التقدم الذي تحرزه أحزاب الاشتراكية الديموقراطية تقدم مؤكد. وفوز حزب غيرهارد شرودر في المانيا بما انهى 16 سنة محافظة، آخر البراهين. مع هذا فالتقدم المذكور يتحول تبسيطاً حين لا يلحظ وجهات أشد تعقيداً في الحياة السياسية عموماً وفي الأحزاب والحركات الاشتراكية نفسها. فانتخابات ألمانيا طغى عليها فقدان المضمون السياسي بحسب اجماع المراقبين. ولئن ركّز البعض على وجود "يمين" متأثّر بتوني بلير ويتزعمه شرودر، و"يسار" متأثر بليونيل جوسبان ويتزعمه لافونتين، فالكلام على الحكومة المقبلة لا يؤكد الا مساحة الغموض الواسعة. ذاك ان الحزب الاشتراكي الديموقراطي قد يتحالف مع البيئويين الخضر، وربما أيضاً مع الشيوعيين السابقين اذا ما حصلوا على نسبة ال5 في المئة المطلوبة للتمثيل البرلماني، لكنه قد يتحالف، في المقابل، مع المسيحيين الديموقراطيين بعدما أزيحت عقبة هيلموت كول! قبل ألمانيا شهدت السويد، في 20 ايلول سبتمبر الجاري، انتخاباتها العامة. فاز الحزب الاشتراكي الديموقراطي مجدداً، الا أنه تراجع تراجعاً كبيراً عما أحرزه في انتخابات 1994. الحزب الشيوعي هو الذي قفز في السويد من 6 الى 12 في المئة، لكن الحزب المسيحي الديموقراطي حقق تقدماً جدياً أيضاً. النتيجة الأبرز التي أثمرها تقدم هذين الحزبين الأخيرين صاغها المراقبون بالتالي: "اعادة اعتبار للنقابات القديمة، واعادة اعتبار للميول الدينية والقيم التقليدية واللغة البسيطة". المدهش في هذا المجال ان السويد الأشد تقدماً، التي يريدها البعض نموذجاً يحتذيه دعاة "الطريق الثالث" بين اليسار القديم واليمين الجديد، هي التي سجلت انبعاث هذه الظواهر. بيد ان التغيرات هذه كلها لم تعدّل الاصطفاف المتوازن التقليدي: 50 في المئة لمجموع أحزاب اليسار و50 في المئة لمجموع أحزاب اليمين. انتخابات اخرى جرت في سلوفاكيا التي يقل تقدمها عن ألمانيا كما يزيد تقدم السويد عن الاثنتين. التحالف الفائز، او "الحركة لأجل سلوفاكيا ديموقراطية"، جاء غريباً في تركيبته: فهو يضم طرفاً يمينياً ك"الائتلاف السلافي الديموقراطي" الى "حزب اليسار الديموقراطي"، ويشمل "التفاهم المدني" وهو يسار الوسط، الى الائتلاف الوسطي المدافع عن مصالح الاقلية الهنغارية في سلوفاكيا. وفي المقابل ضم الائتلاف الذي قاده رئيس الحكومة المتسلط ورسب في الانتخابات، كلاً من "حزب العمال" النضالي واليمين المتطرف "الحزب السلوفاكي الوطني". تكتمل لوحة الغموض والارتباك بتسجيل الحدث الذي اتسم به افتتاح مؤتمر حزب العمال البريطاني: انتخاب اربعة يساريين من اصل ستة الى عضوية "الهيئة التنفيذية الوطنية" للحزب. بعض هؤلاء الأربعة "يتهمه" الخط الرسمي للعمال الجدد بالتروتسكية، كما سبق للقيادة ان منعته من الترشح عن الحزب للانتخابات العامة الأخيرة. حالات متفاوتة بالطبع وقضايا متفاوتة هي الأخرى. الا ان المؤكد ان العثور على وجهة بسيطة تختصرها كلمتان او كلمات ثلاث، هو آخر ما يجوز في ما خصّ أوروبا واشتراكييها وسياساتها اليوم.