ثمة اخبار غير فضيحة مونيكا لوينسكي، وقد جمعت على مدى اسبوعين كل ما توافر لي عن استقالة الاميركي سكوت ريتر من فريق التفتيش الدولي العامل في العراق اونسكوم. وأمامي الآن 20 خبراً اميركياً او تعليقاً من اصل حوالى 40 قرأتها كلها، ووجدت انها تناولت كل شاردة وواردة باستثناء واحدة لو فكر القارئ العربي قليلاً لوصل اليها من دون مساعدة، فهي اتهام ريتر بأنه جاسوس العدد الحالي من مجلة "نيوزويك" كان الاستثناء الوحيد في خبر من بضعة اسطر. كان العراق اطلق التهمة، من دون ان تعني شيئاً، الا ان الصحافة الاسرائيلية الشهر الماضي تجاوزت ان يكون ريتر جاسوساً لبلاده، فهو ضابط سابق في مشاة البحرية المارينز ويفترض ان يتجسس لبلاده، وأشارت الى تقارير عن احتمال ان يكون سرّب معلومات عن الاسلحة العراقية الى اسرائيل. القارئ العربي لا يعنيه من أمر ريتر شيئاً غير هذه النقطة، ومع ذلك فالصحافة الاميركية وجدت ان كل نقطة غير هذه في استقالة ريتر مهمة. وإذا كان لنا ان نزيد نقطة اخرى تهمنا، قبل استقالة ريتر وبعدها، فهو ان كل كاتب اميركي يدعو الى استمرار محاصرة العراق، او الى توجيه ضربة عسكرية له، هو اما يهودي اميركي من انصار اسرائيل، او معروف بمعاداة العرب وكرههم، او يعمل في واحد من مراكز الابحاث المعروفة بعلاقتها مع اسرائيل. المهم من كل هذا ان ريتر كتب مقالاً يشرح فيه اسباب استقالته، جعل عنوانه "القشة الاخيرة"، أي القشة التي قصمت ظهر البعير. هذا البعير لا يكشف شيئاً جديداً، وانما يكرر زعمه انه حاول تفتيش موقعين "حددتهما لي مصادر استخباراتي"، كما يقول، وان رئيسه ريتشارد بتلر اقترح عليه بدء التفتيش في الثالث من آب اغسطس، ثم أرجئ التفتيش الى العاشر من الشهر. غير ان بتلر الغى التفتيش تحت ضغط وزارة الخارجية الاميركية بعد ذلك وأمر ريتر بالعودة الى نيويورك. ورد بتلر على ريتر وانتقد شهادته في مجلس الشيوخ وشكك فيها. طبعاً ريتر لم يشر الى تهمة التجسس، وأعضاء الكونغرس الديموقراطيون الذين انتصروا لوزيرة الخارجية مادلين اولبرايت ووبخوه، لا يشيرون اليها. كذلك تهملها تماماً اخبار الصحف الاميركية وتعليقاتها بعد استقالة ريتر، فأنصار اسرائيل كلهم انتصروا له، ووجدت الادارة من يدافع عنها، من دون اي اشارة الى علاقة محتملة لريتر مع اسرائيل. غير ان خلفية الاستقالة اوسع من ان تفسر بمشكلة رجل واحد، فنائب رئيس الوزراء العراقي السيد طارق عزيز اعلن في الثالث من آب وقف التعاون مع فريق التفتيش الدولي. واتبع العراق هذا الموقف بخطوات محددة، ففي 16 آب منع المفتشون الدوليون من دخول موقع بحجة انه موقع عسكري. وفي أول هذا الشهر منع المفتشون من دخول موقع آخر بحجة انه ليس من المواقع التي سبق ان اتفق على تفتيشها. وخلاصة الموقف العراقي ان التفتيش اكتمل ولم تبق في العراق اسلحة دمار شامل لذلك يجب رفع العقوبات الدولية. ولكن حتى لو صدقنا قول العراق انه لم تبق لديه اسلحة دمار شامل، فان نتيجة موقفه التالي بمنع التفتيش هي عكس ما يريد العراق، لأن مجلس الأمن الدولي، غير المقتنع اصلاً بأن اسلحة العراق دمرت، اوقف مجرد مراجعة العقوبات على العراق، ما يعني استمرارها من دون نهاية. ولعل ما دفع العراق الى تحدي الأممالمتحدة من جديد، بعد مواجهة آخر السنة الماضية، هو شعوره بأن المراجعة غير ذات معنى، وان العقوبات باقية، وبالتالي ليس عنده ما يخسره، وشعوره الموازي بأن الولاياتالمتحدة لن تستطيع توجيه ضربة عسكرية كما كادت تفعل في مطلع هذه السنة، لسقوط التحالف ضد العراق وتزامن ذلك مع مشاكل بيل كلينتون التي تؤذن بسقوطه. وفي هذا المجال، قد لا يكون العراق مخطئاً كثيراً، بل انه يلتقي مع ريتر في موقفه، فقد قال هذا بعد ان وبّخته السيدة اولبرايت علناً واتهمته بأنه لا يفهم شيئاً في السياسة الخارجية، انه ربما كان الأمر ان الوزيرة لم ترد دفع الامور نحو مواجهة مع العراق، لأنها تعرف ان الخيار العسكري غير موجود... يعني انها لم تهدد العراق خوفاً من ان يقبل العراق التحدي فتبدو الادارة الاميركية عاجزة عن الرد. كل هذا ممكن، الا انه لا يتبعه ان العقوبات على العراق سترفع، فهو قد يسجل نقاطاً ضد الادارة الاميركية، الا ان الادارة تستطيع في المقابل ان تبقي العقوبات الى ما لا نهاية، مع استعماله الفيتو في مجلس الأمن. لذلك ربما كان على النظام العراقي مراجعة حساباته، وانتهاج سياسة تؤدي في النهاية الى رفع العقوبات عن شعب العراق، وانهاء معاناته المستمرة. ولكن هل يريد النظام العراقي هذا؟ اليوم يبدو انه يفضل مواقف "عزّ" لا تطعم "الرز"، بدل انتهاج سياسة عملية تؤتى ثماراً حقيقية في النهاية