تواجه كرة القدم، الرياضة الأكثر شعبية في العالم، تحديات كثيرة على مشارف الالف الثالث. فتجمع بضعة شبان في اوقات فراغهم في بقعة ارض صغيرة لركل كرة مستديرة والتنافس على انتزاعها من بعضهم البعض، تحول الى "بيزنس" يدرّ الملايين على اللاعبين والمدربين وعملاء اللاعبين والنقاد ومديري الاندية و... اصحاب الاسهم. ومع تهافت الشركات العملاقة على شراء الاندية ينتظر ان تتبدل خريطة كرة القدم لا سميا في اوروبا وقد لا تظهر الصورة الجديدة الكاملة قبل هدوء "العاصفة" كلياً. هبت "النسمة الاولى" من بريطانيا قبل اسبوعين عندما اعلنت شبكة تلفزيون "بي سكاي بي" عن رغبتها في شراء نادي مانشستر يونايتد صاحب الشعبية الجارفة في بلاده وعلى الصعيد الدولي... وما لبثت ان تقدمت شبكة "كارلتون" للتلفزة ايضاً بعرض لشراء نادي ارسنال. وبحسب الاشاعات هناك شركات عدة مستعدة فوراً للاستثمار في كرة القدم مثل "تايم ورنر" و"آي ام جي" و"غرانادا" و"انكل توم كوبليه" وهي قادرة على شراء اي نادٍ تختاره من بايرن ميونيخ الالماني العريق الى توركي يونايتد المغمور في الدرجة الانكليزية الثالثة! وتعتبر شركتا "بي سكاي بي" و"تايم ورنر" ان سلعتين فقط تؤمنان ارتفاع عدد المشتركين، هما افلام هوليوود والرياضة. وهناك ثلاثة رياضات خارج الولاياتالمتحدة تهمّ الشعب الاميركي وهي الملاكمة والغولف وكرة القدم. بالنسبة إلى الأولى تغطي القنوات المختلفة النزالات "حتى الثمالة" في حين ان حقوق نقل دورات الغولف في أيدي شركات كبيرة. اما كرة القدم فلا تزال سوقاً جديدة ونسبة الربح فيها عالية جداً ومن هنا التركيز عليها. فكرة القدم تديرها الاتحادات المحلية والقارية والدولية ولا تزال الاندية، اندية، باستثناء حفنة منها تحولت الى شركات مساهمة مسجلة في البورصة. اي ان المجال مفتوح امام المؤسسات العملاقة لشراء الاندية وتحويلها الى شركات مساهمة مسجلة في البورصة فتبدأ بجني الاموال، خصوصاً إذا كانت المؤسسة متخصصة في مجال الاعلام لا سيما التلفزيون. فالتلفزيون الرقمي على الابواب والدفع مقابل حضور كل مباراة على الشاشة الصغيرة سيطل برأسه قريباً وسيكون اساس الربح المادي في المستقبل مصدر الربح الرئيسي لمشروع الدوري السوبر الاوروبي. ومما لا شك فيه ان انتقال المبادرة من افراد الى المؤسسات الكبيرة الاعلامية خصوصاً سيكون له اثر ايجابي على كرة القدم اذ سيضخ فيها أموال هائلة، لكن الخوف يبقى في ابتعاد كرة القدم والاندية عن قاعدتها بفعل المادة. وتهافت المؤسسات الاعلامية على شراء الاندية "ارعب" محبي كرة القدم "الاصليين" الذين يعتبرون ان شبكات التلفزة لا علاقة لها بكرة القدم وهدفها من الصفقات مادي بحت ولن تأخذ بعين الاعتبار مصالح اللعبة. ولا يمكن لوم هذه الفئة، ولو خضنا في التفاصيل قليلاً يتبين لنا ان النقطة التي تصرّ عليها هذه الجماعة مهمة جداً، خصوصاً ان كرة القدم تمرّ بمرحلة انتقالية كبيرة. ففي انكلترا مثلاً، تملك شركة "بي سكاي بي" حقوق نقل مباريات الدوري الممتاز حتى العام 2001 وهو حق حصلت عليه من لجنة الدوري الممتاز التي تضم ممثلين عن الاندية وهي الجهة الوحيدة المخولة مناقشة العقود. لكن الوضع قد يتغير لان احدى المحاكم تدرس