حين ذهبت ندى اللبنانية الولادة والنشأة والتعلّم الى حفلة أقامتها صديقتها لوداع عزوبيتها تُسمّى الحفلة "هن نايت" Hen night أو "ليلة الدجاجة"، ذهب خطيبها الى الحفلة الاخرى التي أقامها زوج الصديقة لوداع عزوبيته ايضاً، وتسمى الحفلة التي يقيمها الشبان "باتشيلور بارتي" Bachelor Party. وقبل ان يذهبا تبادلا نظرات، تقول ندى انها انطوت على كثير من التردد والتساؤل والرجاء ما يكفي للعدول عن الذهاب. لكنهما صمتا وذهبا كل الى حفلته. واثناء وجودهما في حفلتهما، لم يقلع كل منهما عن التفكير في ماذا أو كيف يتصرف شريكه في الحفلة الأخرى، إلى ان فقدت ندى قدرتها على تحمّل ما مر في مخيلتها من صور يمكن ان يكون خطيبها موجود فيها. فخرجت من منزل صديقتها متوجهة في سيارتها الى النادي الليلي الذي كانت تعلم ان خطيبها موجود فيه مع اصدقائه. فعثرت عليه في حلقة مع اصدقاء تتوسطهم راقصة اوروبية شرقية. فاستلت ندى خطيبها من بينهم، وخرجا وشرعا يجوبان شوارع بيروت متعاتبين، وناما على خلافٍ ليستيقظا صباحاً حائرين في تبرير موقفهما امام اصدقائهما، خصوصاً ان حضور هذا النوع من الحفلات، أمر يجب ان يكون عادياً في بيئة اصدقائهما. وعدم احتمال أي منهما الأمر قد يؤشر في معايير هؤلاء الاصدقاء الى انخفاضٍ في مراتب التحضر والتمدن... فتغالب ندى مشاعرها الحقيقية وتضطر الى التصرف بما لا طاقة لها على احتماله. في الحفلة الاولى هن نايت تجتمع صديقات العروس حولها، يأتين لها بهدايا تداعب مخيلتها حول ليالي زواجها الاولى. وتتحلق الفتيات حول قالب حلوى على شكل لم يراع صانعه أصول الاحتشام، ويشرعن في أكل قطعٍ منه، فيما يترك للعروس ان تحتفظ بقطع اخرى محددة. وكثيراً ما يستدعى الى هذه الحفلة راقص يتم استئجاره بمبلغ مئة دولار اميركي أو مئتين يستعرض ملامح جسمه وعضلاته المعدّة لهذا النوع من الرقصات. وبدل ان تزيّن القاعة بالونات ملوّنة، تنفخ واقيات وتعلّق في أنحاء القاعة. أما في الحفلة الثانية باتشيلور بارتي، فيجتمع حول العريس اصدقاؤه الشبان في منزل أو ملهى ليلي، ويتركز الاهتمام على راقصة غالباً ما تكون هذه الايام من أوروبا الشرقية، وتتم للعريس طقوس وداع العزوبية كاملة ناجزة يشاركه فيها اصدقاؤه. والحفلتان، أي "باتشيلور بارتي" و"هن نايت"، هما جزء من طقوس وأساليب تصرف وعيش استقدمها اللبنانيون الشباب من ابناء الطبقات المتوسطة وما فوق، وشرعوا ينزعون بها اشكال عيش سابقة الى ان أضحت أموراً ضرورية، كما تقول الشابة الجامعية بتول التي لا تستطيع ان تتخيّل نفسها عروساً من دون ان يسبق ذلك "هن نايت"، وصديقاتها بدورهن منتظرات هذا اليوم. اما والدتها فتقول انها لا تدري: هل هي مع هذا النوع من الحفلات أو ضده، فلطالما تنازعها شعوران اثناء طلب ابنتها منها السماح لها بالخروج ليلاً والسهر مع صديقاتها، فهي من جهة تريد لابنتها حياة مختلفة عن حياتها هي وتقدر مستوى التغييرات بين جيل وآخر، ومن جهة اخرى تنظر بريبة وعدم تقبل للكثير من مظاهر حياة ابنتها. وفي لبنان، حيث تحصل هذه الامور، وحيث يستقبل كل وافدٍ والكل هنا للاشياء والظواهر بشراهة لا تنقصها الدلالات، تمّ تطوير هذه الحفلات الآتية من الغرب الاوروبي والاميركي