عشرة ملايين دولار من الكونغرس واذاعة موجهة من براغ، هل تكفي لاسقاط نظام الرئيس صدام حسين؟ لقاء المصالحة في اميركا بين مسعود بارزاني وجلال طالباني هل يكفي لطي فصول داحس والغبراء بين الاخوة الأعداء الاكراد، بعد سقوط اكثر من ثلاثة آلاف قتيل في شمال العراق؟ وهل يكفي تصاعد التهديدات الاميركية بعقوبات اضافية على هذا البلد لاقناع صدام بالتراجع في المواجهة الحالية؟ اسئلة تتدافع مجدداً، وسط تكهنات بأن واشنطن تعد شيئاً للعراق ولن تكتفي بالوسائل التي باتت تقليدية بعد اختبارها على مدى ثماني سنوات. والارجح ان البيت الابيض الباحث عن سبيل للقفز من فوق ازمته المعروفة، سيجد العراق الآن، بأكراده وعربه، ساحة مثالية لاختراقها بخطط لن تفهمها او تعرف كلمة السر فيها سوى المعارضة العراقية التي قدمت امثلة كثيرة على عجزها وتفتتها. بعض هذه الخطط ربما عرضه المسؤولون في البنتاغون على بارزاني لپ"زعزعة" نظام صدام، الا اذا صدقنا ان وزارة الدفاع الاميركية مهتمة بخرائط لمناطق اقتسام النفوذ بين الاول وبين طالباني في الشمال. واذا ادعت واشنطن اليوم تحقيق خطوة مهمة من خلال عناق بين الزعيمين الكرديين، لن يمكنها اثبات نجاح سياستها في ابعادهما عن الحوار مع صدام، والذي بات قاسماً مشتركاً بينهما مثلما كانت انتفاضتهما عليه بعد حرب الخليج وهزيمة الجيش العراقي. الحوار لم ينقطع، يقر بارزاني وهو يرغب في استمراره، مطمئناً الى التزام الولاياتالمتحدة حماية الاكراد في الشمال من الجيش الذي كان استنجد به لطرد خصمه طالباني من اربيل. فلماذا يكون حوار مع صدام والهواجس على حالها، وفقدان الثقة بالنظام لم ينعدم؟ كذلك يشكك زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني بنجاح اي معارضة من خارج، وبالتالي بپ"المؤتمر الوطني" الذي رحّلته قواته والجيش من شمال العراق بعد عملية اربيل، وبالغطاء الاميركي الذي يمد المؤتمر بالاموال، وفي الوقت ذاته يطلب بارزاني غطاء حماية من الولاياتالمتحدة… من دون مقابل! يشكك بما يسمع عن خطتها لاطاحة نظام صدام، لكنه يرغب في بديل، اذا واذا… انها سياسة ثابتة اطارها الأدوار المتقلبة التي تجمع زعامات الاكراد من دون ان توحدهم: يد لصدام واخرى لواشنطن في مواجهته، ثم لأنقرة في مواجهة اوجلان، فوعيد بعدم الرضوخ لأي ضغط تمارسه من خلال تحريضها تركمان العراق على انتزاع "حقوقهم". والحال تنطبق ايضاً بأساليب اخرى على طالباني الذي لم يقل للعراقيين ولا المعارضين ما الجديد الذي يريده من الحوار مع صدام، وكيف يفسر مهادنته ثم مد اليد للاميركيين الذين يحرضون عليه بعشرة ملايين دولار. يصعب تصديق ان لقاءات بارزاني في واشنطن مع وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت ومستشار الرئيس لشؤون الامن القومي صموئيل بيرغر ومسؤولين في البنتاغون، كانت لمجرد التحضير لپ"قمة" المصالحة بينه وبين طالباني برعاية اميركية، واقناعهما باقتسام حقائب حكومة كردية جديدة، وعائدات الجمارك على حدود تركيا وايران لتوزيعها على اكراد العراق، الذين تكبدوا ثلاثة آلاف قتيل في حرب الأشقاء ولم يقتربوا من حلم الفيديرالية. وما دام الزعيمان مقتنعين بامكان انقاذ وحدة البلد، يفترض ان يثبتا قدرة على مقاومة التورط بخطط قد تؤدي الى تقسيمه بالفعل، تحت غطاء تفعيل المعارضة، وضخ ملايين من الدولارات لا يُعرف الى اي معارضة تُخصص