برز بعدٌ خرافي لمعركة البقاء في السلطة بتداخل أساليب المطالبة بالتنحي عن المنصب وكيفية مقاومتها، كما بتداخل اجراءات الرجال الثلاثة الذين يريد بعضهم اسقاط الآخر: الرئيس الأميركي بيل كلينتون، الرئيس العراقي صدام حسين، والرئيس التنفيذي للجنة "أونسكوم" ريتشارد بتلر. معركة إقالة كلينتون أو بقائه في السطة لا علاقة لها أساساً بالسياسة الأميركية حيال العراق، لأن الرئيس الأميركي يُحاكم على تصرفات شخصية خرقت القوانين والتقاليد الأميركية. لكن توقيت بدء العمليات العسكرية الأميركية ضد العراق ادخل صدام عنصراً في المعركة الداخلية لكلينتون. فأميركا المنقسمة على اجراءات عزل رئيسها وعلى توقيت العملية العسكرية ومبرراتها، تضع انقاساماتها وراءها عندما يتعلق الأمر بقواتها المسلحة. فالحرب السياسية شيء، والحرب الحقيقية شيء آخر لدى الأميركيين. وأمس كان يوماً سوريالياً، إذ حصل تزاوج بين الحربين، وكذلك بين محاولات الإطاحة. كلينتون أوضح ان الهدف الأميركي، في نهاية المطاف، هو ايجاد نظام بديل في بغداد، متجنباً القول علناً أن عملية "ثعلب الصحراء" جزء من هذا الهدف. لكن صدام مقتنع بأن محاولات اقالته الآن باتت عسكرية، وبالتالي سقطت أية حسابات للتهادن كانت قائمة سابقاً بين الرجلين، بين حين وآخر. محاولات تمسك صدام بالسلطة تأخذ أكثر من بعد سياسي وعسكري، فالاجماع في مجلس الأمن سقط، وروسيا بالتحديد تلعب دوراً قد يوحي للرئيس العراقي بالمزيد من المغامرة. وإذا لم يتسن للعمليات العسكرية الأميركية - البريطانية تدمير البنية التحتية العسكرية في العراق، تبدو الاستراتيجية العراقية رهاناً على اطالتها بما يسفر عن نقمة عربية وإسلامية ضدها. فمعركة البقاء في السلطة دخلت منعطفاً جديداً بعدما خرجت من خانة الاحتواء السياسي إلى خانة الاحتواء العسكري الدموي. الرجل الثالث في معادلة الإقالة والاستقالة والبقاء، أقل مركزية من الرجلين الآخرين، وهناك من يعتبر بقاءه في المنصب هامشياً وموقتاً. بتلر خسر كثيراً في المعركة الأخيرة، فالدعوة إلى استقالته أو إقالته لم تعد عراقية بحتة، بل تشمل روسيا والصين بتعابير مختلفة. ومع احتفاظه بثقة الولاياتالمتحدة وبريطانيا، بات بتلر لاعباً ولعبة في المعادلات السياسية للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. لكنه يرفض الاعتراف بذلك ويقول بكل حزم إنه لن يستقيل ولم يتلق طلباً رسمياً بالاستقالة. بتلر يعلن أنه لن يستقيل ويرجح أنه لن يُقال، وكلينتون يعلن أن الاستقالة لم تخطر في باله وهو يقاوم بكل وسيلة محاولات عزله وإقالته. أما صدام فلا يسمح بدخول تعبير الاستقالة قاموسه السياسي، والعامود الفقري في حساباته هو احباط أي اجراء لإطاحته. فكلمة العزل أو الإقالة وكذلك الاستقالة خرافية في القاموس السياسي العراقي