صباح امس. وأشار الى ان "ذلك تم بعد الضغط الذي مارسته جهات محلية ودولية عدة". وسئل عما تردد ان اتفاقاً يقضي بأن تقيم بشارة في فرنسا كجزء من تسوية الافراج عنها، اجاب انه سمع بكلام من هذا النوع. وأكد انه في حال صحته سيعمل على تعديله. وكانت دردشة للصحافة مع فوزي حنا بشارة والد سهى، فشكر المحامية الفرنسية التي تابعت قضية سهى والرئيس الفرنسي جاك شيراك والسيدة دانيال ميتران. وقال انه لم يكن لديه علم بخبر الافراج، وكان ذهب صباحاً الى عمله كالمعتاد. لكن زوجته اتصلت به هاتفياً وأعلمته بالخبر. وأكد ان فرحته لن تتم قبل الافراج عن باقي المعتقلين. وبعد لحظات، وصلت سيارة الصليب الاحمر الى الباحة الداخلية للسرايا، ترجلت سهى 30 عاماً منها وهي تبتسم رافعة يديها وراسمة علامة النصر. بدت شاحبة اللون على رغم الحيوية التي تكمن في داخلها. نحيلة الجسم وبدا ذلك واضحاً من سروال الجينز الذي كانت ترتديه وقد استعانت بحبل من الخيوط القطينة لشده الى خصرها. لم تتغير ملامحها التي حفظناها من صور كانت تعلق لها على الجدران جُلّ ما تغير شعرها الذي طال فجدلته وعقدت في نهايته شريطاً اسود. وثمة ظلال سود تحت عينيها وقد تقوّس ظهرها قليلاً. سارعت سهى الى احتضان والدها الذي تقدم نحوها وحين حاول اخراج راية للحزب الشيوعي من جيبه لوضعها على كتفي ابنته، تقدم منه مسؤول الحرس في السرايا طالباً منه اعادتها الى مكانها. وكانت مشاعر الصحافيين اختلطت بين متابعة الحدث لحظة بلحظة والتصفيق لسهى والهتاف لحريتها وتهنئتها وتقبيلها. الانتقال الى الطبقة الثانية كان سريعاً والكل زحف الى باب المصعد وحين اطلت برأسها علا الصراخ مجدداً، خصوصاً من ابن عمها الذي صدح صوته في السرايا وهو يلفظ اسمها ويحاول ان يحملها. وانهمرت دموع الفرح وكلمات "مبروك" كانت ترد عليها بكلمة: "مرسي" شكراً. عانقت والدتها وقبّلتها وحين شاهدت جورج حاوي الذي كان اميناً عاماً للحزب الشيوعي حين اعتقلت سارعت الى رفع يدها وقابلها هو بالمثل وتشابك الكفان. وعلا صوت حاوي: "أهلاً بالبطلة" وحملها وخاطب والدتها: "عيد يا أم عدنان". وحين تقدم دحروج لاستقبالها خاطبها حاوي: "أقدم اليك الامين العام للحزب". وأدخلت سهى والعائلة ومسؤولو الحزب الشيوعي والرسميون الى قاعة الاستقبال الملاصقة لمكتب رئيس الحكومة رفيق الحريري حيث راحت سهى تتعرف الى اولاد اخواتها الذين تزوجوا وأنجبوا خلال اعتقالها. وسألت عن سبب نحول ابن اختها. ودخل الرئيس الحريري وبادر بتهنئتها: "الحمدلله على السلامة". وردد الوالدان "يخليلنا ياك". وتقدم حاوي "نحن شاكرون، هذه البنت يرفع الشعب اللبناني رأسه بها". وردت سهى: "هذا واجب. لم اقدم شيئاً". وأبلغ الحريري سهى، بعدما نفى تساؤلات عن ان اطلاقها مشروط بذهابها الي فرنسا، ان "هناك دعوة لها الى فرنسا للاقامة. اذ ارادت تلبيتها فهذا قرار يرجع اليها انما هي دعوة مفتوحة، وهي قدمت الكثير الى الشعب اللبناني ونحن نفتخر بها". وتقدم القائم بأعمال السفارة الفرنسية فرنسوا سنيموه من سهى وأبلغها الدعوة رسمياً فشكرته بالفرنسية وطلبت منه ايصال تحياتها الى الرئيس شيراك. ودارت دردشة على زيارة فرنسا، كانت سهى خلالها تصغي ولا تعلّق. وشدد احدهم على "امن سهى". واكتفى الوالد بالقول "اننا الآن سنذهب الى البيت". وطلب من سهى عقد مؤتمر صحافي في القاعة المخصصة للمؤتمرات في السرايا، بعدما منع الصحافيون من الصعود الى قاعة الاستقبال. وحين دخلت قاعة الصحافيين استطاعت ان تميز بعضهم ممن كانوا رفاقاً لها في "اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني". ونادت عليهم بالاسم وحيّتهم. وساد القاعة هرج ومرج نتيجة تدافع المصورين فما كان من سهى التي كان يحيط بها دحروج وحاوي وخلفها والداها الا ان وقفت على الكرسي ورفعت شارة النصر وبدت في مؤتمرها متماسكة جداً واستقطب بعض اجاباتها تصفيقاً من الحاضرين. ووجهت بشارة "تحيات الى الشعب اللبناني الذي كنت بينه منذ عشر سنوات تقريباً وانطلقت منه وعدت الآن اليه لننطلق مجدداً ونعود الى معتقل الخيام ونفك قيوده، وذلك لا يتم الا