قال رئيس الحزب الديموقراطي الكردستاني السيد مسعود بارزاني إن كبار المسؤولين الأميركيين أكدوا له التزام إدارة الرئيس بيل كلينتون حماية المناطق الكردية في شمال العراق، وأنها لن تسمح بتعرض الشعب الكردي لكارثة أخرى. واكد ان حزبه ليس جزءاً من المحور التركي- الاميركي - الاسرائيلي. وشكك في إمكان نجاح خطة الكونغرس لدعم المعارضة العراقية، مؤكداً هشاشة المعارضة من الخارج. وحمل على حزب العمال الكردستاني، معتبراً أنه يحاول أن يفرض نفسه في شمال العراق بديلاً من القوى الحالية. وأضاف بارزاني ان علاقته مع تركيا نابعة من المصلحة المشتركة في مقاومة حزب العمال. وكان بارزاني يتحدث إلى "الحياة" في واشنطن بعد انتهاء محادثاته مع وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت ومستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي صموئيل بيرغر ومسؤولين آخرين، وعشية بدء زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني السيد جلال طالباني محادثات مع المسؤولين في واشنطن تمهيداً للقاء الزعيمين الكرديين الأربعاء والخميس في وزارة الخارجية تحت الرعاية الأميركية، بهدف تحقيق مصالحة بينهما. وأوضح بارزاني لپ"الحياة" أن محادثاته مع المسؤولين في وزارة الدفاع البنتاغون ومع أولبرايت وبيرغر ركزت على "مستقبل العراق وموقف الإدارة منه ومن المنطقة الكردية والمعارضة العراقية والمصالحة الكردية". وأضاف ان الإدارة الأميركية "ليست لديها أي نية للمصالحة مع النظام العراقي. وفي ما يتعلق بحماية المنطقة، أكدوا لي أنهم سيستمرون في ذلك ولن يسمحوا بأن يتعرض الشعب الكردي إلى كارثة أخرى. ونحن نعتبر هذا الموقف مهماً جداً". وزاد ان ما سمعه من أولبرايت وبيرغر هو ان الحماية مستمرة "وسيكون للأميركيين موقف ورد فعل تجاه أي اعتداء". واستدرك: "نريد أن يحمونا من كل التهديدات ومن كل مصادر التهديد. هم يركزون على العراق، لكننا طلبنا حمايتنا من كل مصادر التهديد". وبالنسبة إلى ما جرى بحثه في شأن المعارضة العراقية، قال بارزاني: "هناك مشاريع مطروحة للبحث في هذا المجال ومن وجهة نظر فيها، خصوصاً أن لدينا تجربة غنية جداً. وتصورنا أن أي معارضة من الخارج لا تستطيع أن تفعل أي شيء. وللأسف فقدت المعارضة فرصة ثمينة في الماضي. عرضنا للإدارة الأميركية وجهة نظرنا بصراحة تامة، واستمعنا إلى وجهة نظرها". وتابع: "وضعنا يختلف عن المعارضة في الخارج، كوننا نعيش في إطار العراق، والبديل بالنسبة إلينا أهم من إسقاط النظام أو بقائه، وإذا لم نتأكد من أن البديل سيكون ديموقراطياً يحقق الحل السلمي للشعب الكردي على أساسا الفيديرالية، من الصعب جداً علينا أن نساهم في أي مشروع، خصوصاً أن لدينا التزامات، فأي قرار نتخذه سيؤثر في مصير ملايين من الناس في الداخل. والموضوع حساس جداً ويجب أن يدرس بدقة. وأوكد مجدداً أن البديل أهم من أي شيء آخر". وأشار بارزاني إلى أن الموضوع نوقش مع الجانب الأميركي الذي طرح أفكاراً قدمها الكونغرس "وأبدينا وجهة نظرنا، وهي ان هذا المشروع