عندما صدّت شركة "أميركا اون لاين" مغازلة شركة "اي تي أند تي" العملاقة لها الشهر الماضي ورفضت عرضها للاندماج، لم يخطر ببال كبار العاملين في "أميركا اون لاين" ان "اي تي اند تي" ستعقد بعد فترة وجيزة صفقة تزاوج مع أكبر منافس محتمل لها في المدى الطويل في مجال خدمة التقنية الفورية، هي شركة "أت هوم كورب". ومعلوم ان "ات هوم" تسوّق خدمة "انترنت" بالغة السرعة وتوصلها بواسطة أشرطة الكيبل التلفزيونية. وبموجب صفقة التزاوج ستتملك الشركة العملاقة 42 في المئة من أسهم "ات هوم" من خلال تملكها للشركة "تلي الذي تم كوميونيكيشنز"، الذي تم الاسبوع الماضي لقاء 31.8 بليون دولار. وبالكاد يستطيع المراقب ان يعتبر "ات هوم" قوة لافتة للنظر في الوقت الحاضر إذ لا يتجاوز عدد المشتركين فيها المئة ألف، فيما مصادر "أميركا أون لاين" تقول انها تخدم 12 مليون مستخدم في الولاياتالمتحدة أي أكثر من نصف سوق الأسر الأميركية المستخدمة للخدمات الفورية. والواضح ان جبهة جديدة بدأت تنشأ في خضم حروب "انترنت"، فيما تتبلور الخدمات التي تسمى خدمات الموجات العريضة مثل خدمة "ات هوم" التي تنقل بسرعة تزيد على سرعة أجهزة الموديم التقليدية بنسبة تراوح بين 20 ضعفاً ومئة ضعف. وتعتبر تلك سرعة كافية لتقديم خطوط أو تخطيط غني وامدادات فيديو، ولوضع حد للصبر الذي يعانيه معظم مستخدمي خدمات التقنية الفورية اون لاين في الوقت الراهن. ومن أكثر الحروب تجلياً في عالم الموجات العريضة حالياً تلك القائمة بين منتجي التكنولوجيا. وعلى سبيل المثال تدور رحى معركة حامية بين أنظمة الكيبل - الموديم وخدمة جديدة بالغة السرعة توصل ب "انترنت" بواسطة خطوط الهاتف العادية تدعى "خطوط المشتركين الرقمية". ويوجد انقسام حتى في صناعة الكيبل فثمة جماعة تدعم "أت هوم" وأخرى تدعم "رود رانر" وهي خدمة كيبل - موديم تقدمها شركة "تايم وورنر". وهناك استعدادات محمومة تجري لحرب ستكون أشد ضراوة وتدور رحاها حول خطوط الموجات العريضة ومدى اتاحتها للشركات التي تقدم خدمة "اون لاين" أخرى، أم ان هذا الوصول سيكون حكراً على الشركات التي يختارها مشغل النظام كما هي الحال الآن، اذ تختار أنظمة الكيبل القنوات التي يستخدمها المشغل للخدمة. ولهذا لا يستغرب المراقبون ان يرغب كل من "أت هوم" و"رود رانر" في استخدام اشرطتهما للترويج لخدماتهما الفورية التي تتناول تقديم الأخبار والمعلومات والترفيه. وربما تساءل المرء اذا كانت هذه المسألة ذات أهمية بالفعل، والجواب هو ان أهميتها تشبه تلك التي دفعت شركات اعلام عملاقة مثل "وولت دزني" و"ان بي سي" التابعة لشركة "جنرال الكتريك" لشراء خدمات "انترنت" إذ من البيِّن ان الذي يسيطر على الباب الذي يدلف منه المستخدمون في تجوالهم على "انترنت"، أو الذي يسيطر على "الباب العالي"، كما تقول أوساط العاملين في هذا الحقل، سيسيطر على أكبر حصة من عائدات الاعلان والتبضّع. وستسيطر على الباب العالي أية جهة تبيع صلة الوصل ب "انترنت" كما تفعل "أميركا اون لاين" و"ات هوم". وبعد بضع ساعات من اعلان الصفقة بين "اي تي أند تي" و"تي سي آي" تلي كوميونيكيشنز أصدر رئيس مجلس ادارة شركة "أميركا اون لاين" ستيف كيس بياناً تحدى فيه صفقة "أت هوم" الخاصة بها دون غيرها لتقديم البرامج بالسرعة البالغة بواسطة كابلات "تي سي آي"، وتحدى فيه "اي تي أند تي" ان تسمح لخدمته بتقديم