أصابت شركة «طيران الشرق الاوسط» عصفورين بحجر واحد حين قررت تحويل خطها الصيفي الموقت من بيروت الى بروكسيل، خطاً دائماً يفتح الاجواء اللبنانية على «العاصمة الادارية» للاتحاد الاوروبي، ومنها الى أجواء القارة السوداء التي تحتضن آلاف المغتربين اللبنانيين ولا سيما اولئك الذين تشكل بروكسيل محطة تجارية أساسية لأعمالهم. والخط المباشر الدائم الذي دشنته الشركة اللبنانية «ميدل إيست» عبر رحلة اعلامية وبمشاركة سياسية خجولة (اعتذر عدد من النواب من كتلة «التنمية والتحرير» في اللحظة الاخيرة عن عدم تلبية الدعوة)، يشمل تسيير ثلاث رحلات اسبوعية من بيروت الى بروكسيل وبالعكس (الاثنين والخميس والسبت)، على ان يرتفع عدد الرحلات الى اربع صيفاً، والموعد الثابت للوصول الى بروكسيل من بيروت العاشرة صباحاً، فيما الموعد الثابت للاقلاع من بروكسيل في اتجاه بيروت الحادية عشرة قبل الظهر، ويكون موعد الوصول الى بيروت الرابعة والنصف بعد الظهر. وتمكّن هذه الرحلات الانتقال من والى افريقيا عبر 11 عاصمة تشمل: دكار، لواندا، فريتاون، كوناكري، كوتونو، لومي، دوالا، مونروفيا، بانجول، واغادوغو وياوندي. والرحلة التي نظمتها ادارة «ميدل إيست» لحشد من الاعلاميين في مطبوعات ومحطات تلفزيونية لبنانية وعربية، الى جانب مشاركة السفير البلجيكي لدى لبنان يوهان فيركامن وزوجته، أتت على خلفية حملة مطالبة لبنانية ولا سيما من قبل نواب كتلتي «الوفاء للمقاومة» و»التنمية والتحرير» بعد كارثة الطائرة الاثيوبية المنكوبة، لحض الشركة الوطنية على مد خطوطها الجوية الى أفريقيا لتسهيل انتقال المغتربين الذين بات تعدادهم عشرات الالوف لا سيما في بلدان وسط القارة الى جانب بلدان تقع غربها. ويعتبر رجل الاعمال اللبناني الذي كان في عداد المسافرين في رحلة العودة من بروكسيل الى بيروت، واكتفى باعطاء اسمه الاول علي، ان افتتاح هذا الخط «يسهل بشكل كبير عملية الانتقال من افريقيا الى بيروت عن طريق بروكسيل، فموعد الاقلاع مريح جداً بالنسبة الى الآتي من كنشاسا، فأنا غادرت مساء امس كنشاسا ووصلت الى بروكسيل هذا الصباح وخلال ساعتين استقللت الطائرة المتوجهة الى بيروت التي أصلها بعد الظهر، في حين ان انتقالي عبر خط آخر يوجب علي الانتظار ساعات طويلة على سبيل المثال في مطار دبي تضاف الى ساعات السفر المضنية من كنشاسا الى مدينة افريقية اخرى قبل الوصول الى دبي ما يعني رحلة منهكة للوصول الى بيروت». وهذا الخط بحسب رجل الاعمال المذكور الذي يعمل في مجال تجارة الماس «ليس مهماً فحسب للمغتربين في الكونغو وانغولا وانما ايضاً بالنسبة للركاب اللبنانيين الآتين من كندا والولايات المتحدة». ويقدر علي، وهو من المغتربين الذين يعملون في افريقيا منذ ثمانينات القرن الماضي، «عدد اللبنانيين في الكونغو بنحو ثمانية آلاف مغترب وخمسة آلاف في انغولا التي تشهد بعد انتهاء حربها الاهلية نهضة كبيرة يساهم اللبنانيون فيها بعضهم يتوجه اليها من مغتربي ابيدجان والآخر وهم من جيل الشباب، مباشرة من لبنان حيث يعملون في تجارة السيارات وصناعة البلاستيك والفرش والمياه المعبأة والدهان الى جانب مشاريع اخرى ضخمة». وعلى رغم المنافسة الشديدة من قبل الهنود والصينيين الذين يعملون في مجالي البنى التحتية والاستيراد والتصدير، فانه يعتقد «ان اللبنانيين أقدر على النجاح في هذه البلدان بسبب معرفتهم القديمة لدول القارة السوداء». ويعتبر رئيس مجلس ادارة «طيران الشرق الاوسط» محمد الحوت الذي رافق مدعويه في رحلتهم، مفضلاً مقاعد الدرجة العادية لشخصه، ومنتقياً اجمل المدن في بلجيكا، للتجوال فيها من قبل مجموعة فاق عددها السبعين ضيفاً، ان الخط الدائم يبقى رهن التجربة على مدى السنة المقبلة، وهو يضاف الى خطوط جوية اخرى افتتحتها الشركة في اطار توسعها من بيروت الى بغداد والى اربيل والمدينةالمنورة، وقال ل»الحياة»: «افتتاح خط بروكسيل ومنها الى افريقيا جرى بالتنسيق