كلما شهدت دولة في افريقيا حركة تمرّد او انقلاب، كان على اللبنانيين المنتشرين بكثافة في معظم الدول ان يدفعوا ثمناً باهظاً يوازي ثمن ابناء الدولة الحقيقيين، المنقلَب عليهم، او ربما اكثر، اذ ينهال المتمردون والانقلابيون على نهب ارزاق اللبنانيين ومحالهم التجارية فيسعون خوفاً وهلعاً هاربين الى لبنان على حسابهم تاركين وراءهم "جنى العمر" و"لقمة العيش". فالمأساة نفسها تكررت ووصل، هرباً، من الكونغو مئات المغتربين اللبنانيين الى بيروت في طائرة نيجيرية استأجرتها الجالية وأقلّتهم في رحلتين اخرهما وصلت فجر اول من امس وفيها نحو 200 لبنانياً كان في استقبالهم المدير العام لوزارة المغتربين هيثم جمعة والنائب الاول لرئيس الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم احمد ناصر. وتحدث بعض العائدين عن الاوضاع في مناطق الكونغو موضحين "ان كل اللبنانيين في خير ولكن يعانون قلقاً دائماً نتيجة تدهور الاوضاع هناك". ومعظم العائدين من بلدات قانا وكفرا وعيناتا وغيرها في الجنوب. ووصف التاجر حسين عبادي من كفرا 28 عاماً الرحلة من كينشاسا الى بيروت ب"الصعبة بعد انتظار اكثر من ثماني ساعات في المطار حتى اجريت اتصالات على اعلى المستويات لان محيط المطار كان محفوفاً بالمخاطر"، مشيراً الى "صعوبة مغادرة البلاد، وإن كان الافراد قادرين على تأمين طائرة فالأمر يتطلب اتصالات وهذا ما أمّنه رئىس الجالية اللبنانية عبد الستار عاشور". وعن الاسباب التي دفعتهم الى الرحيل، اجاب "حتى الساعة لا خطر حقيقياً. ولكن الاميركيين والفرنسيين والانكليز وغيرهم سحبوا جالياتهم من هناك، فكيف نبقى، اضافة الى انقطاع الماء والكهرباء وخصوصاً ان درجات الحرارة مرتفعة هناك، ولا يمكن العيش من دون مكيّفات هواء لأن الامراض تتفشّى سريعاً، ففقدنا الطمأنينة وعدنا". وأوضح حسين فاعور "ان السفارة اللبنانية هناك لا حول لها ولا قوة ولا امكانات لديها لتساعدنا، في حين ان السفارات الاجنبية نقلت رعاياها واللبنانيين الذين يحملون جوازات سفر اجنبية، اما اللبنانيون فدبّر كل واحد حاله بحاله". وأشار الى "ان عدد أفراد الجالية اللبنانية هناك نحو ألفين. ثمانون في المئة منهم في العاصمة كينشاسا وعشرون في البرّ وبقي منهم هناك نحو 350 على امل الانفراج، رافضين ترك املاكهم للنهب كما حصل في احداث دول اخرى"، معتبراً "ان الاوضاع اذا هدأت سنعود، ومن لا بديل عنده سيعود". وقال ناصر ل"الحياة" لديه اعمال تجارية هناك "ان نسبة العمل في كينشاسا تعطلت نهائياً او بقي من نسبتها 5 في المئة وأن الخسائر الان هي مكسب العمل اليومي ولم تنهب بعد المحال التجارية"، مؤكداً "ان اللبنانيين غير مستهدفين هناك لانهم لا يشكلون الغالبية الساحقة، اضافة الى انهم لم يذهبوا مستعمرين وهجرتهم الى افريقيا تزيد على قرن من الزمن". وأوضح "ان معظم اللبنانيين يعيشون هناك في اوضاع مريحة وساهموا في بناء البلاد، صناعة وتجارة، وأصبحوا جزءاً من تلك الدول كما قال احد الرؤساء الافارقة". واعتبر "ان احد الاسباب الكبيرة، التي ساعدت لبنان على الوقوف بعد الحرب، تواصل المغتربين، وخصوصاً في افريقيا، مع اهاليهم وإدخالهم عملة صعبة الى لبنان"، مشيراً الى "متغيرات في افريقيا. وكلما حدث تمرّد يُفقد النظام والقانون وتجرى حملات النهب والسرقة ويكون اللبنانيون في الواجهة".