هل في مستطاع جنوب افريقيا الجديدة ان تخرج حركة عدم الانحياز من بحر الكلام الذي تطفو على سطحه منذ تأسيسها؟ هل في مقدور نلسون مانديلا، بكل رصيده السياسي والمعنوي، ان يفك عنها أسر العنتريات الخطابية الخاوية التي تتخبط فيها منذ أيام تيتو ونهرو وعبدالناصر؟ وهل تكفي إعادة تحديد الأولويات وترتيبها لتفعيل هذه الحركة بعدما انتفى المسوّغ الأساسي لقيامها في العام 1961 بمبادرة من الرئيس اليوغوسلافي آنذاك، خشية أن يؤدي سباق التسلح يومها بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي الى حرب عالمية ثالثة تطحن رحاها الدول الصغيرة وتقضي على آمالها وطموحاتها وفرص نموها؟ كثيرون هم الذين يحلمون بأجوبة ايجابية عن هذه التساؤلات، ولا ينقص أولئك الذين يعتبرون، خلافاً للاعتقاد السائد، ان انهيار الكتلة الاشتراكية ترك فراغاً عجزت الزعامة الدولية الواحدة عن سده، وان انتشار الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية كالطحالب في طول العالم وعرضه، بات يستوجب أكثر من مركز ثقل واحد، ويتيح ظروفاً مؤاتية يمكن افتراضها لمأسسة الحركة وتفعيلها، إذا توفرت الرؤيا والإرادة والشروط السياسية، ووضعت في تصرفها الموارد اللازمة. وقد لا تنقص المؤشرات الباعثة على التفاؤل في مستقبل هذه الحركة التي تليت عليها الفاتحة أكثر من مرة. فالردع النووي بين الهند وباكستان يبدو أنه يمهد لانحسار سباق التسلح بين البلدين، ولفتح صفحة جديدة من العلاقات بينهما، متى خفّت حدة التوتر الذي أحدثته التجارب النووية المتواترة. وللمرة الأولى، أصبح السلاح النووي في حوزة دول من حركة عدم الانحياز، وفي متناول عدد من اعضائها، بعدما كان حكراً على حفنة من الدول، وشرطاً أساسياً للدخول الى نادي الكبار. وفي القارة الافريقية تتشكل حول جنوب افريقيا، للمرة الأولى، زعامة اقليمية فعلية تستوفي الشروط السياسية والاقتصادية والمعنوية اللازمة، يعوّل عليها لاطفاء الحرائق، وتوحيد الصف الاقليمي، وتحريك قطار النهضة الاقتصادية الافريقية المنتظرة. ومن ناحية أخرى، فإن ايران الجديدة على عهد خاتمي، إذا استطاعت تجاوز انواء التجاذبات والصراعات الداخلية، سائرة في اتجاه تشكيل كتلة اسلامية متجانسة وغير متناحرة سياسياً داخل حركة عدم الانحياز. وليست مشاركة الرئيس الايراني في هذه القمة، في اطلالته الأولى على العالم الخارجي، سوى مؤشر على هذا المنحى الجديد لسياسة ايران الخارجية. ولا يستبعد أن تفجّر طهران قنبلتها الديبلوماسية في دوربان، فتحظى برئاسة حركة عدم الانحياز بعد جنوب افريقيا، قاطعة بذلك الطريق على الأردن الذي سيطرح أمام القمة ترشيحه لتولي الرئاسة المقبلة.