غير ناضج". وشدد على أن "أي تنظيم أو حزب في العراق لا يمكنه أن يزايد على حزبنا الذي واجه الأنظمة العراقية وليس النظام الحالي فحسب، وتحداها عندما كانت في أوج قدرتها. حققنا الكثير من أهدافنا وعندما نحارب يجب أن نحارب من أجل هدف وليس كي يقال لنا أنتم محاربون جيدون". ورأى أن الملايين الخمسة أو العشرة التي خصصها الكونغرس للمعارضة العراقية لن تسقط النظام العراقي و"إذا كان هذا النظام سيسقط بخمسة ملايين دولار، فنحن مستعدون لدفعها". وعن طبيعة العلاقة بين حزبه وبين النظام العراقي، قال بارزاني: "الحوار بيننا لم يتوقف، لكنه لم يؤد إلى مرحلة نستطيع فيها ان نتفق على حل سياسي". وذكّر بمفاوضات عام 1991 التي توقفت وسحبت بعدها الحكومة العراقية إدارتها من المنطقة الشمالية. وأضاف: "لا أكشف سراً عندما أقول إننا طلبنا مساعدة الحكومة العراقية عام 1996 لأننا واجهنا تدخلاً خارجياً، والمساعدة العراقية جاءت رداً عليه". وتحدث عن مراحل الجهود التي بذلت لتحقيق المصالحة الكردية، وقال: "اتفقنا منذ بداية السنة على عقد لقاءات دورية، واتخذت خطوات عديدة ساعدت في ايجاد جو نفسي ايجابي إلى حد كبير. وقبل مجيئنا إلى الولاياتالمتحدة اطلقنا جميع الأسرى والموقوفين". وذكر أن اجتماعه مع طالباني برعاية أميركية سيعقد يومي الأربعاء والخميس و"سنبدي أقصى درجات المرونة للتوصل إلى حل معقول. ولكن يجب ألا تكون لدينا توقعات تتجاوز المعقول، خصوصاً أنه بعد أربع سنوات من القتال والسلبيات الأخرى، لا يمكن أن يمحى كل شيء بلقاء واحد". لكنه لفت إلى أن لقاءه طالباني "سيكون خطوة مهمة لوضع أساس جيد للخطوات المقبلة لتحقيق السلام" في شمال العراق. وعن مدى استعداده لمشاركة حزب طالباني في حكومة كردية انتقالية تمهد لانتخابات في شمال العراق، قال بارزاني: "نحن مستعدون للمشاركة على أساس انتخابات 1992، بمعنى أن تكون لدينا غالبية، لأننا حصلنا عليها في تلك الانتخابات. وقبلنا آنذاك المناصفة كي نتحاشى الحرب، وللأسف وقعت الحرب على رغم المناصفة". وأكد ان المناصفة مع حزب طالباني غير ممكنة الآن "لأن ذلك سيؤدي إلى قتال أسوأ من القتال السابق وإراقة المزيد من الدماء، وهذه الصيغة فاشلة اثبتت التجربة ضررها". وكشف أن الجانب الأميركي قدم مجموعة من النقاط التوفيقية، وأنه قبل بها، لكنه لاحظ ان النقاط الأميركية لا تدخل في التفاصيل، خصوصاً لجهة نسبة المشاركة. لكن بارزاني كرر أن لقاءه طالباني، وهو الأول من نوعه منذ أربع سنوات، سيكون مهماً، نافياً أن يكون سبب النزاع بين حزبيهما الخلاف على العائدات. وأشار إلى أن الاتحاد الوطني كانت له رئاسة وزراء الاقليم ووزارة المال وإدارة البنك المركزي و41 من موظفيه من أصل 44، مؤكداً ان المشكلة لم تكن مشكلة عائدات وان القتال حصل بسبب النزاع على السلطة. وعن وجود مقاتلي حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان في شمال العراق، ومدى تهديده، والمعلومات عن دعم يتلقاه من بغداد، قال بارزاني: "وجود حزب العمال هو ازعاج أكثر من