وصلة كامب - موديم بالغة السرعة وان باسمها. ولم يثلج هذا البيان صدور العاملين في "ات هوم". وفي مقابلة أجريت مع رئيس مجلس ادارتها تماس جيرمولاك الاسبوع الماضي، قال: "ان "اي تي ان تي" مهووسة بأن تسيطر وحدها دون غيرها على الباب العال. لكن في عالم الموجات العريضة يرغب مقدم الخدمات والتسهيلات في المشاركة في العائدات المتأتية من الاعلان على الشبكة وقيام المستخدمين بالشراء". وهناك مشكلة اخرى تواجهها شركة "ات هوم" تتمثل في ان اقلية من اسهمها هي موضع تداول عام. اذ زادت قيمة الشركة في سرعة كبيرة حتى اصبحت 4.2 بليون دولار على رغم تكبّدها خسائر فادحة لأن المستثمرين اعتبروا ان فيها قوة كامنة بسبب عقودها الخاصة مع "تي سي آي" ومع انظمة كيبل اخرى. ومما لا شك فيه ان بوسع مستخدمي "ات هوم" استخدام موديم الكيبل للوصول الى "اميركا اون لاين" او اية خدمة اخرى من خدمات "انترنت" بسرعة فائقة، وبصرف النظر عن قدرته التقنية، حتى وان كانت "ات هوم" تسيطر على الصفحة الاولى العرض الاول التي يراها هذا المستخدم. ولا يختلف اثنان على قدرة مستخدم "اون لاين" على التوصل فورياً الى اي موقع آخر على "انترنت" لكن التجارب اظهرت ان معظم المستخدمين يعتمدون ما يظهر في العرض الاول للشاشة بصرف النظر عن "طبيعته". لكن "ات هوم" لا ترغب في ان تركن الى الانتظار على أمل التغيير. فمنذ فترة وهي تطوّر مضموناً جذاباً بالاعتماد على سرعة تقديم خدماتها. فاخبارها وخدمة المعلومات لديها على سبيل المثال، تتضمن خطوطاً اكبر بكثير من خطوط الآخرين كما ان الوانها اكثر وضوحاً من خطوط الخدمات الاخرى المنطلقة من "انترنت"، اضافة الى انها تقدم مجموعة كبيرة ومتنوعة من افلام الفيديو كليب القصيرة من مصادر مثل "سي ان ان". وقال جيرمولاك ان ما يدل على جاذبية التطور الباهر لخدمة التقنية السريعة من خلال "آت هوم" ان نصف زبائن "آت هوم" كانوا زبائن "اميركا اون لاين" وان معظمهم تخلى عن خدمة "اون لاين" حالما تعوّد على تطور الكيبل. وخلص جيرمولاك الى انه سيكون على "اميركا اون لاين" التخلي عن حلمها في ان تكون الباب العالي الوحيد في عالم الموجات العريضة. واضاف "نحن نصل الى المنازل واذا كانت "اميركا اون لاين" ترغب في دخول المنازل بالموجات العريضة فسيتعين عليها ان تتعاون معنا". روبرت بيتمن، رئيس شركة "اميركا اون لاين" قال انه لا يشعر بأي قلق على رغم الاحتجاجات على عزل الكيبل الحالي، واوضح "الموجات العريضة غير مهيأة حتى الآن للاستفادة من مواعيد البث الافضل". واضاف انه بصرف النظر عن رغبة المستهلكين في سرعة التوصيل، لن تنطلق خدمة الموجات العريضة ولن تفلح الى ان يتراجع سعرها عن مستواه الحالي، وهو 40 دولاراً في الشهر الواحد، والى ان يتمكن المستخدمون من الوصول الى اهدافهم على الشبكة بسهولة ومن دون حاجة الى فني يزور المنازل كما تتطلب التكنولوجيا الراهنة. وقال بيتمن ان "اميركا اون لاين" تقدم افضل خدمة للموجات العريضة في العالم ما سيجعل شركات الكيبل والهاتف تسعى حثيثاً الى التوصل الى اتفاق مع خدمة "اون لاين". واضاف: "في آخر المطاف لا تفوز الاّ الحجج الاقتصادية فلأن لدينا عدداً كبيراً من المشتركين، نملك قوة شرائية كبيرة". واستطرد بأن استراتيجية "اي تي أند تي" التي تبيع خدمات الهاتف الكيبل وانترنت في صفقة واحدة، ستكون غير فعّالة في آخر المطاف.