بالحلول الجذرية التي تكون بتحرير الارض. جئت ولكن لا ازال هناك. لا ازال مع الام فاطمة ومع الاخوات انتصار وسميرة، ومع الشبان وكل الاخوة والرفاق المعتقلين، ونتمنى قريباً ان تتكلل جهود المقاومة وجهود الشعب اللبناني كله، سياسياً وعسكرياً، بالتحرير. وأشكر جميع الذين يقومون بدورهم نحو تحقيق هذا الهدف السامي، سواء سياسياً ام عسكرياً. المقاومة شعلة نحن نحملها وسنظل نحملها لأنها طريقنا الوحيد". وشكرت للرؤساء الثلاثة وجميع المسؤولين جهودهم من اجل اطلاقها. وقالت "اما تحيتنا الكبرى فتبقى لشهداء المقاومة الوطنية اللبنانية، الاسلامية، المسيحية، سمّوها كما تريدون. فالمهم انها لبنانية. الشهيد هو المنارة التي بين ايدينا وسنبقى نحملها ونهتدي بها. اشكر جميع الذين ينمون الشبيبة لكي يمشوا في هذه الطريق. وكل اخ وأخت ورفيق ورفيقة قادرون ان يقدموا، واذا لم يستطيعوا حمل البندقية، فلنحمل الكلمة لأن لها فعلاً اقوى من السيف. لنقتنع جميعاً بضرورة التحرير وتثمير كل الجهود نحو تحقيق هذا الهدف. اشكركم وأشكر جميع الذين كانوا معنا ورافقونا. وأشكر اللجنة الدولية للصليب الاحمر وكل المنظمات الانسانية وتجمع المعتقلين، الى ما هناك من منظمات، وكل وسائل الاعلام والمحامين وفرنسا، وليعذرونا اذا نسينا احداً". وعن احتمال سفرها الى فرنسا، كما اشيع قالت "الآن عندنا واجب وأعتقد ان لبنان لم يتحرر بعد. عندما نقوم بأي عملية فإن الهدف ليس فقط تحرير شخص. والعمل الذي قمت به كمقاومة وكواجب يجب ان نؤديه بالنسبة الى المعاناة التي نعانيها كشعب محتل". وعن موعد معرفتها بإطلاقها، قالت "صباح اليوم امس خرجت من غرفتي الى غرفة اخرى وفجأة فتح الباب وقيل لي انني تحررت". وأضافت "حصلت على سمة دخول الى فرنسا وأنا اكيدة ان فرنسا بذلت الكثير وعرفت ذلك من والدتي، لكن ذهابي الى فرنسا لا اعتقد انه ممكن الآن. ولا احد يفرض علينا الانتقال من بلدنا. وأنا باقية في حي مار الياس حيث تقطن وفي بيروت ومستمرة في عمل المقاومة. ومقاومتنا لم تتوقف". ونفت ان تكون لديها معلومات عن اشتراط لحد لإطلاقها نيل الجنسية الفرنسية. وقالت "سمعت اذاعة "صوت الجنوب" تقول امس ان لحد قال انه اطلقني لأسباب انسانية لأن المدة التي قضيتها كافية بعد الجريمة التي ارتكبتها". وعلقت "انا متأكدة انه يعرف انها ليست جريمة بل حق وعلينا ان نحرر ارضنا. وفي الاساس لم اعتبره لبنانياً لكي اعتبرها جريمة، اعتبرته يهودياً ولا ازال". وقالت "انا لا اعاني مشكلات صحية. وأعتقد ان العذاب الذي يتعرض له المعتقلون نحن نخجل ان نتحدث عنه. العذاب الذي عاناه الشعب اللبناني في مجزرة قانا، يجعلنا نخجل من الكلام عن بعض الحفلات الكهربائية". الحدث لم ينتهِ مع انتهاء المؤتمر الصحافي، فقد امتد الى محيط السرايا حيث أصرت الجموع التي كانت تنتظرها على حملها وعلت الهتافات للحزب الشيوعي ولوحت الايدي بالاعلام الحمر. وكانت سهى تنتقل من كتف الى اخرى وهي تبتسم رافعة يديها بالتحية. وعلى مقربة من الجموع وقفت سيدات ب"التشادور" حاملات باقات زهر وحاولن الاقتراب من سهى للسلام عليها، وتقدمتهن ليلى الموسوي شقيقة الامين العام السابق الراحل ل"حزب الله" عباس الموسوي وكان بينهن اسيرات محررات منهن رسمية جابر ومريم نصار اللتان كانتا في الزنزانة مع سهى 4 سنوات. وأوضحت الموسوي ل"الحياة" ان "الوفد جاء لتهنئة سهى التي كنا نزور والدتها في استمرار، والتمني لكل الاسرى بالافراج عنهم". وتكررت امام منزل سهى الذي بلغته بسيارة الوزير حردان مشاعر الاستقبال نفسها. فحملت مجدداً على الاكتاف. ورشقت بالرز وماء الزهر والورد وزغردت الجارات وبكت سهى معهن فرحاً. وقد زاره النائب نجاح واكيم الذي قال ان "لا فضل لأحد في الافراج عنها الا لصلابتها وتضامن رفاقها وأصدقائها معها". ولاحقاً انتقلت سهى الى مركز الحزب الشيوعي الذي غصّ بالمستقبلين، وأكدت انها "قوية وغير تعبة". وكان مصدر في "الجنوبي" قال ان الافراج عنها جاء بأمر من لحد "لأسباب انسانية، وبعدما تبين ان المدة التي أمضتها في معتقل الخيام كافية للجريمة التي ارتكبتها".