وأضيفت اليها ملامح لبنانية. واستقبلها الشباب اللبناني في سرعة ومن دون تدقيق إلى أن أدخلته في دوامات جديدة. فليلى التي تؤكد ان خطيبها لم يشارك اصدقاءه كل اعمالهم "الباتشيلور بارتي" اللبنانية الملامح والاغراض، تشير الى انه لم يكن يحبذ ذهابها الى حفلة "هن نايت" أقامتها صديقتها، أي زوجة صديق خطيبها، وانه أصرّ بعد مجيئها على معرفة كل التفاصيل التي حدثت تلك الليلة، خصوصاً انه سبق له ان شاهد في أحد الملاهي الليلية حفلة من هذا النوع، كان أداء العروس وصديقاتها فيها متطرفاً في الليلة الاخيرة ل"الدجاجة" المحتفى بها. ثم ان اخباراً عدة يتناقلها اللبنانيون عن أمور حصلت في ليال اخيرة من عزوبيات لبنانيين ولبنانيات، واحدة تتحدث عن زواج لم يحصل نتيجة مبالغة العروس في احد الملاهي الليلية وعلى مرأى من مئات الحاضرين في مشاركة الراقص رقصه، واخرى اكثر غرابة هي ان شابة استدعت راقصاً زنجياً الى حفلتها مع صديقاتها ثم تزوجت وحملت، وعند الولادة جاء الطفل خلاسياً، وأخبار من هذا النوع، إن لم تكن دقيقة أو صحيحة فان سردها وتردادها يوحيان بمقدار وقعها رفضاً وقبولاً، وتحفظاً وتواطؤاً لدى شرائح متفاوتة من اللبنانيين. ولهذا النوع من الحفلات في بيروت متاجر ومحال لبيع الادوات والهدايا وقوالب الحلوى، وزوايا في المكتبات التي أفردت رفوفاً في واجهاتها عليها عناوين لكتب تهدى في مناسبات كهذه How to Make Better. وتباع في متاجر أخرى قمصان عليها عبارات من اجواء المناسبة ترتديها المحتفلات. اما الاماكن التي تحصل فيها هذه الحفلات فهي الى المنازل، بعض الملاهي الليلية المحددة، خصوصاً أن ملاهي أخرى منعت هذا النوع من الحفلات فيها. وقال احد اصحاب هذه الملاهي لپ"الحياة" ان "عائلة كانت تجلس الى جوار طاولة مجموعة من الفتيات يحتفلن باحدى صديقاتهن، تضايقت من ابراز الفتيات للهدايا التي قدمنها الى صديقتهن، ومن العبارات التي تلفظن بها أمام الزبائن، فاتصل رب العائلة عبر هاتفه الخليوي بشرطة الآداب التي حضرت ومنعت "الحفلة". ويؤكد عدد من العاملين في مقاه وملاه ليلية ان اللبنانيين واللبنانيات يبالغون ويتطرفون في تقمص شعائر هذا النوع من الحفلات الى حد يحرج ادارات الملاهي حتى تلك التي توافق على استقبال الحفلات. وتقول مي، وهي في العشرين من عمرها، إنها شاهدت حفلة من هذا النوع في احد المسلسلات التلفزيونية الغربية، لكنها لم تشاهد فيها ما شاهدته عندما ذهبت الى حفلة من هذا النوع لمناسبة زواج صديقتها في الجامعة. ثم ان مجلات "المجتمع" والمجلات "الفنية" والصحافة الصفراء، اصبحت تتعامل مع هذه الحفلات في شكل طبيعي، فتظهر على صفحاتها الصور مع الاسماء والتعليقات. وتقول مي ان الغاية من هذه الحفلات ليس ما يحصل فيها في بيروت، انها، في الأساس، فكرة لطيفة، لكن اللبنانيين أخذوها الى مقاصد اخرى. ولتثبت وجهة نظرها تقول انها حضرت حفلات عدة، شاركت فيها أمهات "العروسات" ولم تتخللها ايحاءات الا على سبيل المداعبة والنكتة. ولكن، على رغم تردد ندى وتذمّر مي وتحفّظ خطيب ليلى، فإن الشباب اللبناني عاقد العزم على الاستمرار في مغالبة الذات حتى الانتصار عليها... وما التردد والتذمّر والتحفّظ سوى أوضاع قابلة للمعالجة!