الوضع ومن المتوقع ان تصدر في كانون الثاني يناير المقبل قراراًَ يعطي كل نادٍ حق التفاوض في عقود لنقل مبارياته منفرداً! وعندما يحصل ذلك سيفلت الامر مثلاً من يدي "بي سكاي بي"... الا اذا كانت تملك نادياً وهي لذلك قررت شراء مانشستر يونايتد أحد أكبر الأندية في العالم، فتضمن بذلك ارتفاع عدد المشتركين وتحصد أموالاً هائلة. وهنا يكون خوف محبي كرة القدم "الاصليين" مبرراً، لأن القرار سيكون في أيدي مؤسسات اعلامية آخر همها متطلبات قاعدة الفريق الشعبية طالما ان حساباتها المصرفية تنتفخ. والخطر قد يأتي في حال اصيبت الاسواق ب "تخمة" وتوقف الطلب على كرة القدم فتبدأ الشركات البحث عن مصادر اخرى لتحقيق أرباح تاركة كرة القدم في مصيبة كبيرة تعيدها سنوات الى الوراء. وهذا كله لا يعني ان "التعايش" بين كرة القدم والشركات الكبيرة غير ممكن وخير مثال على ذلك في الدوري الايطالي اذ ان نادي "اي سي ميلان" تملكه شركة "فينينفيست" لرئيس الوزراء السابق سيلفيو برلوسكوني في حين ان شركة فيات العملاقة تسيطر على نادي يوفنتوس وبارما تجيّر اعماله شركة "بارمالات" الغذائية ولاتسيو يملكه سيرجيو كرانيوتي صاحب امبراطورية الغذاء الضخمة في اوروبا. وفي فرنسا يبدو "التصاهر" بين "كانال "" وباريس سان جرمان ممتاز، والأمر نفسه ينطبق على مرسيليا وشركة الملابس الرياضية "اديداس". ولا تتدخل هذه الشركات بشكل مباشر في تقرير مصير كرة القدم بل تكتفي بالدعم المادي. الدوري السوبر! لكن "التعايش" لا يكتب له النجاح من دون بروز كروي والقاب عدة، وهبوط مستوى ميلان في السنتين الأخيرتين وفشله في التأهل الى الكؤوس الاوروبية دفع شركة "ميديا بارتنرز" الى اطلاق فكرة انشاء الدوري السوبر الاوروبي... وكأن مصيبة واحدة لا تكفي. واعترفت "ميديا بارتنرز" بأنها اجتمعت مع ممثلين عن الاندية العريقة في اوروبا وعرضت عليهم فكرة الدوري السوبر خلال شهر تموز يوليو الماضي، وتكررت الاجتماعات منذ ذلك الحين مع جهات عدة منها الاتحاد الاوروبي لكرة القدم والمفوضية الاوروبية واللجنة المشرفة على الدوري الانكليزي الممتاز. وأعرب رئيس الشركة رودولف هيكت عن تفاؤله بأن الدوري السوبر سيبصر النور في العام 2001 علماً ان ناديي ريال مدريد الاسباني وبايرن ميونيخ الالماني مستعدان للتوقيع على المشاركة في الدوري السوبر فوراً لكنهما ينتظران قرار الاندية الاخرى. وأعرب بعض الاندية عن تحفظه لأنه لم يثق بقدرة "ميديا بارتنرز" على تأمين الكفالة المادية مليارا دولار فردّ هيكت ان مصرف "جي بي مورغان" الاميركي المعروف قدم الدعم اللازم. وينص مشروع الدوري الاوروبي على انشاء دوري مؤلف من قسمين يضم كل واحد 18 نادياً. و18 من الاندية الپ36 مؤسِسَة وتتأهل مباشرة ويعاد النظر في موقعها كل ثلاثة اعوام حسب نتائجها. اما الاندية الپ18 الاخرى فتختار حسب النتائج في الموسم السابق. ويشمل المشروع أيضاً مسابقة "برو كاب" التي تضم 96 نادياً وتقام بنظام تأهل الفائز على نتيجتي مباراتي ذهاب واياب. وتأمل "ميديا بارتنرز" في بقاء الاتحاد الاوروبي لكرة القدم لكن كمدير لشؤون اللعبة مثل الحكام والعقوبات... من دون التدخل في شؤون النقل التلفزيوني والترويج... واكد هيكت ان "ميديا باترنز" ستحصل على 5 في المئة من العائدات والباقي يوزع على الاندية، ووعد ان حصة كل ناد قد تصل الى 50 مليون دولار سنوياً علماً ان بطل الدوري الاوروبي الحالي يحصل على حوالى 12 مليون دولار. كما وعد الاتحاد الاوروبي بپ100 مليون دولار سنوياً. ويحصل الاتحاد الاوروبي حالياً على ثلث عائدات بطولاته الثلاث وتحصل شركة "تيم كاب" التي تروّج الدوري الاوروبي الحالي على 12 بالمئة من عائدات المسابقة حوالى 48 مليون دولار. وسيكون رافد المادة الرئيس للدوري السوبر عائدات عقود نقل المباريات علماً ان مفاوضات تدور مع الشركات الكبيرة مثل "كانال "" و"بي سكاي بي" حالياً. وستنقل بعض المباريات على القنوات الارضية رغم ان القنوات الرقمية وانترنت ستستخدم ايضاً! لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو التالي؟ هل ستتهافت القنوات للحصول على حق نقل مباراة مثلاً بين برشلونة عاشر الدوري السوبر ومرسيليا صاحب المركز الپ15؟ وكم مشجع سيكون في المدرجات لمتاعبة هذه المباراة؟ الردّ على هذا التساؤل جاء الموسم الماضي في المرحلة الاولى من الدوري الاوروبي اذ تابع مباراة برشلونة ونيوكاسل الانكليزي 35 الفاً فقط في ملعب يتسع ل 110 آلاف مشجع وذلك لأن كلاً من الفريقين فقد امله في التأهل! جاء مشروع الدوري السوبر ليثير زوبعة كبيرة في كرة القدم الاوروبية ما دفع الاتحاد الاوروبي الى اختيار طريق التحدي ليبقي سيطرته على شؤون اللعبة في القارة القديمة. وألّف الاتحاد لجنة مهمتها تقديم اقتراحات لتطوير مسابقات الاتحاد الثلاث في محاولة للتصدي للدوري السوبر. وضمت اللجنة ممثلين عن اندية ليفربول واياكس وبايرن ميونيخ وبورتو وليون ويوفنتوس، وهي ستقدم اقتراحاتها في بداية الشهر المقبل. وهدد الاتحاد الاوروبي بفرض عقوبات على الاندية التي تنضم الى قطار الدوري السوبر وتمنع لاعبيها من المشاركة في البطولات الدولية. لكن كل هذه القرارت قد تصبح باطلة في حال اعتبرت لجنة التنافس في المفوضية الاوروبية ان القرارات مخالفة للقوانين. وقد تلوّح الاندية الاوروبية العريقة "ورقة" الدوري السوبر للضغط على الاتحاد فتحصل على طلباتها وتبقى في كنفه من دون المجازفة في مغامرة غير مأمونة. وقد يسبق الاتحاد الاوروبي "ميديا بارتنرز" في انشاء دوري اوروبي جديد خصوصاً ان نظام الدوري الحالي سيتبدل السنة المقبلة ليصبح اربع مجموعات من ستة فرق ما يزيد عدد المباريات لكل ناد وبالتالي العائدات المالية ويلعب الفريق الذي يبلغ النهائي 15 مباراة. كما يدرس الاتحاد امكانية دمج كأسي الكؤوس والاتحاد في مسابقة واحدة. مالياً، لن يتمكن الاتحاد الاوروبي من منافسة "ميديا بارتنرز" وامله الاكبر يبقى في وعي الاندية العريقة مخاطر المال الزائد في الرياضة، واختيارها الاستمرارية والجذور على حفنة الاموال الاضافية. الوحدة الاوروبية ولا يريد الطرفان المتنازعان الدخول في "متاهات" قضائية اذ لا يزال الاتحاد الاوروبي يضمد جراحه من الهزيمة التي تلقاها في قضية اللاعب البلجيكي جان مارك بوسمان تعرف بقرار بوسمان قبل اعوام فاصبح كل لاعب حرّ بعد نهاية عقده مع النادي. كما ان "ميديا بارتنرز" غير واثقة من حقها في تنظيم الدوري رغم الكلام