أصحاب المدخرات الذين يعتبرون اللعبة الاستثمارية ضرورة من ضرورات الحياة العصرية ويتحفظون ازاء التعامل مع الوسطاء لكنهم يتحرجون من ابداء الأسباب، سيجدون "انترنت" أفضل اختراع تفتق عنه العقل البشري، شرط اقتناعهم أن الاستثمار يظل، قبل وبعد انترنت، لعبة توزن فيها فرص الربح والخسارة بميزان الدربة والخبرة. ويضيف يوسف برهان شرطاً يعتبره مهماً: أن تكون أجهزة الكمبيوتر والبرامج وخدمات انترنت متاحة بأسعار مناسبة بحيث لا تصبح في حد ذاتها عبئاً يحبط العملية الاستثمارية قبل بدايتها. ويوسف خبير فني يعمل لدى احدى الشركات الكندية ويمارس الاستثمار الشخصي كهواية عن طريق انترنت في كندا وخلال زياراته المنتظمة الى بعض الدول العربية. وبفرض استيفاء الشرطين الآنفي الذكر يعتقد يوسف ومعه زهاء 200 ألف شخص من أمثاله في كندا وحدها حسب أحدث الاحصاءات الموثوقة، أن انترنت أثبتت فاعليتها في حقل الاستثمار الشخصي، سيما بعد التطور الكبير الذي أمكن تحقيقه في برامج التشفير بما يضمن قدراً معقولاً من الأمان والسرية الواجب توافرهما في التعاملات الاستثمارية. ومؤشرات الفاعلية كثيرة اذ باتت انترنت توفر للمستثمر، في مكتبه ومنزله وحيثما ما حملته أسفاره، فرصة الانتقال الفوري الى أسواق المال والاطلاع على كشوفات الشركات وتحليلات المحللين وتقارير المراقبين وتوقعات المخضرمين ثم متابعة أداء الأسهم لحظة بلحظة واجراء صفقات الشراء والبيع على مدار الساعة، وفي حال وجد الأسواق أكثر سخونة مما يحتمل فلن يجد صعوبة تذكر في أن يلوذ بحمى الخيارات والسندات. وتساهم كل هذه المؤشرات في جعل انترنت وسيلة مغرية لممارسة الاستثمار الشخصي خصوصاً حين يضاف اليها عامل الكلفة، سواء في ما يتعلق برسوم الاشتراك في خدمات انترنت التي تراوح في كنداوالولاياتالمتحدة من 13 إلى 20 دولاراً أميركياً شهرياً بالنسبة للخدمات غير المقيدة أو عمولات الصفقات السهمية التي تبدأ من عشرة دولارات في حد أدنى للصفقة الواحدة. اغراء وتؤكد مصادر استثمارية في كندا مثل "كولين مورهيد" رئيسة مؤسسة "فيرسوز" لخدمات الوساطة ان عامل الاغراء الذي تتمتع به انترنت قوي ما يسمح بتوقع نمو عدد المستثمرين بنسبة 40 في المئة سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة، وفي الولاياتالمتحدة توقعت مؤسسة "فورستر" للأبحاث أن يرتفع عدد الحسابات الاستثمارية من 3 ملايين في بداية العام الجاري الى 15 مليوناً سنة 2002 حين سيبلغ مجموع هذه الحسابات نحو 688 بليون دولار. ويفسر بعض المراقبين حماسة المستثمرين بالقول إن انترنت لم تكتف بوضع القرار في يد المستثمر في واقعة غير مسبوقة في تاريخ الاستثمار بل ساهمت في فتح أسواق المال أمام الجميع بعدما كانت حكراً على الأثرياء، لكن المهم في هذه الحماسة أنها وجدت من يغذيها في شخوص مؤسسات الخدمات المالية، لا سيما شركات الوساطة المحسومة، التي تبنت تقنيات انترنت وانفقت بسخاء على حملات الترويج لخدماتها. ويقدر عدد