«مطلوب طلاب وطالبات للعمل في عطلة الصيف في مراكز الاتصالات الهاتفية التابعة لعدد من المؤسسات الكبرى. يشترط أن يكون السن أكثر من 18 سنة، مع إتقان كامل للغة الإنكليزية كتابة ومحادثة. العائد الشهري 2400 جنيه مصري». لم تمر دقائق على تحميل الإعلان باللغة الإنكليزية على شبكة الإنترنت حتى بدأت جموع الشباب والشابات ترسل سيرها الذاتية مذيلة بجمل وعبارات تدل على رغبة عارمة في الحصول على الوظيفة المغرية. وفي خلال أربعة أيام، كان 48 ألف شخص أرسلوا سيرهم وأصبحوا في حالة انتظار لاستدعائهم للخضوع لمقابلة شخصية. ويبدو أن مهمة المسؤول عن الاختيار الأولى للمتقدمين لهذه الوظائف الصيفية كانت سهلة، فالرسائل التي وصلت للموقع حفلت بكم هائل من الأخطاء النحوية الإنكليزية، هذا غير الرسائل المكتوبة بالعربية المترجمة عبر «غوغل ترانسليت» والتي يسهل اكتشافها من الوهلة الأولى. البحث عبر الشبكة العنكبوتية عن وظيفة صيفية صار أمراً شائعاً بين الطلاب، وإلى حد ما الطالبات، من الراغبين في خوض مضمار العمل الصيفي، سواء بغرض اكتساب الخبرة، أو تمضية وقت الفراغ بطريقة مفيدة، أو حتى مجرد تجربة شيء جديد. لكن الملاحظ أن غالبية الباحثين عن وظيفة عبر الشبكة العنكبوتية يمكن تصنيفهم بأنهم أبناء الطبقة المتوسطة ممن تتيح لهم ظروفهم المعيشية أن يكونوا متصلين بالشبكة أصلاً. وعلى رغم أن فكرة العمل الصيفي ليست من المظاهر الشائعة في المجتمع المصري، يمكن رصدها وتحليلها من وجهة نظر اجتماعية واقتصادية بحتة. فهناك الشباب المرفهون الذين يختارون العمل صيفاً من أجل المتعة، ويتاح لهم ذلك في «مصنع بابي» أو «بوتيك مامي» أو «شركة أنكل». وهناك الشباب الباحث بحثاً مضنياً عن فرصة عمل في عمارة يتم بناؤها، أو سوبر ماركت لتوصيل الطلبات للزبائن. «الباشمهندس» خالد (20 سنة) اكتسب لقب الهندسة مجازاً، فهو طالب في كلية الهندسة في جامعة خاصة ودأب على الانضمام الى كتيبة المهندسين العاملين في مكتب والده خلال عطلة الصيف، أو بالأحرى في الأسابيع التي لا يمضيها في بيت العائلة في الساحل الشمالي. يقول خالد انه يستفيد من هذا العمل مادياً إلى حد ما، نظراً لأن والده يخصص له دخلاً شهرياً ثابتاً طيلة العام وكأنه من الأفراد العاملين في المكتب. يرتفع المبلغ لدى وجوده الفعلي في العمل. والحقيقة ان وجود خالد في المكتب الكبير يتيح له الحصول على خلاصة خبرات المهندسين الأكفاء، إضافة إلى خبرة والده الذي يعمل على تأهيله لتسلم مقاليد العمل بعد تخرجه في المستقبل القريب. إلا أن المستقبل القريب لا تبدو ملامحه بهذا القدر من الوضوح بالنسبة إلى شباب الوسط. فأبناء الطبقة المتوسطة هم الأقل بحثاً عن فرص عمل صيفية لسببين رئيسيين. الأول صعوبة العثور على عمل يرضي طموحهم أو على الأقل يوفر لهم الفرصة التدريبية التي يرجونها، والثاني أنهم ليسوا في حاجة ماسة إلى العائد المادي الإضافي، وهما سببان يستظلان بعدم رواج فكرة الأعمال الصيفية أصلاً. إيمان (19 سنة) ومجموعة من صديقاتها الطالبات في الفرقة الثانية في كلية التجارة فكرن في البحث عن فرصة عمل صيفية. وكان الطريق الوحيد المتاح أمامهن من خلال شبكة الإنترنت، لا سيما أنهن جميعاً ينتمين لأسر يعولها آباء وأمهات من الموظفين والموظفات الذين لا يملكون فرص إلحاق الأبناء أو المعارف بأعمال صيفية. «وجدت العديد من العروض عبر شبكة الإنترنت، لكن أغلبها يبدو غامضاً، لا سيما الإعلانات التي تطلب شابات فقط. أما الإعلانات الواعدة التي تنشرها شركات أو مؤسسات معروفة، فنرسل إليها الطلبات ولا نتلقى ردوداً. أغلب الظن أنهم يتلقون أعداداً كبيرة من المتقدمين، ولا يختارون إلا المتميزين جداً». هذا ما تقوله إيمان عن تجربة البحث عن عمل صيفي لم توفق فيها بعد. لكنها وجدت حلاً آخر لملء وقت الفراغ الصيفي بطريقة مفيدة، وإن كانت من دون عائد مادي مباشر: «وضعت إعلاناً على الفيس بوك أعرض فيها تبادل دروس اللغة، أي أن أعلم طالبة أجنبية تدرس في القاهرة العربية وتعلمني هي الإنكليزية أو الفرنسية. وقد تلقيت ردين قد أختيار بينهما الأنسب». علي (17 سنة) كان يمكنه الحصول على فرصة عمل في قريته التي تبعد عن القاهرة نحو 150 كيلومتراً، إلا أن بيع التين الشوكي الصيفي في شوراع القاهرة بدا الخيار الانسب أمامه للعمل في الصيف. والطبيعي بالنسبة الى علي وأخوته الخمسة العمل صيفاً شتاء جنباً إلى جنب مع الدراسة. فالعمل الصيفي بالنسبة للكثير من عائلات الفيوم، إحدى أفقر محافظات مصر، ليس اختياراً، لكنه السبيل الوحيد للإبقاء على الصغار في المدارس والمعاهد والجامعات شتاء. ويقول علي انه يعمل في الشتاء مع والده وأخوته في الزراعة. وعلى رغم قلة العائد المادي، فإن ذلك هو الحل الوحيد ليتمكن من الاستمرار في الدراسة في المعهد الفني في الفيوم. لكن عطلة الصيف تعطيه حرية الحركة لننتقل إلى حيث الرزق. وقد قدم هذا العام إلى القاهرة حيث يجول بعربة ليبيع التين الشوكي لسكان حي مصر الجديدة. وفي الصيف الماضي، انتقل إلى الإسكندرية حيث عمل في كافتريا، لكن العائد المادي كان ضئيلاً مقارنة بساعات العمل. يقول: «سمح لي صاحب الكافتريا بأن أقيم في الكافتيريا طوال الصيف، لكن هذا كان معناه أن أظل أعمل منذ تفتح الكافتريا أبوابها في العاشرة صباحاً إلى أن تغلق أبوابها فجر اليوم التالي».