أثار قرار محكمة كندية بالكشف عن هويات المشاركين في "دردشة" استثمارية يستضيفها محرك البحث الأميركي "ياهو" انتقادات شديدة، باعتباره تعدياً على حقوق المتصفحين في ابقاء هوياتهم مغلفة، لكنه لفت في الوقت نفسه الانتباه إلى أزمة الصدقية التي تعانيها انترنت. سيما في ما يتعلق بأمور بالغة الحساسية مثل مسائل الاستثمار الشخصي. ويخص القرار بشكل مباشر مشكلة تتخطى الحدود الجغرافية، إذ تعرضت أخيراً الشركة الكندية "فيليب سرفيسز" لخسائر تناهز 200 مليون دولار أميركي ما أدى إلى تدهور أسعار أسهمها وإلحاق أضرار كبيرة بالمستثمرين. وزاد الطين بلة مبادرة الشركة نفسها بالكشف عن ارتكاب بعض أعضاء إدارتها السابقين مخالفات مالية خطيرة، بينها استغلال النفوذ لغرض المنفعة الشخصية. ودفعت الخسائر بعض حملة الأسهم إلى رفع دعاوى جماعية ضد إدارة "فيليب"، فيما اختار البعض الآخر التعبير عن خيبة آماله واحباطاته من طريق إحدى النشرات الحائطية التي أفردها "ياهوو" في موقعه لغرض "افساح المجال أمام المستثمرين لتبادل الآراء" حول أوضاع الشركة المذكورة التي تتوزع نشاطاتها وحملة أسهمها في كندا والولايات المتحدة وبلدان أخرى. وحتى الأسبوع الماضي، بلغ عدد رسائل النشرة نحو أربعة آلاف رسالة، ما يشير إلى حدة الجدل الذي أثارته الشركة لدى المستثمرين. والملفت ان هذا الجدل الذي بدأ قبل اعلان الخسائر بقليل وافتتحه مستثمر سعيد تمكن من شراء بعض الأسهم بمبلغ 17 دولاراً للسهم، ثم تطور بتوقع ارتفاع ثمن السهم إلى 25 دولاراً، أصبح مع تدهور السعر لاحقاً إلى نحو دولارين فقط، قصة بوليسية تبحث عن نهاية في قاعة المحكمة، إذ تجد انترنت نفسها المجرم والضحية في آن واحد. وجرت العادة أن يشارك المتصفحون في الدردشات الاستثمارية بعد ايداع أسمائهم الحقيقية وعناوينهم الالكترونية، وتحرص الجهة المضيفة بدورها على تحذير المشاركين من التورط في ممارسات يعاقب عليها القانون مثل القدح والذم في مقابل الحفاظ على سرية المشاركة لكل من يختار ايداع رسائله الالكترونية باستخدام اسم مستعار. اغراءات لكن اغراءات السرية غالباً ما تنتقص من أهمية التحذير لدى البعض، أقله، حسب اعتقاد شركة "فيليب" التي أصدرت بياناً اتهمت فيه عدداً من المشاركين باستخدام النشرة الحائطية، ومعها أدبيات انترنت بمجملها، وسيلة لتوجيه عبارات التهديد والقدح في حق إدارييها وهددت باتخاذ ما وصفته "كل الخطوات الضرورية للحفاظ على سلامة وسمعة كوادرها وأعمالها". ويلاحظ من متابعة تطورات الجدل الالكتروني، الذي يعتبره المراقبون إحدى الخدمات التفاعلية المثيرة في عالم انترنت، ان الاتهامات وجدت حرصاً من بعض المشاركين على تفنيدها إن لم يكن ردها إلى محاولة مبيتة من جانب الشركة لإسكات الأصوات الناقدة وصرف الأنظار عن متاعبها الداخلية، إلا أن التهديدات في حد ذاتها قوبلت عموماً بالاستخفاف والتحدي، نظراً لاعتبارها سابقة يصعب التنبؤ بنتائجها. وجاءت المفاجأة مع نجاح شركة "فيليب" في اقناع إحدى المحاكم الكندية بوجهة نظرها والأكثر إثارة أو خطورة أنها استصدرت أمر المحكمة قبل سماع رأي أو حتى إخطار الطرف الآخر وفي النتيجة لم يجد الكثيرون من موفري خدمات انترنت في كندا مفراً من الكشف عن هويات زبائنهم من المشاركين في النشرة الحائطية الذين يقدر عدد المعنيين منهم بالاجراء القضائي بنحو 26 مشاركاً. وأثار قرار المحكمة، كما هو متوقع، اعتراضات وانتقادات حادة، خصوصاً من جانب اتحاد موفري خدمات انترنت الكندي الذي يضم 120 عضواً، إذ أكد رئيس الاتحاد "رون كاوتشك" الأهمية المبدئية لاحترام خيار المتصفح في عدم الكشف عن هويته الحقيقية وشاركه الرأي نذير ديساي رئيس الفرع الكندي لشركة انترنت الاميركية الضخمة "بي اس آي نت انك". سابقة ولفت "ديساي" الذي اعلنت شركته قبل اسبوعين نيتها استئناف قرار المحكمة المشار اليه الى باب القصيد في مجمل القضية: "رأي القانون في سابقة من نوعها، اذ لم يحدث من قبل ان وجدت انترنت نفسها، باعتبارها تقنية حديثة العهد نسبياً، متورطة في ممارسات يعتبرها البعض مسيئة فيما يراها آخرون جزءاً من حرية التعبير عن الرأي الشخصي". ويخشى المنتقدون عموماً احتمال انعكاس قرار المحكمة سلباً على تحمس المتصفحين للمشاركة في الدردشات الاستثمارية، بمن فيهم المشاركين الذين يتوافر لديهم حسن النية والرغبة الصادقة في التشاور مع المستثمرين الآخرين قبل التورط في معاملات مؤكدة الخطورة مثل شراء الاسهم، لكن انتقاداتهم لا تنفي حقيقة مهمة حول مشكلة الصدقية التي تعانيها انترنت في المجالات الاستثمارية. وتبين على سبيل المثال ان عدداً من المشاركين في النشرة الحائطية لم يكن من حملة اسهم شركة فيليب بل تربطه بها قضايا معلقة غير استثمارية، واتضح في المقابل ان مشاركين آخرين ادلوا بآراء تصنف في خانة الاعلانات الترويجية فيما لوحظ في الوقت نفسه مساهمة الشركة المعنية في الجدل، اقله من طريق ايداع الرسائل التحذيرية بين الحين والآخر. وأوردت احدى الصحف الكندية حادثة تلخص مشكلة الصدقية وتتعلق بمستثمر اميركي اغرته الدردشات الاستثمارية على شراء كمية كبيرة من اسهم احدى الشركات الناشطة في التنقيب عن الذهب في اميركا الجنوبية لكن تدهور اسعار اسهم هذه الشركة بشكل مفاجئ الشهر الماضي ألحق بالمسثمر خسارة شخصية فادحة قدرها بزهاء 60 ألف دولار. ونسبت الصحيفة الى المستثمر قوله، "كنت ساذجاً حقاً. هناك علامة استفهام كبيرة جداً حول مسألة الصدقية في انترنت ففي وسط هذا الكم من الرسائل المغلفة يغدو من المستحيل التمييز بين الغث والسمين"