تسعة وعشرون يوماً تمر من دون عمليات تفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق منذ قررت بغداد، ونفذت قرارها بسهولة متناهية، وقف التعاون مع لجنة الأمم الخاصة بنزع هذه الأسلحة أونسكوم. وأمس، في اليوم الثامن والعشرين لتوقف التفتيش، دافعت وزيرة الخارجية الأميركية، مرة أخرى، عن سياسة ادارة الرئيس بيل كلينتون تجاه العراق وعمليات التفتيش التي تقوم بها "أونسكوم" في ضوء الاتهامات التي وجهها اليها المفتش المستقيل منها سكوت ريتر، الذي تعتبره بغداد "عميلاً" للولايات المتحدة واسرائيل ووصفته أولبرايت بأنه "أميركي عظيم". والواقع ان ريتر ربما كان أعظم مفتش عمل ضمن "أونسكوم". فله يعود الفضل في اعتماد خطة فاعلة مضادة ل "خطة الإخفاء" التي وضعها العراق لحجب المعلومات والأسرار والمواقع عن اللجنة الخاصة وفي ذلك انتهك عراقي التزاماته بموجب القرار 687 الخاص بشروط وقف النار في حرب الخليج الذي تربط الفقرة 22 منه مباشرة رفع الحظر عن تصدير النفط باعلان "أونسكوم" أنها أنجزت مهمتمها في أزالة أسلحة الدمار الشامل في العراق. وكان بين أسباب استقالة ريتر شعوره ان الادارة الأميركية فضّلت، في حالات عدة، عدم الدخول في مواجهة مع العراق على تقديم دعمٍ حازم ل "أونسكوم" فضغطت عليها لكي لا تقتحم مواقع توفرت معلومات أكيدة بأن السلطات أخفت فيها ما لا يجب إخفاؤه، على رغم ان القرار 687 يسمح للمفتشين بعمل ذلك. ماذا قالت أولبرايت رداً على اتهامات ريتر؟ قالت للصحافيين في موسكو، حيث ترافق الرئيس كلينتون، ان ريتر "لا يملك أي فكرة عن خطتنا العامة وهي اننا أقوى المؤيدين لأونسكوم واننا حقاً وجهنا، أو حفّزنا على القيام بعمليات تفتيش أكثر من أي جهة اخرى". وبعدما أكدت انها تعتبر ريتر "أميركياً عظيماً" قالت: "ولكنه لا يعرف السياسة التي نطبقها" في شأن "أونسكوم". والحق أن ريتر ليس الوحيد الذي "لا يعرف" السياسة الأميركية التي لم توضحها أولبرايت تجاه العراق. فمنتقدو ادارة كلينتون، ومعظمهم من كبار الصحافيين والسياسيين الأميركيين، يواصلون منذ أشهر مهاجمة سياستها الخارجية في ما يخصّ لا العراق فحسب، بل كوسوفو ووسط افريقيا والأزمات المالية في آسيا وروسيا. أمس فقط أوردت وكالة "رويترز" الأقوال التالية لخبراء وسياسيين أكاديميين محترمين في شأن السياسة الخارجية لادارة كلينتون. بيتر رودمان مدير برامج الامن القومي في مركز نيكسون في واشنطن: "أصدق ان العراق وكوريا الشمالية وجمهورية الصرب يعتقدون ان الرئيس أصبح ضعيفاً ومشوشاً". روبرت كاجان، وهو مسؤول كبير في مؤسسة كارنيغي: "مع ازدياد مشاكل الرئيس الداخلية سوءاً زاد الاعتقاد من دون شك في الخارج ان الولاياتالمتحدة حالياً اصبحت ضعيفة". نيوت غينغريتش رئيس مجلس النواب: "اذا تراجعت الولاياتالمتحدة أمام العراق فستكون لذلك عواقب وخيمة عليها وعلى حلفائنا وعلى العالم". فهل يُلام ريتر، وهو في النهاية مجرد مفتش خبير في كشف الأسرار، إذا كان "لا يعرف" السياسة الأميركية في شأن عمليات التفتيش التي تقوم بها "أونسكوم" في العراق والمتوقفة لليوم التاسع والعشرين بقرار اتخذه الرئيس صدام حسين ونفذه من دون إدنى حساب