كونه تهديداً يؤدي إلى تقويض الوضع القائم. هو يشكل ازعاجاً للمواطنين، ولم تكن هناك مشكلة بيننا وبين هذا الحزب في البداية. هم الذين خلقوا المشكلة وجاؤوا إلى المنطقة وتدخلوا في كل الأمور الداخلية وفي شؤون المواطنين. تركوا ساحتهم وأرادوا إقامة السلطة في منطقتنا، وتصرفوا كأنهم السلطة، وأرادوا أن يفرضوا أنفسهم كبديل للناس الموجودين والذين ناضلوا وقاتلوا وقدموا آلافاً من الشهداء كي يتمكنوا من تحقيق مكاسبهم". وأشار إلى تصريحات لأوجلان نشرتها الزميلة مجلة "الوسط"، و"أعلن فيها أن مهمته تدمير الكيان الموجود في كردستان العراق كونه يشكل خطراً على إيران وشمال العالم العربي، ويشكل خنجراً في خصارته. ولم نسمع من إيران اننا خطر عليها، ولا سمعنا من أي دولة عربية اننا خطر عليها، ولسنا خنجراً في خاصرته، كل ما في الأمر أنه ترك ساحته وجاء ليحكمنا، ولا نقبل بأن يحكمنا، وفي اللحظة التي يتركنا فيها ويكف عن التدخل في شؤوننا ويسحب مسلحيه من منطقتنا، لن تكون لنا أي مشكلة معه". وفي شأن المعلومات عن الدعم العراقي لحزب أوجلان، قال بارزاني: "سمعنا هذه الأخبار، لكنني لا أتصور أن الحكومة العراقية تقامر بمصلحتها إلى درجة تقديم الدعم له، ولا أفهم ما هي الفائدة والمنفعة لها. نحن نراقب الوضع، وعندما نتأكد في شكل قطاع من وجود هذا الدعم أو عدم وجوده، سنعلن ذلك في الوقت المناسب". ووصف الزعيم الكردي علاقاته مع تركيا بأنها "جديدة تكونت بعد عام 1991"، وقال إن "تركيا منفذ للمنطقة، والخروج أو الدخول إلى اقليم كردستان هو في معظمه عن طريقها، وفي البداية كانت المنظمات الخيرية تنقل المساعدات من خلال تركيا، والقوة المسؤولة عن حماية المنطقة كانت ولا تزال مرابطة في تركيا". وأضاف: "نقرأ في بعض الصحف العربية مبالغات كثيرة جداً عن العلاقة بيننا وبين تركيا، وفي بعض الأحيان نصوّر كأننا جزء من المحور التركي - الأميركي - الإسرائيلي. والحقيقة أن لا أساس لهذه التصورات والاتهامات اطلاقاً، ولسنا جزءاً من هذا المحور. وعلاقاتنا مع تركيا تنحصر في مواجهة الارهاب الذي يواجهها من جانب حزب العمال. هذه هي النقطة المشتركة التي تجعلنا نتعاون مع تركيا. وفي اللحظة التي تنتهي فيها هذه المسألة فلن يبقى مبرر للتدخل التركي وسنوقف أي عملية مشتركة بيننا". وسئل بارزاني عما يتردد عن وجود إسرائيليين في شمال العراق، فأجاب: "أنكر هذه المعلومات وأتحدى الذين يروجون لاشاعات ان يثبتوا ما يدعونه. إنها محض افتراءات". وعن وضع التركمان في العراق واحتمالات استخدامهم من جانب أنقرة لتوسيع نفوذها، قال بارزاني: "لو كانت هناك نية من هذا النوع لن يُكتب لها النجاح أبداً. التركمان مواطنون عراقيون يعيشون في العراق وفي كردستان العراق، ولهم حقوق، وهذه الحقوق مؤمنة ويمارسونها بكل حرية. لذلك لسنا بحاجة إلى أحد كي يذكّرنا بحقوقهم، ولن نعطي هذه الحقوق تحت ضغط أي جهة. إن استخدام ورقة التركمان هو ضد مصلحتهم وضد مصلحة المنطقة، وإذا حصل ذلك، فسيكون تصرفاً خاطئاً لن يكتب له النجاح أبداً"