هذه المرة تبدو الرسالة الأميركية الى القيادة العراقية أوضح من أي وقت. فحواها انه إذا كان النظام يريد البقاء في السلطة برموزه الحالية على رأسها الرئيس صدام حسين، عليه ان يتعايش مع العقوبات الدولية. وبكلام آخر ان الادارة الأميركية على استعداد لقبول النظام الحالي في العراق ما دام نظام العقوبات قائماً. ثمة اشارتان صدرتا في اتجاه العراق تؤكدان ان العقوبات لن ترفع ما دام صدام في السلطة، كانت الأولى المحاولات التي تبذلها الادارة الأميركية حالياً لإعادة تجميع المعارضة العراقية وتنظيمها مع التشديد على فكرة تقديم الرئيس العراقي الى المحاكمة. والواضح ان القاصي والداني يدرك مدى فعالية هذه المعارضة أو على الأصح مدى عقمها في ضوء التجارب التي شهدتها السنوات الأخيرة. واذا كان من معارضة جدية، فإن هذه المعارضة شيعية وهي في معظمها أقرب الى طهران من واشنطن، فهل ان الادارة الأميركية على استعداد للعب هذه الورقة الآن؟ اما الورقة الكردية فانها تبقى لعبة معقدة غير مضمونة النتائج خصوصاً ان ليس ما يشير الى استعداد حقيقي لدى مسعود بارزاني أو جلال طالباني لاعتبار النظام العراقي خصمه الأول في ضوء الحزازات العميقة الموجودة بينهما. الاشارة الثانية في اتجاه العراق تتمثل في فشل المهمة الأخيرة لريتشارد بتلر، حتى انه بدا أن هدف رئيس اللجنة المكلفة نزع أسلحة الدمار العراقية هو الاعلان مسبقاً عن أنه لم يحقق تقدماً، وذلك بغض النظر عن أي معطيات حقيقية على أرض الواقع. ويمكن حتى القول ان بتلر رفض الدخول في التفاصيل وجاء الى بغداد من أجل القول ان العراق لا ينفذ المطلوب منه، بغض النظر عما إذا كان نفذ أو لم ينفذ وان المطلوب استمرار العقوبات. مشكلة النظام العراقي تكمن، بكل بساطة، في أنه على استعداد لقبول أي شيء في مقابل البقاء في السلطة، خصوصاً في هذه المرحلة التي تبدو فيها الادارة الأميركية مشلولة وغير قادرة على اتخاذ أي قرار جريء في اتجاه بغداد، ان لجهة الاعتراف بأنها لم تستطع القضاء على النظام أو لجهة الاقدام على عمل من نوع مختلف يمكن أن يؤدي فعلاً الى اطاحته، أو القول صراحة ما هو المطلوب منه فعلاً لرفع العقوبات. انه وضع يروق للجانبين. والمأساة الحقيقية هي تلك التي يعيشها الشعب العراقي الذي لا يكفيه الثمن الذي يدفعه بسبب الحال التي أوصله اليها النظام، بل عليه ان يدفع أيضاً ثمن الشلل الداخلي الأميركي وانشغال الرئيس كلينتون بقضاياه الشخصية. هل من حظ عاثر لشعب أكثر من هذا الحظ