شركات الوساطة الناشطة في انترنت في الولاياتالمتحدة فقط بنحو 70 شركة ورغم ان بعض هذه الشركات يقدم خدماته في مواقع لا تحتاج الى الكثير من نفقات التطوير والترويج إلا أن البعض الآخر ينفق ما معدله نحو 250 دولاراً لكل زبون، وأعلنت شركة كبيرة مثل "اميريتريد" أخيراً التوقيع على اتفاق قيمته 50 مليون دولار لترويج خدماتها لمدة عامين في موقع الخدمات المالية لشركة "أميركا اون لاين". وعلاوة على حملات الترويج تتغذى حماسة المستثمرين باغراءات الامان التي توفرها تقنيات التشفير مثل تقنية SSL 128 - بت التي تأتي مدمجة في بعض برامج التصفح الرئيسية وتقوم بتشفير البيانات اثناء عبورها قنوات الاتصالات وتجدر الملاحظة ان التقنيات المتطورة ليست متاحة على نطاق واسع في العالم ويخضع تصديرها من الولاياتالمتحدة للقيود المطبقة على التقنيات العسكرية. تحذير ويحذر خبراء التسوق الاليكتروني من أن الامان المطلق لا زال بعيد المنال، إلا أن مواقع الخدمات المالية تحاول طمأنة زبائنها من خلال تبني اجراءات احترازية تحاكي أنظمة الامان المصرفية، والغالب لجوء شركات الوساطة الى تقسيم المعاملة المالية إلى مراحل مستقلة ما يحتم على المستثمر استخدام الرمز الشخصي في كل مرحلة من هذه المراحل. وبالنسبة لمجرب، مثل يوسف، تعتبر انترنت في حد ذاتها أقوى الاغراءات، إذ يرى أن مرونتها وجاهزيتها الدائمة وقدرتها على رصد المعلومات وتمتعها بالميزات التفاعلية المطلوبة ساهمت مجتمعة ليس فقط في ازالة الكثير من الطلاسم والرهبة التي اكتنفت العملية الاستثمارية حتى وقت قريب، بل شجعت الكثيرين على الاستغناء عن خدمات الوسطاء وممارسة الاستثمار بصفة شخصية. وتبدأ العملية الاستثمارية في انترنت باختيار الشركة الوسيطة التي يرغب المستثمر بالتعامل معها واجراء صفقاته من طريق موقعها، والمفترض ألا تكون هذه الخطوة بالغة التعقيد، إذ تصنف الشركات الوسيطة بحسب متطلبات زبائنها، فالمستثمر الذي يملك من المؤهلات ما يستعيض به عن خبرة الوسطاء سينحصر اختياره في مواقع الاستثمار المستقلة أو شركات الوساطة المحسومة، والمستثمر الأكثر حذراً لن يجد بداً من دفع عمولات أكبر في المواقع ذات الخدمات الشاملة. وتقدم مواقع الاستثمار المستقلة في كندا تسهيلات متنوعة تساعد على اتخاذ القرار واجراء الصفقات، وعلى سبيل المثال يجد المستثمر في موقع شركة فيرسوز المتخصصة في عمليات الاستثمار الشخصي، مجموعة من أدوات البحث والتحليل مثل نشرات الأخبار الفورية واللوائح السعرية لنحو 12 ألف شركة مدرجة أسهمها في أسواق المال الكندية والأميركية علاوة على الدراسات التحليلية والمعلومات الأساسية عن أداء الشركات وأوضاعها الاستثمارية. والشيء الوحيد الذي لن يجده المستثمر في انترنت هو الربح المضمون، وإذا كانت تجربة يوسف مع الاستثمار في انترنت مقياساً يقبل التعميم فهو يعترف أنه لم يبدأ في تحقيق الأرباح المتواضعة، حسب وصفه، إلا بعدما تكبد خسائر فادحة، وأيضاً حسب وصفه.