طوال العامين الفائتين كانت المانيا وصلت الى الافلاس الحقيقي: الاسعار تتضاعف والمارك الالماني لم يعد يساوي حتى قيمة الورق الذي يُطبع عليه. اما الشعب الالماني فراح صراخه يتعالى: صحيح انه لا يمانع في الاستمرار في دفع التعويضات المفروضة عليه من قبل الحلفاء، تبعاً لنصوص معاهدة فرساي، بوصفه مهزوماً في الحرب العالمية الاولى ولكن… الخبز اولاً، الخبز قبل كل شيء ثم تعويضات الحرب بعد ذلك. من هنا راحت الدول الحليفة تزداد شكّاً حول قدرة المانيا - من الناحية الاقتصادية - على دفع ما يتوجب عليها دفعه، فما العمل؟ اخذ اقتصاديو الدول الحليفة، ولا سيما بدءاً بمؤتمر بروكسيل في خريف العام 1923، يتبارون في البحث عن حلول حتى كان المصرفي الاميركي داوز، الذي توصل الى اقناع الحلفاء، خلال مؤتمر شهير لهم عقدوه في لندن، خلال شهر آب اغسطس 1924 بقبول "حل ممكن ومنطقي"، حسب تعابير تلك المرحلة. هذا الحل الذي أُطلق عليه اسم "مشروعه داوز" وافق عليه الحلفاء، يوم الخامس عشر من شهر آب 1924 بعد ان أشبعوه نقاشاً وبحثاً، ولا سيما عن طريق "لجنة خبراء" حليفة لم تتوقف عن عقد اجتماعات مطولة في لندن منذ بداية ذلك العام الصورة: اجتماع خبراء مؤتمر لندن. بالنسبة الى المصرفي الاميركي كان المطلوب التوصل الى حلّ لمشكلة التعويضات التي خلفتها معاهدة فرساي، والتي كانت هي السبب في حدوث التضخم الغريب والمذهل الذي تعرفه المانيا ويهدد بنسف كل شيء، وبتحريض شعب كامل بات يشعر الآن انه مهزوم وجائع في الوقت نفسه. المشروع الذي وضعه داوز اعلن منذ شهر نيسان ابريل من العام نفسه، وينص تدريجاً: اولاً، على جلاء القوات الفرنسية عن منطقة الروهر التي كانت تحتلها منذ اوائل العام 1923. ثانياً، تخفيض في اقساط التعويضات مقسّمة على اربع سنوات. وعلى هذا سيكون على المانيا، تبعاً للخطة، الجديدة، ان تبدأ في العام 1928 بدفع مبلغ يصل الى 2.4 مليار مارك ذهبي، مع احتمال زيادة المبلغ السنوي تبعاً لازدهار الاقتصاد الالماني. ثالثاً، لكي يتمكن ذلك الاقتصاد من التحسن بسرعة يقدم الحلفاء لألمانيا قرضاً في العام الاول قيمته 800 مليون مارك ذهباً، بفائدة معقولة نسبتها 8 في المئة سنوياً. مشروع داوز، الذي وصف يومها بأنه مشروع اقتصادي بحت، لا يخضع لأية تأثيرات سياسية، لم يصف التعويضات بأنها عقوبات، بل تعويضات وحسب. ومع هذا، اذا كان قد لقي قبولاً من الحلفاء، فان طرفين على الاقل داخل المانيا حارباه، هما من ناحية الشيوعيون، ومن ناحية ثانية القوميون الاشتراكيون - النازيون - فالفريقان وجدا انه يساهم في إذلال الأمة الالمانية. وتركز هجوم الفريقين على عدد من الرسميين الألمان الذين شاركوا في المؤتمر اللندني، حيث ان الحلفاء وتسهيلاً للأمور، حرصوا على ان يدعو الى طاولة المفاوضات ومنذ بداية شهر آب نفسه، سياسيين ألماناً، من بينهم غوستاف سيرسمان، وزير الخارجية الذين فاوض بنفسه الفرنسيين، بالنسبة الى جلائهم عن الروهر والرين خلال عام. باختصار، كان ذلك المشروع، الذي اعتبره البعض اجراء تهديئياً يحاول تعديل الامور لمصلحة بقاء الشعب الالماني ومعيشته، واعتبره البعض الآخر وسيلة اضافية لإذلال هذا الشعب، كان من شأنه ان يوجد شيئاً من الاستقرار في قيمة المارك، وهو ما حدث بالفعل عند نهاية الشهر نفسه حتى تمكن البنك المركزي الالماني من تثبيت سعر المارك، وان لفترة من الزمن، كما كان من شأنه ان يسمح بتدفق الرساميل الاميركية على المانيا. مهما يكن فان الحلفاء اتخذوا قرارهم في ذلك اليوم، ورأوا ان الكرة الآن في ملعب الألمان الذين رأت اوساط الغرب انهم سيتخذون هم قرارهم بعد مداولات تدوم ما لا يزيد عن اسبوعين. لكن تلك حكاية اخرى، لأن ما حدث بعد ذلك قلب صورة الاوضاع تماماً، وتفجّرت الاوضاع السياسية في المانيا، بحيث نسي مشروع داور، وعاد المارك يهبط وازداد شعور الألمان بالذل الى درجة قادتهم لاختيار النازيين ممثلين لهم... ومدافعين عن كرامتهم الوطنية.