المشجع الذي تفوه به كاريل فان ميرت مسؤول التنافس في الوحدة الاوروبية الخميس الماضي، عندما قال انه لا يملك الصلاحيات لوقف انشاء الدوري السوبر لكن يمكنه دراسة العقود الموقعة بين الاندية والجهة المنظمة لمعرفة ما اذا كانت تخالف القوانين الاوروبية. وستستمع لجنة التنافس الاوروبي الى وجهتي النظر وتنظر الى المشروعين قبل ان تقرر ايهما غير مخالف للقوانين. الدول الشرقية ولم يشرك اي نادٍ شرقي في المفاوضات الجارية حالياً بين "ميديا بارتنرز" ومسؤولي بعض الاندية علماً ان الدوري الاوروبي الحالي لا يضم سوى ثلاث فرق شرقية من اصل 24 هي دينامو كييف الاوكراني وسبارتاك موسكو الروسي وكرواتيا زغرب الكرواتي! وسيعقد مسؤولو اتحادات كرة القدم في دول وسط اوروبا وشرقها اجتماعاً الشهر المقبل في المجر هو الاول من نوعه لدرس وضع اللعبة في هذه المنطقة وتضخم الهوة المادية بين الاندية الغربية الغنية وبين انديتها الفقيرة واثر الدوري الاوروبي السوبر او الدوري الاوروبي الحالي باسلوبه المعدل علىها. اشاعات وسرت اشاعات ان الاتحاد الاوروبي قد يفرض على الاتحادات المحلية خفض مسابقاتها وتخفيض عدد الاندية في الدرجات الاولى الى 16 او 18 فتنخفض فترة البطولات ما يسمح في تنفيذ المشروع الاساسي "الثوري". وينص المشروع على توزيع الفرق في الدوري الاوروبي على اربع مجموعات تضم كل واحدة 10 فرق، وتقام المباريات كل يوم اربعاء بين آب اغسطس وكانون الاول ديسمبر وتتأهل الفرق التي تتصدر كل مجموعة الى تصفيات تقام في آذار مارس او نيسان ابريل وتنضم اليها الفرق التي تحرز المركز الاول في مجموعات مسابقة كأس ليبرتادوريس كأس الابطال في قارة اميركا الجنوبية. ويقترح المشروع الذي قد يغري بعض الاندية الكبيرة اذ يعطيها فرص الاحتكاك باندية من قارة اخرى، تعديلا جذرياً لمسابقة كأس الاتحاد الاوروبي في حين ان كأس الكؤوس قد "تستقبل" فرقاً من اميركا اللاتينية. وهكذا يكون الاتحاد الاوروبي الاوروبي قد حقق رغبة الاندية العملاقة مع اطلالة دولية في حين يحصل الاتحاد الدولي على مبغاه اذ يسعى الى تنظيم بطولة عالمية للاندية! ورغم ان هذه الفكرة معقدة، إلا أنها واردة وقد توافق عليها الاندية لتجنب تبديل كبير في هيكلية كرة القدم. متاعب اضافية والتحدي الاخر الذي يواجه كرة القدم هو امتلاك شركة واحدة اندية عدة كما يحصل حالياً مع شركة "اينيك" التي تملك اسهماً في اندية ايك اثينا اليوناني ورينجرز الاسكتلندي وسبارتا براغ التشيكي وفيتشينزا الايطالي. وحاول الاتحاد الاوروبي منع الفرق هذه من المشاركة في الكؤوس الاوروبية لكن الشركة حصلت على قرار موقت من احدى المحاكم الاوروبية لاشراك الفرق في انتظار الاستجواب امام المحكمة. وفي حال جاء قرار المحكمة لصالح الشركة ستكون عواقبه وخيمة على كرة القدم فيصبح التلاعب بنتائج المباريات وارداً في اي لحظة وتبيض الاموال كذلك. ولا شك ان اقتراحات اخرى ستطفو على السطح قريباً لتبديل "مظهر" كرة القدم وبين الاخذ والرد بين الاطراف المتنازعة ينتظر محبو كرة القدم "الاصليون" هدوء العاصفة وقلوبهم على أيديهم ليعرفوا ما اذا كانت كرة القدم سترسو على أسس ثابتة او تختار بناء مستقبل على أساسات مالية متقلبة!