الاميركيون انفسهم يقولون ان التحقيق في انفجاري نيروبي ودار السلام مستمر، ثم يقولون هم انفسهم ان اسامة بن لادن مسؤول عن الانفجارين، او هو المشتبه به الأول فيهما. ولكن الاميركيين قبل انتهاء التحقيق، وقبل ثبوت علاقة ابن لادن بالانفجارين، نفذوا غارات على اهداف "ارهابية" في السودان وأفغانستان. كيف يصدر حكم قبل نهاية التحقيق؟ عندما يكون الهدف، أو المستهدف، عربياً او اسلامياً تتصرف الولاياتالمتحدة على طريقة صدام حسين، فهي تعدم المتهم ثم تحاكمه ومن يدري فقد ترد له اعتباره يوماً كما فعل صدام حسين غير مرة. اسامة بن لادن ارهابي ولا جدال، الا انه ارهابي صنع في اميركا، او اذا شئنا الدقة صنعته اميركا، فهو الرجل نفسه الذي كان "مقاتلاً في سبيل الحرية" ضد السوفيات في الثمانينات، والذي تحول ارهابياً عندما افترقت طريقه عن طريق اميركا في التسعينات. ومع ثبوت تهمة الارهاب، تخطيطاً وتنفيذاً وتشجيعاً، على ابن لادن، فان التهم الاميركية الاخيرة هذه لا تخلو من شطط. ومثل واحد يكفي ففي القائمة التي وزعتها مصادر اميركية، ونشرتها صحف كثيرة في الشرق والغرب، اتهم ابن لادن بالمسؤولية عن انفجار الخبر سنة 1996 الذي راح ضحيته 19 اميركياً. ولكن الاميركيين كانوا على مدى سنتين، وحتى غاراتهم على السودان وأفغانستان، يلمحون من دون دليل على ان ايران وراء انفجار الخبر. كيف تكون ايران وابن لادن وراء انفجار الخبر؟ اسامة بن لادن في حماية طالبان في افغانستان، وطالبان على حرب مع ايران، وتحتجز 11 ديبلوماسياً ايرانياً تطالب بهم الحكومة الايرانية التي تتهم طالبان بالارهاب. بكلام آخر لا يمكن ان يتفق ابن لادن مع ايران على شيء، فاما ان يتهم الاميركيون ايران او يتهموا ابن لادن. والحقيقة طبعاً لا يعرفها سوى المحققين السعوديين، وهؤلاء وحدهم يستطيعون ان يتهموا طرفاً او اكثر، وان يقدموا الأدلة الكافية للادانة. الا ان التحقيق السعودي لم يصدر بعد، والارجح انه لم يكتمل، وما قاله وزير الداخلية الامير نايف بن عبدالعزيز ونائبه الامير احمد بن عبدالعزيز اشار الى تنفيذ سعوديين الانفجار، من دون تفصيل، فهذا سيتضمنه النص الرسمي المنشور للتحقيق. والمعروف ان السعوديين رفضوا، بدواعي السيادة، ان يشارك الاميركيون في التحقيق، بل رفضوا ان يحضروه، ما يعني ان كل التسريبات الاميركية عن الانفجار اشاعات لا اكثر او أقل. من ناحية اخرى، بين يدي تقرير يحمل تاريخ 19 من هذا الشهر بعنوان "ماذا نستطيع ان نفعل مع ابن لادن" صادر عن مركز ابحاث يهودي اميركي يؤيد اسرائيل، يطرح الامكانات المتاحة للادارة الاميركية، بما فيها الخيار العسكري، وأنا لم انته من قراءة التقرير حتى كان الاميركيون يضربون في السودان وأفغانستان في 20 من هذا الشهر. ومرة اخرى، فأسامة بن لادن ارهابي، الا ان التقرير يكرر تهماً غير ثابتة ضده من المشاركة في انفجار مركز التجارة العالمي في نيويورك، الى انفجار الخبر، وكل ما بينهما. وهو يقول ان الخيار السياسي هو من نوع الضغط على طالبان لطرده من افغانستان، كما نجح الضغط على السودان سنة 1996 في ابعاده الى افغانستان. وفي هذا المجال، فالتقرير يشير الى ان ايران وكل الدول المحيطة بأفغانستان تعادي طالبان، ولكن لا يوضح كيف يستقيم هذا العداء وربط ايران وابن لادن معاً بانفجار الخبر. اما الخيار العسكري فيراه التقرير صعباً، الا انه غير مستحيل، وهو سيكون من نوع العملية ضد ليبيا سنة 1986، بعد اتهامها بانفجار مقهى "لابل" في برلين ولا يقول التقرير طبعاً ان مسؤولية ليبيا عن ذلك الانفجار لم تثبت . ويقترح التقرير بعد ذلك خياراً ثالثاً هو محاكمة ابن لادن الارهابي في اميركا او كينيا او تنزانيا، وهو اقتراح عجيب، لأن التحقيق في الانفجارين لم ينته بعد. هناك قانون معروف في اميركا خلاصته انه اذا دين انسان في جريمة، ان في الرأي العام او الصحف، قبل محاكمته، تبطل المحاكمة. لكن هذا القانون ينطبق على اميركي ابيض مسيحي او يهودي، ولا ينطبق على مسلم من أي جنسية فهذا متهم قبل ان يغادر بيته، ومدان قبل ان يرجع اليه. في مقابل التهم العشوائية هناك شيء اكيد هو ان الضربة الاميركية الاخيرة ضد الارهاب ستحقق عكس المطلوب، فهي لن تضعف الارهاب او تفت في عضد الارهابيين، وانما ستكون الوقود لمزيد من الارهاب ضد الولاياتالمتحدة وحلفائها. وفي هذا المجال، هناك كلمة اخيرة لبريطانيا فهي سارعت الى تأييد الضربة الاميركية، كما فعلت مع كل سياسة اميركية او موقف بطريقة تكاد تكون رد فعل عصبياً، اكثر منه سياسة مستقلة. ولكن تأييد الحكومة البريطانية الارهاب الاميركي المضاد سيعني تعريض مصالح بريطانيا حول العالم الى خطر الارهاب دونما سبب سوى التأييد الاوتوماتيكي لكل قرار اميركي. وكان يجدر بالحكومة البريطانية ان تلزم الصمت، وأن تركز على مكافحة الارهاب في ايرلندا الشمالية، فالطريقة الوحيدة للتعامل مع السياسة الاميركية هذه الأيام هي بالبعد عنها