إذا تأملت حياة الاميركي الموفق من رجال الاعمال، او المليونير، كما نقول نحن بتعبير عصرنا، لوجدت انه قد ولد في الريف فمضى يجاهد ويشتغل حتى يتمكن من العيش في المدينة، فلما صار فيها ظل يجاهد ويشتغل حتى يستطيع ان يعود الى سكنى الريف مرة اخرى. وما ينطبق على حياة المليونيرات في اميركا ينطبق على حياة المليونيرات في مصر الآن. كانت الطبقة البورجوازية في مصر منذ ما يقرب من نصف قرن، تعيش طوال ايام السنة في المدينة، فإذا جاءت شهور الصيف نزحت الى الاسكندرية او رأس البر او اي ميناء على البحر.. كانت الاسكندرية هي الميناء الاول.. وكانت تكتظ في الصيف بالمهاجرين اليها من العاصمة، وهم الذين جاءوا هربا من الحر والقيظ، وأملا في نسيم البحر والسباحة.. وكانت الطبقة البورجوازية تستأجر من سكان الاسكندرية الاصليين بيوتهم في فترة الصيف، وهي فترة تبدأ من شهرين الى ثلاثة اشهر.. ثم جاء الانفتاح وزيادة السكان وولع الطبقة الوسطى بتقليد الطبقة العليا.. وبدأ الامتداد العمراني يتجه الى العجمي.. وكانت العجمي قرية ريفية تحتلها حقول التين، ويضع يده على ارضها بعض العرب من البدو، وكان هؤلاء يعيشون على بيع هذا التين المشهور بحلاوته.. ثم فوجئوا ان الارض قد صارت مطلوبة للبناء، وبعد ان كان الفدان وهو 4 آلاف متر يباع بمائة جنيه، صار المتر وحده يباع بمائة جنيه ثم الف ثم خمسة آلاف. وبدأ الاثرياء الجدد، الذين صنعهم الانفتاح وصنعتهم المغامرات في السوق، يتجهون الى العجمي للبناء.. وهكذا دار كل واحد منهم دورته.. ولد في الريف، ونزح الى المدينة، ثم صار كل همه أن يعود الى الريف. وبدأت هواية الفيللات في مصر.. بدأ الناس يشترون الأرض في العجمي ويبنون عليها الفيللات بشكل عشوائي وكيفما اتفق. كان الناموس والذباب يحتلان المنطقة قبل أن تتحول الى مصيف، وبدأ الأثرياء الجدد في الشكوى من طفح المجاري والناموس.. وأصبحت الحاجة ملحة للانتقال.. وتم هذا الانتقال على امتداد الساحل الشمالي فبنيت مدن على البحر مثل مراقيا ومارابلا ومارينا الى آخر السلسلة.. وتراوح ثمن الفيللا الواحدة بين المليون والأربعة ملايين، وراح مليونيرات مصر يقلدون مليونيرات الغرب في ديكور الفيللا، وحمامات السباحة التي ينشؤونها لكل فيللا.. وانفق على هذا المشروع ما يقرب من ألف مليون جنيه. أهدرت هذه النقود كلها من أجل استخدامها شهراً واحداً كل صيف.. وكتب الاقتصاديون عن هذه الثروة المصرية التي تحولت إلى الاسمنت والزجاج والالومنيوم وصارت طوال السنة بيوتاً للأشباح لا يعمرها أحد.. لكن.. ماذا نفعل.. أن معظم مليونيرات مصر جاءوا من الريف، واستقروا في المدن الكبرى، ثم عادوا الى ريف جديد على شاطئ البحر، فعلوا هذا تقليداً لغيرهم ممن سبقهم الى البناء في هذه المناطق.. هي حركة بلا معنى.. حركة لم تحل أزمة الإسكان ولا استطاعت أن تلبي رغبة الشباب في السكن.. بعد الساحل الشمالي بدأ الامتداد نحو الفيوم ونحو صحراء مصر.. دعتني قريبة لي للذهاب الى الفيوم وقضاء يوم فيها، وراحت تحدثني عن الفيللات التي انشئت حول بحيرة قارون، وكيف أنها جميلة كالجنة أو مثل حلم في الجنة.. وذهبت معها، واستغرق الطريق ساعتين تقريباً حتى وصلت الى المنطقة.. وهناك اكتشفت الفخ.. انهم جاءوا بي أملا في أن اشتري فيللا تطل على البحيرة.. سألت عن الثمن فقالت لي - الفيللا الصغيرة بثلاثة أرباع المليون جنيه، والكبيرة بمليون وربع المليون جنيه.. وفكرت بيني وبين نفسي أن قريبتي هذه مجنونة لأنها تتصور أن معي مثل هذا المبلغ.. وراحوا يغرونني بالشراء ويقولون لي هذه فيللا فلان وهو صديقك، وهذه فيللا صديق آخر لك. وقلت لهم حسما للنزاع - ما دام اصدقائي عندهم فيللا، فكأنني مالك لكل هذه الفيللات، وبالتالي فلا معنى مطلقاً لشراء فيللا جديدة.. وعدت وأنا أفكر أن حمى الفيللات قد بدأت في مصر، ولكن أحداً لا يعرف كيف تنتهي هذه الهواية المرعبة.