مع شركة الخطوط البلجيكية لجهة تنسيق جداول السفر (من بروكسيل الى عواصم افريقية وبالعكس) واعطاء اسعار مخفضة بالمقارنة مع الشركات الاوروبية الاخرى تشغل خطوطاً الى افريقيا»، مشيراً الى انه «اذا تم تشغيل خط السنغال تصبح ال»ميدل ايست» قادرة على خدمة افريقيا بكاملها، لكن يبقى كل شيء رهن التجربة فاذا كان المغترب اللبناني مهتم بشركته الوطنية سيسافر على متن رحلاتها، فلا يجوز ان يدعونا الى فتح الخطوط ثم يحجمون عن السفر معنا». واذا كانت افريقيا رهاناً اساسياً لنجاح خط بروكسيل فان العاصمة البلجيكية نفسها رهان آخر لاستدامة الخط الجوي، فمدينة الشوكولا و»ويفر» و»البيرة السوداء» والبطاطا المقلية الى جانب طبق الصدف، وجمال الابنية المشيدة في القرن الثاني عشر، لا تبدو على أجندات اللبنانيين ممن يهتمون بقضاء العطل خارج لبنان، إما لسقوطها «سهواً» من برامج شركات السفر او لسوء التسويق من قبل البلد الام، او لاسباب اقتصادية علماً انه لا يفصلها عن باريس العاصمة المحببة للبنانيين الا مسافة نصف ساعة في القطار ونحو ساعتين عن العاصمة الهولندية امستردام. وبدا السفير البلجيكي اكثر سعادة لفتح الخط الجديد فهو بالنسبة اليه كما قال ل»الحياة»: «مريح في توقيته اذ تقلع الطائرة من بيروت صباحاً وليس في وقت متأخر ليلاً كما هي الحال مع رحلات اخرى ولا توجد محطات وسطية فهو خط مباشر»، ويوضح انه قبل افتتاح هذا الخط كان عليه اعتماد الطيران الايطالي او التركي». ويقدر السفير فيركامن عدد اللبنانيين في بلجيكا بنحو عشرة آلاف لبناني وهناك 1500 بلجيكي مسجل على لوائح السفارة لكن معظمهم من اصل لبناني، وكلهم بحسب اعتقاده «سيكونون فرحين لخط التواصل الجديد مع لبنان». في بروكسيل لا تبدو الازمة الحكومية المتمثلة بعدم تشكيل حكومة فيها حتى الان على رغم تكليف رئيس للحكومة، عائقاً امام استمرار الحياة في العاصمة التي اعتمدت شعار «عش اوروبا في بروكسيل». مدينة المليون نسمة تعج بكل الجنسيات الاوروبية نهاراً لينسحبوا الى ضواحيها ليلاً، اما مدينة تجارة الماس الاولى انفير والتي يبدو ان هنود بومباي فيها يسحبون بساط هذه التجارة من تحت اقدام التجار اليهود الذين كانوا قدموا الى بلجيكا من عائلات برتغالية، الى جانب التجار اللبنانيين الآتين اليها من افريقيا، فان الوقوف امام مرفأها الثاني في اوروبا بعد المرفأين المتنافسين روتردام وهامبورغ، يعيد عقارب التاريخ الى القرن الخامس عشر حين كان هذا المرفأ يستقبل السفن التجارية على مدار الساعة، وتبقى بروج المدينة التي صنفتها «يونيسكو» من ضمن التراث العالمي، تجربة تعاش اكثر مما تروى، بقواربها التي تعبر أقنية مائية تخترق غاباتها وساحاتها المزدانة بكل انواع الزهور والمزركشة مبانيها التقليدية بكل اشكال الزخرفة، وخيولها التي يستعاض عنها لجر العربات بدلاً من السيارات. انه الشعور بالامان والاستقرار والهدوء، فخلال خمسة ايام امضاها اعلاميو لبنان بين هذه المدن الثلاث، لم يسمعوا صوت بوق سيارة واحدة على رغم الزحام، ولم تزكم انوفهم رائحة تلوث غير روائح الشوكولا والاسماك المشوية، وهم فتشوا عن احدث سيارات ذات دفع رباعي مثل التي تجتاح شوارع بيروت وضواحيها فلم يجدوا الا دراجات هوائية تقل موظفي الاتحاد الاوروبي الى مكاتبهم الزجاجية، ولم يقلقهم سوى الرسائل الخطية الخلوية الاتية من لبنان عن اشتباك سياسييها واقتحام مطار بيروت، الذي ما ان حطت فيه بعد يومين طائرة ال»ميدل إيست» عصراً حتى بدت مدارج المطار كأنها فقط كانت في انتظار هذه الطائرة الوحيدة العائدة الى لبنان و»السلام». انه «اللاستقرار» الذي تخشى شركة «طيران الشرق الاوسط» منه على استمرارية نجاحها، اذ يشير الحوت الى «ان شهر آب (اغسطس) الماضي تراجع فيه عدد الركاب الآتين الى لبنان بنسبة 5.5 في المئة وهو تراجع لم نلحظه خلال السنوات الاخيرة، وليس سببه حلول شهر رمضان بل التصعيد السياسي الحاصل».